-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

المؤامرة على الهوية.. من “دوجلاس دانلوب” إلى “أدعياء الإصلاح”

سلطان بركاني
  • 5088
  • 0
المؤامرة على الهوية.. من “دوجلاس دانلوب” إلى “أدعياء الإصلاح”

كان “دوجلاس دانلوب” مبشّرا اسكتلنديا، انتدب للتّبشير في مصر بدءًا من العام 1889م، وأمكنه بمساعدة “اللورد كرومر، الحاكم الفعليّ لمصر من قبل الاستعمار البريطاني بين (1882-1906م)، أن يترقّى في سلّم المناصب والمسؤوليات، من مدرّس للّغة الإنجليزية والخط اللاّتينيّ، إلى أن عيّن سكرتيرًا عامّا للمعارف سنة 1897م، ثمّ مستشارًا سنة 1906م، وتمكّن من السّيطرة التامّة على شؤون التّعليم في مصر، ووضع مخطّطٍ لتغريب التعليم وإزاحة مقوّمات الهوية المصرية من البرامج التعليمية.

عمل دانلوب خلال الفترة التي سيطر فيها على أزِمّة التعليم في مصر (1906- 1930م) على صعيدين اثنين؛ أوّلهما محاربة مقومات الدين الإسلاميّ، حيث ألغى عددا من الكتب المقررة التي تتحدث عن القيم العربية الإسلامية بحجّة أنّها لا تُلبّي حاجات التعليم، وأحلّ محلّها كتبا تحتوي أدبا سخيفا وسقيما، جلّه عبارة عن قصص تدور أحداثها على ألسنة الحيوانات والطيور تمّ انتقاؤها من بين القصص التي ألّفها الكاتب الفرنسي جان دي لافونتين (ت 1695م) الذي يعدّ أشهر كاتب قصص خرافية في تاريخ الأدب الفرنسي، لخدمة أغراض تغريبيّة تستهدف العقائد الإسلامية والقيم المصريّة!.

وعلى الصّعيد الثّاني، عمل “دانلوب” على التّمكين للّغة الإنجليزية وإحلالها محلّ اللغة العربية، وقد فرض تعليم الموادّ العلميّة كالرياضيات والعلوم الطبيعية والفيزيائية والكيميائية باللغة الإنجليزية، ثمّ زحف إلى التاريخ والجغرافيا والرسم، وضيّق على معلّمي اللّغة العربية من الأزهريين، وأعلى مكانة معلّمي اللغة الإنجليزية ورفع من شأنهم.. كانت خطّة “دوجلاس دانلوب” تنفّذ تحت الرعاية السامية للّورد كرومر، الذي يعدّ واحدا من أبرز مهندسي المخطّط التّغريبيّ الذي سار عليه الاستعمار الحديث في محاولاته لاجتثاث مقومات الأمّة الإسلاميّة، ويسير عليه وكلاؤه الذين استلموا الراية من بعده في بلاد المسلمين.

خطّة “دانلوب” في مصر، تبنّاها المبشّرون والمنظّرون للاستعمار الفرنسيّ في الجزائر، وسعى جنرالات الحرب لتنفيذها بالترغيب تارة وبالترهيب تارة أخرى؛ حيث عملوا على طمس الثقافة العربية والإسلامية، وحاربوا الكتاتيب والمدارس الدينيّة، ثمّ انتقلوا إلى التّضييق على تعليم اللغة العربيّة، وفرضوا تعليم وتعلّم اللّغة والثقافة الفرنسيتين، ولأنّهم علموا أنّ تخلّي الجزائريين عن دينهم مطلب لا يمكنهم بلوغه، فقد حاولوا الترويج لفكرة الفصل بين الإسلام والعربية، واعتبار اللغة العربية لغة وافدة على حساب اللّهجات الجزائرية الأصلية! وسعوا لإحلال اللهجات العامية محلّ اللّغة العربية التي أشاعوا في الأوساط العامّة والخاصّة أنّها لغة ميتة لا تصلح لشيء!.

لقد سعى المستعمر الفرنسيّ جاهدا بمبشّريه ومنظّريه وجنرالاته، لاجتثاث مقومات الأمّة الجزائرية، لكنّه كان في كلّ مرّة يعود بخفّي حنين، حتى خرج يجرّ أذيال الخيبة، ومع ذلك لم يستسلم ولم يتخلّ عن هدفه الذي أوحى إليه شياطينه بأنّه يمكنه الوصول إليه بأيد جزائرية ربّاها على عينه، أشربت حبّ لغته وثقافته، وكان له أن استغلّ الفتنة التي عصفت بالبلد في تسعينات القرن الماضي، ليوسوس إلى أوليائه بأنّ الثقافة الإسلاميّة واللغة العربية هما سبب تلك الفتنة التي اكتوى بها الجزائريون، ويوعز إليهم بالإسراع في إعادة استنساخ تجربة دانلوب، مستعينين بالإعلام المأجور الذي صوّر سعيهم على أنّه “إصلاحات” تقتضيها المرحلة وتدعو إليها الحاجة إلى اجتثاث أسباب التطرّف ودوافعه!.. مَنّوا الأمّة الجزائرية بتعليم متطوّر يواكب التّعليم في الدّول المتحضّرة، لكنّ الأمّة فوجئت بهم يزهدون في كلّ ما هو نافع من العلوم الطبيعية والتكنولوجية لينشغلوا بإعلان معارك جائرة على مقوّماتها لزحزحتها عن مكانتها وإبدالها بثقافة غربية منحطّة وآداب سقيمة وأساطير لا تختلف كثيرا عن أساطير لافونتين!. 

ربّما ينتشي أدعياء الإصلاح ودعاة التّغريب ويفركون أيديهم بعض الوقت، وهم يرون بعض أهدافهم تتحقّق، لكنّ فرحتهم هذه لن تدوم طويلا، خاصّة وأنّ مآربهم الخائنة بدأت تتكشّف، وقريبا سينقلب السّحر على السّاحر، ((فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِين)) (يونس، 81).

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!