الشعب يريد “التغيير ” . !
كثـر الحديث حول “التغيير”، وأصبحت هذه الكلمة سحرية للعديد، ومحل مزايدة من الجميع، فالكل أصبح ينادي بالتغيير، وأصبحت ماركة معتمدة إلى جانب العديد من الماركات الأخرى العالمية، إلا أن “التغيير” أو الإصلاح والثورة وغيرها من المصطلحات الشبيهة، كلها تحمل في طياتها برامج وآليات….
-
فأصبح “الشعب يريد تغيير النظام” شعارا لا يرتاح له العديد من قيادتنا، وبالمقابل أصبح السياسيون يستعملونه يمينا للإحراج والإزعاج، فالتغيير قادم، وبخطى سريعة في بعض الدول، وبعضها بخطى بطيئة، وعليه يجب على الكل أن يدرك هذه الحقيقة حكاما ومحكومين ومستضعفين، إلا أن البعض يستعمله ليس إيمانا بقدر ما هو مصير محتوم، واكتنازا للأيام العجاف لعل عملية ركوب الموجة قد تشفع له!!
-
إلا أن التساؤل الفلسفي أو الوجودي “للتغيير” هو هل يمكن أن يبنى الجديد بالقديم!!! أو نغير بالوجوه القديمة؟ والإجابة عن التساؤل جد صعبة، في ظل أن العديد قد تجاوز مرحلة الحكم الراشد، فأصبح في ظل مراحل متقدمة من التمتع بالحكم وامتيازاته، بعهدتين وثلاث إلخ.. فمقاومة التسلط والخروج من القوقعة صعب وصعب جدا!! فأحيانا الحاشية أو بطانة السوء قد تستشير بما لا تشتهيه السفن، بحكم أنهم المستفيدون الأوائل!
-
وإنني أستعجب ممن ينادي بالتغيير أو رفع الغبن أو إطلاق “ذخيرة” كلامية ضد رموز النظام البالي بحجة التغيير، وقد نسي أنه على رأس حزبه لمدة سنين، وليس سنينا بدون تغيير!! أو ينادي برفع الغبن عن الشعب، ولم يستطع أن يرفع الغبن عن مناضليه!! أو يريد إسقاط النظام، وهو جزء لا يتجزأ منه أو على الاقل كان قد لعب دورا أساسيا في النظام، ولعل المأساة التي نعيشها اليوم كانت جزءا من إفرازاته السلبية.
-
ولذلك نقولها بصراحة، التغيير الترقيعي أو تغيير الواجهة بدون الوجوه أو التغييرات الفلكلورية أصبحت غير مجدية، كما أن الكل ليس لديه “حصانة” ضد موجة التغيير، وعليه من يتوهم بأننا بعيدون فهو مخطئ في تحليلاته
-
فالحصانة الوحيدة هي رفع الأداء الديمقراطي بتغيير في سلوكيات النظام، بفتح قنوات “الاتصال” المسدودة بالبيروقراطية، والتشريعات المظللة، والمؤسسات الدستورية غير الشرعية، بدونها فالتغيير هو تغيير كرتوني فقط.
-
وإننا اليوم نعيش “تغييرا” فقط على مستوى النوايا، دون الأفعال، وذلك يوحي بالتردد وعدم وضوح الرؤية أو الإرباك القائم في الخيارات التغييرية والمنهجية الواجب اتباعها للوصول للتغيير المنشود داخل النظام، فحتى طبقتنا السياسية -من موالاة ومعارضة- ضعيفة، ولا ترتقي للمواصفات المنشودة للتغيير، فالبعض أصبح بدون هوية، والبعض الآخر أصبح يفرط في استعمال مفردات التغيير، والبعض يرى التغيير في إنكار لما تم إنجازه… إلخ.
-
وذلك يوحي بـ “لانفصام” القائم بين التغيير كفلسفة ومنهج وبين من ينادي به بدون وعي للمفردة وما تفيده من “منهج جديد في التعامل السياسي”.
-
فأصبحت طبقتنا السياسية فاقدة لمقومة وجودها، وبدون شرعية، وإنني على يقين أن “التغيير” سيقذفها لمتاهات التاريخ، ونصيحتنا أن “الشعب يريد التغيير” هو تغيير للنظام بتغيير طرق التسيير وتغيير ما أفسده الدهر ونحن على عتبة الخمسينية من عيد الاستقلال، وعليه إما يكون التغيير من الداخل، واحتواء موجات التغيير بالانفتاح الصادق، والتحاور مع الكل بدون استثناء، و”تنفيس” الحياة الإعلامية والحزبية والسياسية، أو أن التغيير قد يتخذ أشكالا أخرى إما خارجية أو عنيفة أو تآمرية، ولنا تجارب قائمة في هذا الشأن، ولذلك لنسارع في التصدي والتقارب، وتوضيح الرؤى والخطوات التغييرية، ولا تبقى مجرد “خلطة سحرية” أو “سرا” محفورا في أفراد معينين، فالوقت ليس في صالحنا، ولا في صالح “الكل” فطال الانتظار، وطالت الوصفة، وطال العلاج.
-
هذه انطباعات عابر سبيل يريد أن يرى التغيير اليوم قبل الغد، وهذه أكبر هدية أو إنجاز يمكن تقديمه ونحن على عتبة الاحتفال بالخمســـــــينية؟؟
-
فالشعب يريد تغيير النظام!!