-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

بعيدا عن البكالوريا.. النجاح آفاق بلا حدود

بعيدا عن البكالوريا.. النجاح آفاق بلا حدود

تعيش ملايين العائلات الجزائرية على الأعصاب خلال الساعات الأخيرة، وهي تترقب ظهور نتائج شهادة البكالوريا، أملا في الفرح بنجاح فلذات أكبادها وأقاربها، وهو بلا شكّ شعور غريزي في الإنسان وتطلع مشروع لكل مجتهد، من التلاميذ أو أوليائهم المرافقين، قضى 12 عاما في مسار التعليم العام قبل بلوغ مفترق الطرق في المحور النهائي بولوج الجامعة أو التوجه نحو الحياة العملية.
لكن عندما نقف مع أنفسنا، كعائلات ومترشحين أو ملاحظين، وقفة تأمل ورصد موضوعي للمحيط والواقع المعاش، سنكتشف أن هناك مبالغة كبيرة في الاحتفاء بشهادة نهاية التعليم الثانوي، لا تستقيم مع التحولات السوسيو- المهنية والاقتصادية في الحياة المعاصرة، فضلا عن انحراف كبير في النظر إلى الشهادة نفسها.
وحتى لا يظن مخطئ أننا سننتقص من قيمة الشهادة بما هو آت من وجهة نظر قد تكون قاصرة، أو ننغّص على أهلنا سرورهم، فإننا نتمنى، من أعماق القلب، أن يكون التوفيق والتألق حليف كل مجتهد، لأنّ النجاح الدراسي في حد ذاته إنجاز كبير على طريق تحقيق الذات والطموح.
ولا تزال الجامعة الجزائرية، برغم كل الانتقادات، تُخرّج نجباء وكفاءات أثبتت جدارتها في الداخل والخارج عبر أرقى المراكز البحثية والشركات العالمية، كما أن الكثير من حاملي الشهادات الجامعية يجدون فرصتهم المواتية في الظفر بوظائف لائقة بتكوينهم في بلادهم أو بدول أخرى.
غير أن ما نودّ لفت النظر إليه هو تلك الآفاق المفتوحة في كنف الحياة بعيدا عن المسار الجامعي، ما يجعل الإخفاق في إحراز البكالوريا ليس نهاية الأحلام، بل في ظل الواقع الماثل في بلادنا، فإنّ نيل الشهادة ليس بالضرورة مفتاح عبور آمن نحو المستقبل الزاهر.
إذا نظرنا بتجرّد إلى واقع ملايين الشباب الجزائري، ولا شك أن جزء كبيرا من الظاهرة يحمل طابعا دوليّا اليوم، في ظل بروز المهارات في سوق العمل على حساب التكوينات النظرية، فإننا نجد نسبة منهم تشغل مناصب بشهادات جامعية، بينما الأغلبية تتوزع على الأعمال الحرة واليومية والحرف أو وظائف خارج التخصص التعليمي، دون الحديث عن قوافل البطالين من حملة الشهادات العليا.
طبعا مثل هذا الأمر ليس مبررا للزهد في التعلم ولو مدى الحياة ولا الإقبال على الدراسة الجامعية ولا سدّ الأفق المهني للطلبة، بل هي دعوة للتحلّي بالصراحة مع النفس لوضع الأشياء في نصابها الصحيح دون إفراط ولا تفريط، لأنّ الشهادات الفارغة تحوّلت أحيانا إلى عقدة لدى كثيرين في الحالتين، بالكسب أو العدم، فتجد مِن العائلات من يُغالي في التباهي بها، لاعتبارات اجتماعية خالصة بغض النظر عن حقيقتها الفعلية، مقابل إقامة أُسرٍ أخرى لمآتم لو سقط ابنها أمام أقرانه والجيران.
ينبغي أولا تصحيح التصور المنحرف الذي يتعاطى مع تعلم الإنسان بمنطق الوظيفة النفعيّة حصريّا وتجاوز الاعتبار القيمي الذاتي، وهذا هو الدافع الرئيس للأغلبية في التركيز على كسب الشهادة، عوض التفكير في بناء الشخصية المتعلمة الواعية لصناعة مواطن صالح مؤهل لمعترك الحياة الشاملة، لذلك يجب فصل “الدبلوم” أولا عن قطاع العمل، خاصة في حقل العلوم الإنسانية والاجتماعية، لأنه في الأصل كسب علمي وتربوي للحياة، وكونك متخرجًا من الجامعة فلا يستلزم ذلك أن تكون موظفا عموميا في التعليم أو الإدارة، بل الشهادة تأهيل للواقع الاجتماعي والمهني، ولعلّ الوزارة الوصيّة قد أحسنت صنعا بتوجهها مؤخرا نحو تشجيع فكر المقاولاتية والمؤسسات الناشئة في كل التخصصات.
وحتى بالنسبة لأولئك الذين يفكرون في الشهادة بخلفية الوظيفة، فعليهم إدراك الواقع اليوم، حيث سوق الشغل لا تعترف بالأوراق المختومة من الجامعات، بل يحتضن المهارات في الميدان، إذ أضحت فرص المتكونين تطبيقيّا من الهواة والشغوفين والمبدعين وخريجي المراكز المهنية أكثر من حاملي الشهادات النظرية دون قدرة على إثبات أنفسهم عمليّا.
أيها الأولياء.. لا تعلّقوا كل الآمال على مرور أبنائكم إلى الجامعة، فهي مجرد فرصة قد لا ينال منها الطالب سوى تجربة محطة واحدة، ولا تقتلوهم بالخيبة إذا تعثروا في دخولها، بل رافقوهم بذكاء وبراغماتية لاكتساب مهارات وفق مؤهلاتهم تفتح أمامهم الآفاق الواسعة في انتزاع مكانة اجتماعية ومهنية في سوق عمل تحكمه المردودية والفعالية والجودة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!