-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الشباب أو الطاقة المزعجة..

التهامي مجوري
  • 1771
  • 3
الشباب أو الطاقة المزعجة..

كلما التلقيت بشاب أو بمجموعة من الشباب، إلا ووجدت فيهم من التذمر واليأس والقنوط، أكثر مما فيهم من الارتياح والطمأنينة والأمل، بسب ما يعانون من التهميش والتعطيل لطاقاتهم الحية، واستبعادهم من مواطن التأثير والنفوذ، إن على المستوى الشعبي أو المستوى الرسمي، وحتى إذا وُجدوا او وُجد بعضهم، لا يمكن أن يتجاوز وجوده، الموقع الإداري والتمثيل الفردي، لا الموقع التمثيلي الثقيل والمعبر عن الثقل السياسي أو الإجتماعي.

إن هؤلاء الشباب في معايشتهم للواقع يجمعون فيما ينقلون من آراء وأفكار، على أنهم محاصرون من كل جهة، لا أحد يشعر بهم، أو يشعرهم بأنهم الفئة الأهم في البلاد، فلا الأسرة تراعي فيهم طموحاتهم وآمالهم العريضة، ولا البرامج الاجتماعية والسياسية ألقت على عاتقهم مسؤولية النهوض بالأمة، إلا بما يمكن أن يعتبر رشوة وإشغال لهم عما هو أهم وأفضل، مثل تشغيل الشباب، ولا المؤسسات الرسمية والشعبية، اوجدت لهم محاضن وساحات يفرغون فيها طاقاتهم الزائدة؛ بل لا يسمعون إلا ما يحبطهم ويحبط آمالهم، ولا يشعرون إلا بما يدعوهم للعزلة والانتحار.

وفي المقابل لم أجد من الكهول والشيوخ، من يشعر بخطورة هذا الواقع، على مستقبل البلاد والعباد، وإنما بالعكس، وجدت من يحرِّض على هؤلاء الشباب، فيحذر من تهورهم واندفاعهم وخطورتهم على البلاد وعلى المواقع والمراكز، فالسلطة تتوجس منهم خيفة، بحيث كل تحرك منهم وخطوة أو خطوات احتجاج لا تفهم إلا أنهم آلة في يد غيرهم من المتآمرين على البلاد، فلا يسع الرسميين إلا التحذير من الخطر من تهورهم واندفاعهم غير المحسوب، والمؤسسات الحزبية والجمعوية، لا ترحب بهم خوفا من تسلقهم المناصب والاستيلاء على المواقع الحساسة في هذه المؤسسات، ولم يقف الأمر عند المؤسسات الاجتماعية، وإنما تجاوزه إلى المحضن الأول لهؤلاء الشباب، وهي الأسرة، التي من المفروض أن تكون الورشة الأولى التي يبني فيها آماله وأحلامه وينمي فيها طاقاته ليكون رجل المستقبل وبانيه بسواعده المفتولة.. هذا المحضن بكل أسف هو الآن أول عائق للشاب، فوالداه اللذان كانا يمكن أن يساعداه على صناعة مستقبله، هما اليوم أول من يعيقه وينالا من عزمه، فهما ينظران إليه على أنه “الطفل الذي لم ينضج بعد”، ثم يحرصان على ألا يتورط في فعل يخل بالعلاقة بالسلطة، فينقلان له فيروس اليأس من الصلاح والإصلاح، بسبب ايتشراء الفساد، حتى لا يتحول إلى معارض يغضب السلطة، فيزرعان فيه بذور الرتابة المزعجة، التي فرضها النظام الإجتماعي والسياسي المهزوز.

إن الوالدين لا يريدان المساس بمشاعر السلطة، التي هي أول مانع بعد الأسرة للشباب من الوصول إلى مواقعه الطبيعية في المجتمع، وهي مواقع الفعل والحركة وصرف الطاقة واستثمارها فيما يبني.

إن الشباب في المجتمعات هو رأس المال الأول في حركة التنمية والتطور والتحرر والاستقلال..، وهو القوة المزعجة في المجتمع؛ لأن تهميشها لا يحل المشكل وإنما يضاعفه، فالمجتمع الذي يهمش الشباب لا واقع له ولا مستقبل، لا واقع له لأنه يعيش بالضعف والخوف والرتابة، التي هي من خصائص الشيخوخة، أو يكون ملازما للتردد والمساومة والإفراط في التدبر وهي ملامح الكهولة، التي هي الحكمة ولكنها إن زادت عن حدها تصبح أكثر خطرا من الشيخوخة، ويتحول إلى مجتمع مهدد بتلك الطاقة التي همشها وهدرها وضيعها.    

لقد تتبعت بعض مراحل تاريخ الحركة الوطنية خلال القرن العشرين، فوجدت ان أهم رجالها المؤثرين كانوا شبابا، ابتداء من الأمير عبد القادر الذي بويع على الجهاد وعمره لم يتجاوز الـ24 سنة، وخاض معارك لمدة 17 سنة، ومرورا بمجموعة الـ22 وعشرين الذين فجروا الثورة فقد كانت أعمارهم ما بين الـ 25 سنة إلى 37 سنة، وإطارات الاستقلال، فقد كان عمر العقيد شعباني 28 سنة أصغر عقيد قي العالم، والرئيس بومدين كان عمره 33 سنة عندما قاد الانقلاب على أحمد بن بلة، وكان قبل ذلك وزيرا للدفاع وإطارا هاما في جيش التحرير. 

وعندما تأسست جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، والتي تعد من اهم الحركات الإصلاحية في زمانها، لم يتجاوز مؤسسوها سن الـ42 سنة [ابن باديس الإبراهيمي العقبي الميلي العمودي….]، وهؤلاء الذين اسسوا الجمعية قد بنوا لها أرضيتها خلال ربع قرن سابق، أي أنهم شرعوا في العلم مع بداية القرن العشرين وأعمالهم لا تتجاوز العشرينات.

لا أريد أن أستفيض في الكلام عن أهمية الشباب في حركات المجتمعات، وتحريكها والنهوض بها؛ لأن الماء لا يفسر بالماء كما يقال، حيث الماء يفسر غيره لا يفسر نفسه، وإنما أريد لفت انتباه من يهمه الامر في بلادنا ويهمه مستقبلها، أن يكفوا عن تتبع عورات الشباب ومطاردتهم وتقزيمهم وتهميشهم؛ لأن الشباب طاقة، والطاقة لا تقبل المطاردة والتقزيم والتهميش، وإنما تبحث عن قنوات لصرفها، ومجالات لاستهلاكها وامتصاصها، وإذا لم تجد هذه القنوات وهذه المجالات، وإذا لم تجد في الساحة إلا المطاردة والتقزيم والتهميش فإن لغتها المفضلة هي “عليَّ وعلى أعدائي”، فإنها تتحول إلى طاقة انتقام فاعلة في شكل بحث عن حل لمشكلاتها، فتتحول إلى معاول هدم وتخريب وتدمير للذات، إذ أول ما يبدأ به الشاب هو نفسه، وإذا كان الناس ينظرون للشباب الذي يفجر نفسه على أنه شباب مغرر به، فإنني أنظر إلى الجانب الثاني من واقعه، وهو أن هذا الشاب كان يبحث له عن مثل أعلى فلم يجده إلا في هذه “العملية الاستشهادية” او “العملية الإنتحارية”.

إن الجزائر التي مرت بفتنة التسعينيات التي خلفت أكثر من مائتي ألف قتيل، وملايير من الدولارات تخريبا للمتلكات واستنزافا للخيرات، من المفروض أنها أول من ينتبه إلى المائتي ألف تلك كان معظمها من الشباب، من الطاقة التي كان يمكن أن تتحول إلى منتوج اجتماعي ومعرفي، لو كان هناك رشدا وعقلا حريصا على مستقبل البلاد، ولكن لما كان الذي كان كانت الخسائر المضاعفة التي لا أشك في أن الجميع نادم على فعل ما فعل بمستويات متفاوتة، ولكن العناد يقلب “الطيور ماعزا”.

إن الجزائر لا تزال مرشحة للإنفجار بكل أسف، بسبب ما فيها من النسداد، واول الانسدادات في تقديري هي تهميش الطاقات الشبانية، وهي الطاقات المرشحة للإنتقام من المجتمع بطرق شتى، فبعضها ينتحر انتحارا بطيئا عبر استهلاك المخدرات والعيش في الخيال غير المثمر، والبعض يركب البحر هروبا من السيء إلى الأسوأ، والبعض سوف يحدث قنوات للفت الانتباه إليه بفعل شيء ملفت حتى يثبت ان له قيمة، ولو كان هذا الفعل امتحارا، وغير هؤلاء وأخطرهم، الانخراط في هذا الحراك الدولي، الذي تفرضه أحداث الشرق الأوسط، وأجلى صورة فيه للشباب هي الانخراط في تنظيم الدولة الإسلامية للعراق وبلاد الشام.. الذي هو حراك يتسع لامتصاص ملايين الشباب الذي يقلق النظام الدولي والانظمة المستبدة، كما امتص شباب الحركة الإسلامية خلال سنوات الثمانينيات في الجهاد الأفغاني، ثم تحول إلى تنظيم دولي يسمى تنظيم القاعدة.

فيا عقلاء الجزائر.. احموا شبابنا من مستقبل مجهول، أوجدوا لهم ساحات تثمن وجوده وتستثمر طاقاته وجهوده وإلا كان وبالا على الجميع.. ولا تنزعجوا من منافسته لواقعكم المكسو بالرتابة والضعف عن الحركة، لأن الانزعاج سوف يكون أخطر وأكبر إذا ما عبر عن نفسه بطريقته على هامش المجتمع الذي هو راكد الآن.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
3
  • Sabour

    براك الله فيك. "الشباب انهم بشر وليس حجر اذ احسنت إليهم تلقى كل الخير ان شاء الله واذا اسأت اليهم تلقى كل الشر والعياذ بالله"

    (الاستثمار في الانسان استثمار في المستقبل )

  • حنصالي

    انا كتبت هاد الشيئ من اجل ان سمعت لاحد المعارضين معروف مع احتراماتنا له سئل عن المشاورات الحاصلة وتكلما بالسلب معرضا عن الاتفاق مع رفاقه والسبب يريد هذا ان لا يكسر برنامجه

    ما معنا هذا كيف لجماعة وكل بطبيعة الحال له وثيقة عمل وله اسلوبه لاكن هل يمكن ان نختلف في الرئية او الاحساس او الصورة النمطية للهدف هذا مستحيل معناها نحن نسير الى ما وصل اليه دول الربيع العربي تحرك بدون هدف ولا رئية او قيادة لها بصيرة

    لاكن الافضل اولا الاتحاد تحديد او رصد مكامن الضعف والقوة والاهداف والامكانات من بعد

  • حنصالي

    ما فهمتونيش للاسف

    يا جماعة الخير القيادة ابداع.. راح نروحو لاماكن جديدة الابداع قلنا جزء منه مركب احساس وهو تلمس الهدف او الشيئ الذى نريد ان نصل او نبحث او نصنع عنه فبالتالى هذا الشيئ يكون موضع جذب او قوة جذب حقيقية

    من هاته القوة العضيمة نخرج عصارة الدوافع الخفية او الحوافز فى خلطة لا ارادية كما قلنا مع العقل وحده نصنع البرنامج الذى يوصلنا الى هاته النقطة الجذب وكما يقول العلماء الابداع والتميز او كل شيئ جديد مميز خارق لابد ان يكون لا ارادى فقط ارادتنا فى التميز والسعي وبلوغ الاسبا