الفيزا.. شنقا..!
عندما تذكر الأرقام أن 25 ألف جزائري استقروا بفرنسا خلال سنة فقط، (دون أن نعرف كم عدد الذين استقروا في بلدان أخرى!)، نكون قد فهمنا بالأرقام، أن”موسم الهجرة نحو الشمال” (على رأي رواية الأديب السوداني الراحل “طيب صالح”)، لم يعد “موسميا”، بل عاد دهريا متواصلا ومتعاظما! بما يعني أن النزوح نحو الشمال، من شأنه مستقبلا أن يُفرغ الجنوب من جنوبه، ويملأ الشمال من شماله إلى جنوبه! الهجرة من الجنوب إلى الشمال، تاريخية بسبب الجغرافيا!: سكان الجنوب، يهاجرون باتجاه التل، وأصحاب التل، يهاجرون باتجاه ما وراء البحر! ولسنا ندري بعد كم سنة، كم سنجد في الجنوب من معمرين جزائريين! (أخشى أن يعمر الجنوب “مستعمرون جدد” من فصيلة الأمريكان واليابانيين والصينيين وعمال الشركات النفطية..وفقط دون غيرهم من الجزائريين الذين سيفضلون الهجرة نحو “لانجيري” والبعض منهم نحو “بلاد فرانصا”!
نمت على وقع هذه الأرقام المخيفة، والتي لا تعكس بالضرورة الدقة في العدد، (بدون عدد الحراڤة المحشورين في محتشدات الإيواء على أراضي الضفة الأخرى في إيطاليا وفرنسا وأسبانيا وحتى اليونان وصقلية..إضافة إلى أجساد من تلقفتهم الأسماك والحيتان وراحوا “شهداء” الهجرة على قوارب لا تقرب إلا للموت القريب..)، لأجد نفسي أعيش 20 سنة بعد هذا التاريخ، وقد هاجر كل سكان الجنوب بعد أن ملوا من انتظار حل مشاكلهم مع البيئة و“الإضارة” والنقل والأميار والولاة والتعليم والبطالة والماء والغاز والوقود..”الذي هم عليه قعود“..فقرروا الهجرة تاركين وراءهم ديارهم وأموالهم، وأرضا فهموا أنها ليست لهم، بل للملاكين الجدد وعساكر متعددة الجنسيات لحماية الشركات “المتجنسة الأعداد” الذين قاموا بإنزال مريع بث الهلع والرعب في نفوس السكان المحافظين الآمنين، خاصة لما رؤوا الخمور والنسوان والغلمان والمخنثين من الجنسيات العشرة، صاروا من عشيرتهم!
كنت من الفئة الناجية (رغم أني والعياذ بالله من الفئة الضالة، لأني ضللت الطريق..وعوض أن أهاجر في بوطي مع العائلة، وجدت نفسي بعد يومين من الإبحار، أرسو على شاطئ..لم يكن غير الشاطئ الذي انطلقت منه! حمدت الله أني عدت إلى بلدي بعد يومين من الموت أمام الأعين!). نجوت من الهجرة، وبقيت مهجورا لعدة سنوات في مغارة على شاطيء البحر قبل أن يكتشفني وعائلتي مكتشف أمريكي، كان يبحث عن أصول الإنسان الأول في المنطقة: كنت أنا الإنسان البدائي الأول في عصر الحضارة والتكنولوجيا، الذي بقي في الجزائر.
عندما أفقت، كان الهاتف يرن: الفيزا جاهزة…تعالى استلمها غدا صباحا!