-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

انتصار للشعب وجيشه          

حبيب راشدين
  • 1435
  • 4
انتصار للشعب وجيشه          
ح.م

حتى ساعة متأخرة من ليلة أمس الأول، لم تكن السلطة المستقلة قد أفرجت عن نتائج الاستحقاق الرئاسي، باستثناء الإعلان عن النسبة النهائية للمشاركة التي سفّهت ملايينُها العشرة أحلام دعاة المقاطعة، بخروج شعبٍ آخر كانت النخبة الحضرية قد أسقطته من حساباتها، وأخطأت فيه هذه المرة كما أخطأت فيه في أول استحقاق تعددي في تسعينيات القرن الماضي.

وحتى قبل أن تحسم السلطة نتائج السباق بإعلان فوز السيد عبد المجيد تبون صبيحة أمس، فهذه هي المرة الأولى في تاريخ التعددية التي يفشل فيها الجميع في التكهن مسبقا بالفائز، وربما ليس مهما في هذا الاستحقاق أن نعرف من اختارته الكتلة الناخبة، لأنه لم يكن هو موضوع هذه الرئاسيات، وقد أجمع أغلب المواطنين على أنهم إنما صوتوا للجزائر، ولصالح الفرصة الوحيدة التي كانت متاحة لإخراج البلد من المأزق وحالة الانسداد وخطر السقوط في الفراغ.

يقينا كان هذا الاستحقاق مميزا: بهذه المشاركة النوعية للمواطنين من الجزائر العميقة في الهضاب والصحراء الكبرى، وبالتنظيم السلس لواحد ستين ألف مكتب اقتراع، استطاعت مؤسسة الجيش والمؤسسات الأمنية أن تؤمِّنها، باستثناء ما حصل في ولايتي تيزي وزو وبجاية، التي نجح فيها التهديد والاعتداء الآثم للناخبين في تحقيق مقاطعة شبه مطلقة.

وفي مكان ما، تكون القوى التي راهنت على إفشال الاستحقاق، ولجأت إلى أساليب معادية للديموقراطية، واعتدت على الحريات الفردية للناخبين، قد أساءت التقدير، واستخفت بمستوى إصرار السلطة القائمة على المضي قدما في تنظيم وإنجاح هذا الاستحقاق، من دون اللجوء إلى أدوات التزوير، أو الدخول في صدام مع القوى الممانعة في الحَراك، وفوتت عليها فرصة تحويل العرس إلى مأتم.

ومن باب الأمانة، يكون الطرف المعارض في الداخل والخارج للمسار الدستوري قد نجح في الحد الأدنى في حرمان المواطنين في ولايتين من المشاركة، نجاح هو بطعم الهزيمة، لِما له من تداعيات مستقبلية على أمن واستقرار البلد ووحدته، ويتطلب من الرئيس الجديد للجزائر أن يبادر إلى معالجته بقدر من الحكمة والتبصُّر، واعتبار مواطنينا في هاتين الولايتين كضحايا لخيارات آثمة استبدت بها نخبُه التي تشتغل منذ الاستقلال على عزل هذه المنطقة وتمييزها عن باقي ولايات الوطن.

وفي الجملة، يكون لزاما على الرئيس عبد المجيد تبون أن يلتفت إلى باقي الكتلة الصامتة التي لم تشارك، وألا يغلق الأبواب أمام جزءٍ كبير من جمهور الحراك، الذي لا يحسُن بأي طرف أن يخوِّنه أو يطعن في وطنيته حتى مع الشجب الواجب لما أظهره بعضهم من تطرُّف وعنف في التعبير عن الرأي المخالف، وأن يبادر إلى فتح قنوات حوار هادئة وجادة، تواصل مرافقة الحراك في تحقيق ما هو معقول ومشروع من مطالبه.

نفس الشعارات التي رفعها الحَراك بالدعوة إلى بناء “دولة مدنية” مستقرة، تمر حتما عبر تعديل الدستور، بما في ذلك الدعوة إلى تأسيسية منتخبة، تستأثر بصياغة دستور دائم متوازن للبلد، قد أصبحت اليوم مطلبا شعبيا، واختبارا حقيقيا لمدى استعداد الرئيس القادم لمرافقة المواطنين في تحرير عقدٍ اجتماعي جديد يجنب البلد مستقبلا السقوط في الفراغ، ويمنع المغامرين من العبث باستقرار وأمن البلد.

وكيفما كانت ردود أفعال من فاز ومن لم يوفق، فإن الوقت مبكر لاستخلاص كل العبر والدروس من هذا الاستحقاق، الذي يكون قد أسقط كثيرا من الرهانات الخاطئة على فرص فشل السلطة القائمة في تنظيم استحقاق شفاف في ظروف معقدة مضطربة، أو الرهان على فرص اختراق الجسم السليم من الشعب الجزائري، الذي وثق بجيشه وقيادته، ورافقها في خيار العبور بالبلد إلى بر الأمان عبر الاحتكام للصندوق.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
4
  • سيف الله

    بارك الله فيك.

  • أحمد

    تحية طيبة لكل استاذ راشدين وللجزائر ولكل جزائري حر مخلص لوطنه.

  • elarabi ahmed

    ( انتصار للشعب وجيشه ) هده العبارة تحيل القارء الى الفترة استالينية وبكل حمولة ايديلوجية .

  • ياسين

    و الله لو التهديد و الهمجية التي تعرضت لها ماكتب التصويت و ما تعرض له مواطنون شرفاء همهم الوحيد هو الانتصار للديمقرطية و الجزائر الآمنة...قلت لو لا التضليل و التهديد و الاعتداءات لكانت النتيجة كبيرة جدا...لأن من خرجوا للتصويت لم يكن هدفهم سوى إسماع صوتهم عن طريق الصندوق بعدما تعذر إسماع رايهم وسط الضجيج و طاحونة الهواء؟؟؟ و ما يؤسف له أيضا أن الماكرين المدافعين عن فكرتهم استغلوا سذاجة البعض و مسخوهم