-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

البحر على البحر…

عمار يزلي
  • 913
  • 4
البحر على البحر…
أرشيف

أمام الخوف من الإمبراطور كوفيد الـ19، كان عليَّ أن أتجاوز أزمة سيولة البحر هذه السنة وأن اعتبر أن في “الصيف ضيَّعنا العوم”.. قلتُ لزوجتي: البحر عليكم هذا العام، هذا العام سأجلب لكم البحر إلى البيت، ما تخافوش.. أنا ما تبحرليش!

اشتريت لهم بيسين بلاستيكية قطرها 5 أمتار ووضعتها وسط الدار..

“هنا، ستبحرون.. البحر من ورائهم والحرّ أمامكم وليس لكم والله إلا الحجر في الدار والاختباء خلف الأسوار”، هكذا خطبت فيهم قبل أن أشتري هذه البُحيرة المتنقلة.. وتعالَ تشوف الهم عندما يبحث عنك حتى في الدار.. صار بيتي قبلة لكل من هب ولا يدب.. من أبناء العائلة والجيران الذين صاروا يزورونني كالفئران.. في كل وقت يقضّون مضجعي عندما أهمّ بالقيلولة، فلا تسمع إلا الصياح والنباح والعويل والصراخ والزعيق والنعيق!

أبنائي وجدوا راحتهم في اليوم الأول فقط، أما اليوم الثاني فقد تركوا “البحر القصير” لأصحاب الأقدام الطويلة السوداء من سواد العائلة والمقرَّبين والمبعَدين.. حتى من كان لا يزورك إلا في الموت.. جاء يقول لي “توحّشناكم”.. وجاء بـ”كمشة نتع بزوز” وكأنهم درسوا “قلة التربية” في المدرسة!

في اليوم الرابع، بدأت الشكايات والحكايات تصل إلى بيت نومي، فأنا أصلا خاطيني البحر وخاطيني الماء.. أنا “بري” ولست لا بحريا ولا برمائيا.. أنا متوحش.. خلوي، صحراوي مترمل.. بدأت زوجتي تتأفف وتقول لي: “أنا هذيك لابيسين غادي نثقبها ونسيّل دمها قدام اللي يحب واللي ما يحبش.. أنا وليت قرصونة في هذا الدار.. مش فقط غير يجيو عندي يفوتوا العطلة ويعوموا ويبرونزيو، يزديوا يدوّشوا ويأكلوا ويفطروا ويشربوا.. ويوسّخوا لي الطواليت.. أنا راه عندي الأوتيل هنا؟ مركب سياحي؟”.. هذا كله فضلا عن وصول أو مصاب بكورونا من الجيران إلى لابيسين المحلية..

خرجت من بيتي وأنا أزبد وأرعد: أوّل من صادفته هو ابن الجار بياع الكيران: مسكته من “الكيلوط” وسحبته له نحو الأسفل أمام الذكور والإناث: تزيد تولي، الكيلوط يطير! هيَّا طير لأمك (وخرج يعوي وسط ضحكات الكل).. دقائق ويدخل ابن جار الجنب ابن قدُّور بائع البطيخ، حاملا نظارات قد هاااك.. وباراصول وسربيتة ونعالة و”لي بالم” والماسك.. تحسب راه عندي المرجان في أعماق البحار.. مسكته هو الآخر من مؤخرة الكيلوط ونظرت فيه بلا صراخ: واش، راك رايح تبحر في دار الحاج موح، عوم وروح؟ راك تشوف فيَّ عندي بيسين أولمبيك هنا؟ وإلا عندي “كاب فالكون”، أيا طير عند بوك..

الولد لم يعرف ماذا يقول سوى أن قال لي: لا لا عمي.. راني ماشي.. أنا يما هي اللي قالت لي روح تعوم عند عمك موح. قلت له: قول لها: عمي موح، ماعندهش سفينة نوح.. يالله عفط.. طير خير ما كيلوطك يطير!

وهو خارج، سمعته يقول لفريق عوم آخر قادم من نهاية الزنقة ليعوم عندي: “غير وليو تروحوا.. والله اللي يدخل الكيلوط طار!” واسمع الأرجل والكلاكيطات تتعثر في الطروطوار هاربين وكأني كنت خلفهم بملقط أنزع عنهم لباسهم.. هربوا كلهم.. ولم أر أحدا منهم منذ ذلك الوقت.. يبدو أن الحاضر أعلم الغائب.. والأمر وصل إلى الفيسبوك: صرت حديث العام والخاص بينهم: ينكتون وينذرون ويسخرون ممن سحبت من خلفهم أنصاف سراويلهم.. كلفني هذا بطبيعة الحال لوم أبائهم وحتى أمهاتهم، لكن ربحت راحتي وصحتي وأبنائي!

بعد 14 يوما من وصول أول مصاب، كان كل الحي مصابا بالفيروس.. والعدوى جاءت من لابيسين.. الحمد لله نجا كل الأبناء، لأنهم تركوا لابيسين للأغيار رغم أنهم أصحابُ الدار.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
4
  • دوادي

    كيف جرى كل هذا و لم تنتبه لك السلطات المحلية و الغير محلية طبية و قانونية من المفروض تغرم بغرامة جزافية مليون دينار خاصة و اما جرى ليس حلما

  • محمد قذيفه

    -بارك الله فيك ، دائما في تألق مستمر

  • Rahma/italia

    هههههههه اضحك الله سنك...

  • معانات

    رغم أن مدخولهم من بيع المخدرات أعلى من راتب وزير السياحة فأنا مثلك أعاني من أطفال الجيران الذين لا يقل أصغرهم سنا عن 30 حولا و الذين يتخذون خلفية العمارة التي أسكن فيها ملاذا للإستجمام علما أنني أقطن بولاية داخلية، فبمجرد أن ننتهي من صلاة المغرب يحضر كل واحد منهم كرسيا مخصصا للنزه و يبدأون العواء و بين الفينة و الأخرى تسمع صوت دراجة نارية آتية لأخذ السلعة من خلف العمارة لا تبعد عن مركز الشرطة إلا بأمتار قلية
    أتذكر أننا عندما كنا في مثل سنهم رغم التشومير لكننا لم نضيع و لا عاما فرصة البحر
    لقد حرمنا نهيقهم من فتح النوافذ و صار البيت حمام ، ندمت لأني شاركت في تنظيف الساحة الخلفية و تشجيرها