-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

“تقديسُ” مجرم

“تقديسُ” مجرم

أنا ممن يعدّون كل فرنسي عمل في الجزائر 1830 إلى 1962، مجرما، لا فرق عندي بين مدني وعسكري، ومنصِّر، وفلاح، وذكر وأنثى، فبعضُهم كان من لصوص ومجرمي الحقول، وبعضهم كان من لصوص ومجرمي العقول…

من هؤلاء المجرمين الفرنسيين الذي جمع بين الإجرام المادي من تعذيب وتقتيل، وبين الإجرام المعنوي، بالعمل على فتنة الجزائريين عن دينهم الحنيف، وصدِّهم عن سبيل الله، ذلك المجرم، الجاسوس، المنصِّر المسمَّى شارل دوفوكو (1858-1916) هذا المجرم المنصِّر هو خريجُ أشهر مدرسة عسكرية في فرنسا، هي مدرسة “سانسير”، وقد شارك في الجرائم التي اقترفتها فرنسا ضد الجزائريين، خاصة في فترة جهاد الشيخ بوعمامة؛ إذ عمل هذا المجرم تحت قيادة مجرم أكبر هو الجنرال ليوتي، ثم كُلِّف بدخول المغرب الأقصى، متجسِّسا، لابسًا لباس حبرٍ يهودي، وأعدّ تقريرا اعتمده الفرنسيون في احتلالهم المغرب الأقصى، كما أعد المجرم “بوتان” تقريرا اعتُمد في احتلال الجزائر، ويحمل كلا التقريرين اسم “استطلاع…” (reconnaissance)، وهو مصطلحٌ عسكري من أول ما يدرَّس في المدارس العسكرية، وقد أقام المجرمون الفرنسيون تمثالين لهذين المجرمين، بوتان في دالي إبراهيم بمدينة الجزائر، ودوفوكو في الدار البيضاء بالمغرب الأقصى، وإذا كان الجزائريون قد طهَّروا دالي إبراهيم من تمثال المجرم بوتان، فإنَّ البيضاء بالمغرب ما تزال تحافظ على تمثال دوفوكو…

أمِر دوفوكو أن ينزع لباس العسكر ويرتدي لباس “الترهْبُن” تدليسا على الجزائريين، وأمِر أن يتردد بين بني عباس وتمنغست ابتداء من 1905 إلى أن أنهى المجاهدون الجزائريون من أتباع الحركة السنوسية حياته في 1 ديسمبر 1916. وهو الآن مدفونٌ في منطقة المنيعة.

في يوم الأحد 15 ماي 2022 أقيم احتفالٌ في الفاتيكان بروما أعلِن فيه “تقديس” شارل دوفوكو، أي اعتباره قدّيسا، وقد سماه المفكرُ المغربي سالم حميش في كتابه “الاستشراق في أفق انسداده” سمّاه “قديس الاستعمار”. (ص 30). وكيف لا يكون كذلك وهو الذي قدَّم للمجرم الجنرال لابيرين (41) تقريرا تجسُّسيًّا في 1915- 1916. (انظر علي مراد: شارل دوفوكو في نظر الإسلام. ص 93)، ولهذا قيل “إن رسالة كل من لابيرين وفوكو واحدة”، كما جاء في كتاب روني بازان عن دوفوكو.. وقد دُفن المجرم لابيرين إلى جانب صديقه المجرم دوفوكو.

لم أهتم بـ”تقديس” الفاتيكان لهذا المجرم، فبعضهم أولياء بعض، ولكن الذي آلمني وأساءني أن تشترك الجزائر في “تقديس” هذا المجرم الذي كان في قلب المخطط الاستعماري، إذ “عمل من أجل تثبيت سيطرتنا في هذا البلد أكثر من كل الإداريين المدنيين والعسكريين” كما قال ارنيست بيسكاري.. وساءني وآلمني أضعافا مضاعفة أن تكون الجزائر ممثلة بـ”المجلس الإسلامي الأعلى”. أخشى أن تُدعى الجزائر إلى تكريم المجرمين الآخرين: بيجو، لافيجري، دوقيدون، ماسينيون، دوغول، بيجار.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!