-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الخسائر أكبر من مكسب تصفية معارض

الخسائر أكبر من مكسب تصفية معارض

المملكة العربية السعودية، التي شغلت العالم بإصلاحات قلّبت المشهد الوطني ببعديه الديني والاجتماعي/ السياسي، كانت في غنى عن تنفيذ سيناريو اغتيال رديء في حبكته، فتح أمامها جبهات لا تقوى على مجابهتها، إعلاميا وسياسيا، وألقى بها في زاوية ضغط عالمي، في مرحلة يشتد فيها الصراع الإقليمي في الشرق الأوسط.
لقد جاء الحدث وكأنه استدراجٌ لقيادة جديدة، أثار مجيئها المفاجئ صراعات داخلية، لم تشهدها السعودية من قبل، صراعات داخل الأسرة الحاكمة، وانقلاب مذهل على المؤسسة الدينية المتوارثة منذ عهد الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود، استفز رموزها وأتباعها.
الجهاز السري الذي خطط لعملية اغتيال سرية، وصلت أنباؤُها إلى العالم بعد ساعتين، وفشل في مداراتها، قبل أن يتعثَّر في نفيها، بروايةٍ لم يصدِّقها أحد، إما كان ساذجا أو متعمدا في ارتكاب أخطاء لا يرتكبها ضابط مخابرات متمرس، في تنفيذ مهام خاصة، هدفها توريط النظام السياسي، وإسقاطه في فخ جريمة يدينها العالم أجمع.
متغيرات متسارعة، في ظل خبرة متواضعة، لم تستحدث مؤسسات استشارية وأمنية، تتكافأ مع حجم تلك المتغيرات في أرض قيدتها قوانين محافِظة على الدوام. ولم تتهيأ بعد لأي إصلاح إداري جديد، قد يراه البعض كفرا، أو خروجا عن طاعة الله، أو استهدافا لأقطاب تقليدية تحكمت برأس المال السعودي، عبر التحكم بمركز القرار السياسي.
واقعٌ جديد خلق معارضيه منذ البدء، لم يرتضوا بقوانين جديدة، ونظام عائلي يقصي من سبقه، كان جمال خاشقجي المنحدر من أصول تركية، رقما بسيطا في هذه المعارضة الطارئة، لا يملك سوى مساحة عمود صحفي في صحيفة “نيويورك تايمز” يطلق فيه إشارات حول ما يراه “أخطاء” في سياسة بلاده الراهنة، دون الخوض عما يقال حول تعاطفه مع “حركة الإخوان المسلمين” وتواصله مع بعض رموزها، ما أثار حفيظة النظام السياسي السعودي.
ندرك أن إقدام نظام سياسي على تصفية معارض، هو إسكاتٌ لصوته، ورسالة ترهيب لأولئك المعارضين المحصَّنين في مخابئ سرية، وتحذير لمن ينوي التخندق في مواقع المعارضة التي تقلق أجهزة الدولة، لكن هل ينجح هذا النظام عبر هذه التصفية الجسدية في تحقيق أهدافه؟
اغتيال معارض سياسي، لم ينهِ وجود تنظيم معارض، ولم يُسقط نظاما سياسيا قائما، فالصراع الدائر بين الطرفين أزلي مثل أزلية بقائهما، ويتبادلان على الدوام الخسائر والمكاسب.
وفي المشهد السعودي الراهن، تبدو الخسائر أكبر بإعلان مقتل الراحل جمال خاشقجي، فالتخلص من معارض افتراضي واحد، في مشهد مرعب، خلق الملايين من المعارضين بأصوات مدوِّية، في ظرف صراع إقليمي دقيق، تنتظر فيه المملكة العربية السعودية تفهما عالميا لمواقفها، وفسحة لترسيخ قواعد نظامها الإصلاحي الجديد، يدعوها إلى إعادة النظر في مواقفها وآليات سياساتها، وترميم بيتها من الداخل، فما يمكن أن يصيبها سينعكس على أمن العالم العربي برمَّته.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • الطيب

    كل ما يصيب السعودية ، وإذا أصيبت فعلا في هذه القضية، لأن الأمور ليست بهذه السهولة والغرب لا يزال يحتج الى ضرع البقرة الحلوب، إذا أصيبت فعلا فسيكون هذا في صالح العرب والمسلمين وليس العكس كما يظن صاحب المقال . لو يتخلى الخليجيون عن دعم الأرهاب والاسلامويين ، ومؤازرة الدكتاتوريات في العالم العربي، والتطبيع مع اسرائيل ولو بدل شراء السلاح من امريكا واوروبا استثمروا في العلم والتكنولوجيا والانتاج في العالم العربي وابتعدوا عن سياسة امريكا التي تدفع بهم الى معاداة ايران لتقوى العرب وحصنوا أمنهم ،