-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

تألّق العالِم ميخائيل عطيّة

تألّق العالِم ميخائيل عطيّة

عالم الرياضيات ميخائيل عطية Michael Atiyah هو ابن إدوارد سليم عطية (1903-1964)، الكاتب والروائي اللبناني-البريطاني الذي كان يؤلف باللغة الأنكليزية. وقد قضى نحو 20 سنة في خدمة الإدارة البريطانية وكأستاذ للأدب الانجليزي ومترجم رسمي للإدارة في الخرطوم خلال الفترة 1928-1948.

نال كل الجوائز…

وُلد ميخائيل في لندن عام 1929 وترعرع في السودان ومصر. وذاع صيته عالميا في حقل الرياضيات. فمن المعلوم أن أبرز جائزة في الرياضيات هي المسماة “ميدالية فيلدز” التي لا تمنح إلا لمن أبدع إبداعا خارقًا في فرع من فروع الرياضيات قبل بلوغه سن الأربعين. ومنذ تأسيسها عام 1936، فاز بهذه الجائزة لحد الساعة 62 عالما. ومن بين هؤلاء العلماء نجد ميخائيل عطيّة الذي نالها عام 1966.
وبما أن جائزة نوبل لا تُمنح في حقل الرياضيات، فقد بادرت أكاديمية العلوم النرويجية عام 2003 بتأسيس جائزة كبرى في الرياضيات يسلمها كل سنة ملك النرويج للفائز. وتحمل هذه الجائزة اسم أكبر رياضياتي نرويجي، وهو نيلز آبل Abel (1802-1829) الذي وافته المنية في مقتبل العمر، ومع ذلك ترك إرثا رياضياتيا عالميا لا يضاهى.
وقد فاز بـ”جائزة آبل” حتى هذه السنة 13 عالما، وكان ميخائيل عطيّة ثاني عالم فاز بها عام 2004! كما فاز بعديد الجوائز والاستحقاقات العالمية الأخرى خلال حياته العلمية الطويلة، من بينها جائزة الملك فيصل عام 1987. كل ذلك يدل على عظمة هذا الرجل ومكانته العلمية.
ومن كبار علماء الرياضيات خلال القرن التاسع عشر الألماني الفذ برنهارد ريمان Riemann (1826-1866) الذي قدم الكثير للرياضيات، وترك لنا “فرضية” قبل 160 سنة عُرفت بـ”فرضية ريمان”. وقد درج علماء الرياضيات على إطلاق مصطلح “فرضية” hypothesisأو “حدسية” أو “مُخَمَّنة” conjecture على أي نتيجة بحثوا فيها مطوّلا ولم يتمكنوا من البرهان عليها، مع الميول إلى الاعتقاد بصحتها.
ومنذ ذلك الحين والباحثون في الرياضيات، كبيرهم وصغيرهم، منكبّون على البحث في أعماق هذا البرهان، لكنهم عجزوا رغم تقدمهم في كثير من مراحله. وما زاد في حماس هؤلاء أن هناك جائزتين مضمونتين لمن يحلّ هذه المعضلة إحداها بمليون دولار!

فرضية ريمان

أما نص “فرضية ريمان” فليس صعبا إذ يتعلق الأمر بمعادلة طرفها الأول هو ما يعرف بـ”دالة زيتا” وطرفها الثاني هو 0. يقول ريمان في فرضيته إن جميع حلول هذه المعادلة تمثلها نقاط تقع على مستقيم معيّن في الهندسة المستوية (نضيف لمن له إلمام بمبادئ الرياضيات أن هذا المستقيم هو المستقيم الشاقولي ذي الفاصلة 0.5).
وقد تمخضت عن البحث في هذا الموضوع الكثير من النظريات الأخرى خلال قرن ونصف قرن. والطريف أن فئة من الباحثين انطلقوا من صحة الفرضية وبرهنوا عندئذ على عديد النتائج خلال هذه الفترة. كما انطلقت فئة أخرى من عدم صحة الفرضية وأثبتوا نتائج تتعارض مع النتائج السابقة! وفي كل ذلك فوائد جمة للباحثين في هذا الحقل.
قبل أيام، أعلن ميخائيل عطيّة أنه برهن على صحة هذه الفرضية المعضلة، وأنه سيلقي محاضرة لتقديم هذا البرهان أثناء مؤتمر سيعقد في هايدلبرغ (ألمانيا) بعد أسبوع من ذلك التاريخ، مشيرا إلى أنه اكتشف برهانا بسيطا مبنيًا على دمج أعمال عالمين من القرن العشرين هما الأمريكي- المجري جون نومان Neumann (1903-1957) والألماني فريدريخ هيتزبروخ Hirzebruch (1927-2012).
وأثار هذا الإعلان ضجة واهتماما كبيرين في الوسط العلمي. وحان وقت المحاضرة يوم 24 سبتمبر، وألقى ميخائيل عطيّة محاضرته في موعدها، لكن الجمهور المتلهّف لم يكن راضيا كل الرضا عما تم تقديمه نظرا للشهرة التي كان يتمتع بها ميخائيل عطيّة والصخب الإعلامي الذي تلا إعلانه.
وقد فضّل علماء الرياضيات المتتبعون لما ينشر حول هذه الفرضية عدم التعقيب على محاضرة عطيّة، ولاحظوا أنه نشر خلال السنوات الأخيرة بحوثا ممتازة في الموضوع دون بلوغ الهدف المنشود إذ لم تقنع مضامينها الباحثين بأن الرجل قدم البرهان المطلوب.
تؤكد الفكرة السائدة منذ عقود عند علماء الرياضيات أن الباحث في هذا الفن يقدّم أفضل ما عنده من عمل علمي أصيل قبل سنّ الأربعين، وأنه لا يأتي أحدهم بنظرية رياضياتية ذات شأن أو بإبداع يستحق التنويه بعد هذا السن!
ولذلك أشار ميخائيل عطيّة عقب عرضه الخطوط العريضة لبرهانه -الذي لم يتأكد منه الخبراء بعد- أنه قد برهن للناس أن في سنّ التسعين يمكن للمرء الإتيان بما لم يأتِ به من لم يتجاوز عمره الأربعين! ثم أضاف أنه، حقيقة، لم يكن برهانه مكتملا، لكن ما قدمه من أدوات يستحق عليه الجائزة لأن مضمونه سيسمح للآخرين باستكمال البرهان على “فرضية ريمان”!
لا شك أن ميخائيل عطية قد قدم الكثير للرياضيات خلال مسيرته العلمية الطويلة التي ناهزت 65 سنة من الإنتاج الغزير؛ كما أن إسهامه في موضوع “فرضية ريمان” إسهاما عظيما غير أننا لا نستطيع اعتبار أن ملف هذه الفرضية قد طُوي بصفة نهائية بعد هذه المحاضرة.
ينسب لأكبر رياضياتي القرن العشرين ديفد هلبرت Hilbert (1862-1943) قوله: “لو كُتب لي أن أستيقظ بعد ألف سنة فسؤالي الأول سيكون: هل تم حلّ فرضية ريمان”! ولذا يبدو أن مشوار هذه المعضلة لا زال طويلا!!

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
5
  • م/ أحمد السمين

    كل من حاول حل قضية الأعداد الأولية , أخطأ نفس الخطأ الذي قام به كل العلماء , فقضية الأعداد الأولية تبدو لنا أنها قضية رياضيات من النظرة الأولي و هي ليست قضية رياضيات بالدرجة الأولي

  • محمد

    لا يسعني بهذه المناسبة إلا أن أوجه لك شكري الخالص لنشر الأخبار العلمية التي تبعدنا عن ضياع وقتنا بمتابعة المسرح السياسي في بلدنا.ونحن نتخاطب عن الرياضيات يجدر بالجزائريين أن يتساءلوا عن سبب هجرة تلاميذنا عن التحكم في هذه المادة وفشلهم في دراستها ونحن نقر ببروز مقومات الذكاء لدى أبنائنا منذ ولادتهم.القدماء من بيننا يتذكرون تفوق طلابنا في الرياضيات بين أقرانهم سواء من المستعمرين أو غيرهم حتى إلى أمد قريب.الحقيقة أن أساليب التعليم ضاعت من المعلمين بسبب اهتمامهم بغير العلم فاختفى الجد في العمل وروح المنافسة في الرياضيات.ألم يعرف الجميع أن الرياضيات هي السبب الأول في ازدهار الفكر العلمي والاقتصادي؟

  • سعد المال المختار-الجلفة

    حضرة البروفيسور ابي بكر سعد الله: يسعد مساءك بالهناء، حبذا لو تكتب لنا عن علماء من الجزائر ابدعوا في الرياضيات ولو لم ينالوا الدكتوراه التي اصبحت غاية نسعى لاكتسابها ولو بالاقدمية وليكن من بين هؤلاء: الاستاذ محمد بن قادة(والد الدكتورة اسماء بن قادة) ومشاركته الفعالة في حركة تعريب كتب الرياضيات ونشاة مجلة الخوارزمي، اضافة الى البروفيسور احمد جبار المفترى عليه والاستاذ مصطفى حركات الذي استخدم الخوارزميات في اللسانيات وكذلك الدكتور عبد الرحمن حاج صالح العالم اللغوي الجسور والذي كان في الاصل عالم رياضيات، اضافة الى الدكتور عبد المالك بوحجرة وغيرهم من فطاحلة وجهابذة الرياضيات وما يتبعها.شكرا.

  • الطيب

    هاذ الفرضية راهي تشبه لعدة فرضيات عندنا منها الفرضية البرلمانية التالية : ( بوحجة قال لهم اللي عيني يقيلني قالوا له عينوك النواب . قال لهم و عندما أستجيب للنواب و أستقيل يقول لي الرئيس : شكون قالك استقيل !!؟ ) كاش واحد من الشيوخا انتاوعنا يكسر راسو معاها لعل و عس !؟ و مليحة مافيها لا نوبل لا والو حتى لا يغضب حجار !..... يا الشيخ بوبكر الفرضيات عندنا غير هوما وين تبان فرضية ريمان !؟

  • أستاذ

    شكرا استاذ عن مقالاتك حول العلوم والعلماء و اسهاماتهم الكبيرة في رقي وازدهار الأمم و الشعوب
    لكن للأسف جلنا لل نقدر إلا بالمهرجين و الزنادقة والفاسقين الذين نقيم لهم المهرجانات و الحفلات ونوزع لهم الهدايا والشيكات !!! واعلامنا هو من يساهم في ذلك أيضا ومؤسساتنا الثقافية و التربوية لا تعطي أدنى أهمية للعلماء فإذا ذهب أحدهم لتأليف كتاب يفيد الناس قالو له لا ننشر إلا الكتب الجماهيرية (تلك التي تتطرق إلى الطبخ و امتحانات الباك والبيام) و إذا بحث الأستاذ أو طالبه عن مجلات علمية متخصصة ينشر فيها أعماله سوف لن يجدها !!! مما يضطره البحث عن متنفس له خارج الوطن !!!