-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الاستثـمار في الخير.. الــواقع  والمأمول

حسن خليفة
  • 284
  • 1
الاستثـمار في الخير.. الــواقع  والمأمول

هذه المحـنُ المتلاحقـة التي ضربت وطننا، أيا كان وقعها الأليم، وخسائرُها الكبيرة الجسيمة في الأرواح والممتلكات وفي الإجهاز على جغرافيا خضراء بديعة رائعة (الغابات والنسيج الأخضر الممتد).. فإنها، من جهة ثانية، كشفت لنا ـ للمرة الألف ـ عن معدن هذا الشعب الكريم الطيب الخيّر، وهذه عملة نادرة وثروة لا تقدّر بثمن.

والذي يتابع ويحاول فهم دلالات ومعاني ذلك الاندفاع الجميل الرائق المسكون بـ”همّ” المساعدة وفعل الخيرات وتقديم المواساة للمتضررين.. سيعرف أن طينة هذا الشعب حقا طينة خاصة مميزة، وأنه ما يزال أقرب إلى الفطرة الإنسانية السليمة، على الرغم من كل ما جرى عليه من تجارب الماكرين في مخابر التحطيم والتمييع والتفسيق والمسخ.. وكل ذلك معروف، على الأقل على مدى العقود الثلاثة الماضية؛ إذ سُخِّرت كل الإمكانات من أجل قتل كل جميل وقيّم ونديّ وإنساني في هذا الشعب، بدءا من المدرسة والروضة التي خُطط لإفراغها من كل ما يجب… إلى الجامعة التي صارت فضاء للتجريب وأقرب إلى “روضة للكبار” بلا أي ثمرات في مستوى ما تثمره الجامعات صانعة النُّخب ومنتجة العلم والمعرفة… إلى كل ميادين الحياة، فقد جُوِّع الشعب، وحوصر، وظُلم، ومُسَّ في كرامته (ضرب الأطباء والمعلميـن والأساتذة وقطع الأرزاق والإذلال وما أكثرها وأشد آلامها..).

كل ذلك لحسن الحظ لم يؤثر في بنيـة هذا الشعب النفسيــة والعاطفية فبقيّ نقيا طاهرا وفيا، مندفعا في الخيرات والمكرُمات.. وقد شهد بذلك العدوُّ قبل الصديق.

غيـر أن الإشكال الحقيقي المطروح الآن في كيفية الاستثمار في هذه الخيرية العجيبة، وفي هذا الكائن الإنساني الاستثنائي الجميل (نعني الإنسان الجزائري بكل ما فيه).

وكما يُقال: لكل قاعدة استثناء، فلا يعني أن يكون الشعب الجزائري بهذه “الفخامة” أنه ليس هناك سقط متاع وصنفٌ رديء، بلى.. هناك حثالة حقيقية؛ منهم مَن هم في مقاعد التدبير والتسيير، ومنهم بعض التجار الفجرَة الذين يبيعون ويشترون حتى في الموت والمصائب.. ومنهم المتفرّج الذي لا يعنيه أي شيء مما حدث، ولم تتحرك فيه شعرة آدمية.. لكن الغالبية رائعة تستحق الفخر.

إن الاستثمار في هذه الخيرية واجب من أوكد الواجبات، ولكن من يفعل ذلك؟

هاهنا تتراءى لنا مجموعـة فواعل وهي: السلطة، غياب الإستراتيجية، المجتمع المدني وغياب ثقافة التنسيق والتآزر.

1-   أما السلطة فقد أبدت ـ للأسف الشديد ـ انكفاء وتأخرا وبطئا في الاستجابة، ولم تستطع، مع توفر الإمكانات، أن  ترتقي إلى مستوى هذا الشلّال من الخير المسوق إليها، فلم تقم إلا بالقلـيل في هذه الهبّة العظيمة الرائعة، وهناك أوجه قصور كثيرة ليس هذا مجال التفصيل فيها، وإنما يمكن الإشارة إلى البطء الغريب في الاستجابة، وانعدام الخطط الأصلية والخطط البديلة، على الرغم من أن الوطن تعرّض لمحن من قبلُ بأوجه مختلفة، وكان العجز عن المواكبة وضعف الاستجابة هو سيد المواقف دائما من قبل السلطة، فدلّ ذلك على ضعف في الأداء، وعسـر في التدبير والتسيير، بما يكاد يُفقد الثقة في المسؤولين المحليين خاصة.

2-  ومما يتعلق بالسلطة دائما ، وهي المسؤول الأول، هناك انعدام رؤية وغياب إستراتيجية توقع، ومن ثم غياب التخطيط والاستشراف. ولا يمكن للمؤمن أن يُلدغ من الجحر مرتين، فما بالك بمرات، وهذا هو الحاصل، فنحن نلدغُ مرات من الجحـر الواحد، والمصيبة الواحدة والظرف الواحد (الأكسجين مثالا، وما قبلها من أزمات معروفة أيضا كالفيضانات والسيول مثال آخر). والخلاصة: الرداءة هي السائدة، وضعف التحكم في الأمور هوا لظاهر البيّن، والتأخر في الاستجابة هو القاعدة… وهذا لا يليق.

فكيف يمكن تسيير بلد بحجم قارة بهذا الشكل وبهذا البطء، وبهذه الصورة الكئيــبة؟

3- الجانب الآخر الملحوظ في هذه الهبّة الخيرية الإنسانية العظيمة والذي يؤثر سلبا على مردودها هو انعدام ثقافة التعاون وضمور ثقافة التنظيم والتنسيق، وهذه مسؤولية مشتركة بين المجتمع بنخبـه والسلطة لكونها الناظم الأول لحياة الناس أو هكذا يُفترض أن تكون.

والآمر هنا جللٌ فتدبير وتسيير  الأزمات؛ خاصة الكبيرة منها، لا يمكن أن يكون بالعواطف ولا بالانفعالات، ولا بالاندفاع القوي، ولا بالفوضى والعفوية.. بل بالعقل والعلم والحكمة، والتخطيط والتنسيق، واستباق الزمن وإعمال العقل بخطط قريبة ومتوسطة وبعيدة.

ليست المسألة متصلة فقط بتوفير وتضخيم وتحشيد المساعدات والمستلزمات، بل هناك ما هو أبعد من ذلك بكثير، وفي ذلك تفصيل وتدقيق وتمحيص ومعرفة يجب أن تتوفّر، بل هناك قيادات يجب أن تؤهَّل وتُصنع لمثل هذه الظروف الخاصة. والكلام يطول ولا بد من الاستفادة من الأخطاء لمواجهة ما هو قادم، ولا بد من الاستعداد الحقيقي وإعداد الرجال والخطط والاستراتيجيات .

4 ـ نأتي أخيرا إلى دور ومسؤولية الجمعيات في حد ذاتها، فهناك مسؤولية كبيرة لهذه الجمعيات التي يجب أن تتوفّر على الحد المقبول من “فقه التآزر والتكافل” وأن يكون ذلك ضمن منظومة القيّم المعمول بها في المجال الخيري الإسلامي الإنساني، فلا ينبغي أبدا العمل بـ”أنانية” وحسابات “سياسية” أو حزبية، أو فئوية، بل ينبغي العمل برحابة صدر، وتوافق وتفاهم وانسجام ونية واحتساب؛ لأن ذلك يعطي مثالا للمجتمع ككل على الخيرية والصفاء والأخلاق العالية عند العاملين في الأنشطة الخيرية الإنسانية..

وهذا لم يتحقـق إلا بقدر يســير للأسف، وينبغي أن يُتدارك.

المأمول كثير وكبير وأقلّه استدراك النقائص السابقة قدر الـوسع وفي أقرب الأوقات.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • ابونواس

    الخير رحل مع أهله الخيرين أنتاع أزمان...زمن النية والاخلاص والوفاء ....