-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الإسلام هو الحل.. والعودة إلى الذات؟

الإسلام هو الحل.. والعودة إلى الذات؟

هذه العبارة التي سادت في نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات، ليست في الواقع إلا تعبير عن حاجة المجتمع للإجابة عن السؤال الذي طرحنا من قبل: إلى أين نحن ذاهبون؟(مقال الأسبوع السابق). لقد لخص الناس إجابتهم في تلك الفترة في هذه العبارة “الإسلام هو الحل” ولم تكن أبدا تخلو من صحة، بل كانت في الواقع هي الإجابة المرجعية التي ينبغي أن تقدم لكل من أراد أن يمتلك رؤية وتاهت به السبل أو عجز على تقديم إجابة. ألم نسجل في البند الأول من مقالنا الأسبق المتعلق ببناء الرؤية أن ذلك يتم عبر ثماني مراحل أولاها: تحديد الهُوية (الجذور، التاريخ، الثقافة، الكفاءات، القيم). ألا تشمل عبارة الإسلام هو الحل كل هذه العناصر؟

لقد عاب البعض على الذين نادوا بهذا في تلك الفترة، ومازالوا يعيبون عليهم، أنهم مثاليون، حالمون، لا يُحسنون سوى رفع الشعارات.. أما تحويلها إلى مشروع متكامل فذلك ما ليسوا أهلا له؟ وبدل أن يتم تعميق النظر في هذا الشعار ودوافعه وأبعاده ودلالاته وأن يتم السعي إلى الانطلاق منه “كحلم” لاستخلاص المشروع وإرساء قاعدة صلبة له، تمت محاربته والسخرية منه، ليس فقط من قبل أعدائه بل حتى من قبل بعض المحسوبين على أنصاره من الذين لم يكونوا، في غالبيتهم، يدركون أبعاده الحقيقية.

لقد تم طرح المسألة على أساس أن عبارة الإسلام هو الحل، إنما تعني فقط العودة إلى تطبيق أحكام الشريعة في جميع المجالات مع الاجتهاد والقياس والتجديد، وتم طرحها أحيانا من قَبيل الرفض للمشاريع التغريبية المختلفة بما في ذلك الاشتراكية والرأسمالية، ولم يتم تطوير فكرة أن ذلك يعني إعادة التفكير في قاعدة الانطلاق، وتنقيتها من كل الشوائب، لأن الرؤية لا تنطلق من الفراغ إنما من عمق الجذور، ومن التاريخ والثقافة والكفاءات وكيف تجلت جميعها في شكل قيم. والكل يعلم أن موروثنا التاريخي والحضاري والديني يمتلك بالقدر الكافي العناصر التي تمكنه من إعطاء معنى لكل هذه الأبعاد للانطلاق في تقديم تصورات ليست فقط صالحة لبناء الحاضر إنما المستقبل أيضا؟ 

فلماذا تم تعطيل ذلك وتشويهه؟ لماذا تم تحجيم عبارة الإسلام هو الحل، وتشويهها، ولماذا انتزعت من السياق الذي كان ينبغي أن توضع فيه ووضعت ضمن سياق آخر تماما، يفيد بأن عبارة “الإسلام هو الحل” تعني قطع الأيدي والأرجل ومنع المرأة من الخروج من البيت، والانتقام، ورفض الحضارة وحقوق الإنسان وغيرها من الاتهامات الخيالية التي تم طرحها بشأن تفسير هذه العبارة، لإثارة الرأي العام المحلي وتأليب الدولي ضدها.

يبدو أن مجتمعاتنا كانت، ومازالت، ضحية فعل الآخرين. إنهم يدركون حقيقة ما تعني عبارة “الإسلام هو الحل” ويمكنهم أن يضعوها ضمن سياقها الطبيعي المنهجي فلا تبدو مخيفة ولا مثيرة للتخوفات أو الإشكالات؟ بل إنهم لو اعتمدوا المنهج العلمي في صياغة رؤية للمجتمع المسلم، ولم يدخلوا الاعتبارات الذاتية في ذلك، لانطلقوا من هذه العبارة كمفتاح لرسم أية إستراتيجية، دون عقدة أو خوف.

إنهم يدركن ذلك، ولذلك يقومون بتشويه المراد من العبارة، ويمنعوها من أن تكون المنطلق لأي طرح علمي موضوعي لأجل بناء رؤية مستقبلية لبلداننا تتضمن الحلول المبتكرة التي طالما عجزنا على إيجادها رغم أنها مطلبنا الأول والأخير. ويخدمهم أن يُصدِّروا لنا رؤية مشوهة هجينة مركبة بطريقة لا موضوعية تحاول أن تجد حلولا هجينة بين حضارتين متمايزين في المنطلق والغاية: الإغريقوـ رومانية، والإسلامية. وهم يدركون ذلك، ويريدون للحال أن يبقى كما هو، لأنهم يعلمون أيضا أن أية انطلاقة منسجمة مع المكونات الموضعية للأمة ستكون قائمة على أسس متينة وستستمر، وهذا لا يخدم أيا من أهدافهم القريبة أو البعيدة. فماذا علينا أن نفعل اليوم؟: هل نعود إلى إعادة طرح عبارة “الإسلام هو الحل” من جديد في ظل غياب الحلول. أم نتجه نحو البدائل التي تطرحها للثقافة الغربية المعاصرة من ديمقراطية وحقوق إنسان وليبرالية واقتصاد سوق وعولمة؟

يبدو أن الحلين متناقضان، وهما بديلان ينفيان بعضهما البعض، والواقع أن ذلك مناف للحقيقة العلمية والموضوعية تماما.

إن استشراف مستقبل أية شركة أو مؤسسة أو قطاع يستلزم العودة إلى جذوره، إلى تطوره التاريخي، إلى القيم التي تحكمه، بعبارة مختصرة إلى دينه عند اعتبار الدين يحمل كل هذه الدلالات. إذن لماذا نقبل كمعالجين لمشكلة مؤسسة أو شركة أو منظمة أو قطاع أن نعود إلى كل هذه ونمنع على أنفسنا ذاك عندما نريد أن نطرح بدائل لمعالجة الأمة؟ لماذا لا نضع العبارة ضمن دلالاتها الموضوعية الحقيقية؟ ولماذا لا نُبعد عنها تلك الدلالات الموحية بالتطرف ورفض التقدم أو التفاعل مع المستقبل؟ 

إن ذلك ممكن، وهو المطلوب من قيادات أي مجتمع إسلامي لا تعيش عقدة الخوف من العودة إلى الذات على حد تعبير المفكر الإيراني علي شريعتي؟ لماذا لا تعتبر العودة إلى الذات الإغريوقوـ رومانية أو المسيحية أو حتى اليهودية عودة محمودة في حين أن العودة إلى الذات الإسلامية هي عودة تحمل معها كل أشكال التطرف والرفض للعيش ضمن حقائق العصر؟

يبدو أن هناك إجحافا حضاريا في حق المسلمين، وهناك تحريفا مقصودا لحاجتهم للعودة إلى الجذور، إلى الذات الحضارية والتاريخية. من خلال تقديم قراءات غير صحيحة وغير موضوعية لعبارات مثل “الإسلام هو الحل”، وتصويرها في جميع الأشكال الموحية بالتزمت والانغلاق ورفض الآخر بل والسعي لتحطيمهـا، ومنعها من أن تُقدم لا على أساس أنها عودة موضوعية إلى الجذور لأجل القيام ببناء مستقبل متماسك ومتين الأسس.

إننا لا نتصور أن أولئك الذين رفعوا شعار الإسلام هو الحل، قد يقصدون الإطاحة بالآخرين دون أن يعرفوا البديل الذي سيقدمونه. حقيقة، لعل أغلبهم لا يدرك الدلالات العميقة للعبارة، بل ليس مطلوبا منهم ذلك، إنما كانوا يدركون أنها تحمل ضمانات العمل المستقل القائم على أسس صلبة. إننا لا نستطيع أن نحمّل الناس أكثر من طاقاتهم وأن نطلب منهم جميعا إدراك البعد السياسي والأخلاقي والميتافيزيقي وغيره لمثل هذه العبارة، لكن علينا أن نقوم نحن بتحميلها الدلالات الموضوعية التي ينبغي أن تتضمنها بعيدا عن التطرف وقريبا من مفهوم العودة إلى الذات. 

 

هل ينتظر القادة الغربيون من مواطنيهم أن يدركوا فلسفة الديمقراطية، وأن يعرفوا الفروقات بين الفرق المسيحية والشيع الغنوصية والجماعات اليهودية، والفرق بين مفهوم المساواة عند الإغريق والرومان والمسيحيين مثلا؟ أم أنهم يربطونهم بالذات الغربية الواحدة التي تصنع منهم كتلة موحدة تجاه الآخرين، ويجندون كافة الوسائل والتكنولوجيات الحديثة لتحقيق ذلك، بل ولتعميمه عبر العالم. يبدو أنهم كذلك.. فكيف ننتظر نحن لنقول لمواطنينا أن الإسلام هو الحل يعني بالضرورة العودة إلى الذات وأنهما غير متناقضين أبدا وهما الحل معا…

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!