-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

ثلاثة من أعظم أسباب تفريج الكروب

سلطان بركاني
  • 1670
  • 0
ثلاثة من أعظم أسباب تفريج الكروب

قضى الله العليم الحكيم أن تكون الدّنيا دارًا مشوبة بالنّقائص والمنغّصات؛ لا تسلم لأحد من خلق الله ولا يسلم فيها أحد، ومهما بدا أنّ بعض عباد الله يُنعّمون بالأموال الوفيرة والسيارات الفارهة والمساكن الواسعة؛ فإنّ خفايا وكواليس حياتهم لا تصفو من المكدّرات.. جعل الله هذه الحياة على هذا النّسق حتّى لا تركن إليها القلوب وتتعلق بها، فتنسى دارا أخرى باقية لا نقص فيها ولا كدر ولا همّ ولا غمّ لمن آمن وعمل صالحا: ((وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ * الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ)).
هكذا اقتضت حكمة العليم الخبير أن تكون هذه الحياة الدّنيا؛ فلا ينبغي للعبد أن يرجو فيها دوام الحال، ويطلب فيها غنى دائما، وصحة من دون سقم، وراحة من دون تعب، وسعادة بلا همّ.. المؤمن اللّبيب يرضى بقضاء الله في كلّ الأحوال؛ إن أصابته سرّاء شكر، وإن أصابته ضرّاء صبر، وهو في وقت الضرّاء والبلاء يتعبّد الله بالصّبر وانتظار الفرج.. وانتظارُ الفرج مع حسن الظنّ بالله، من أجَلّ العبادات التي يثيب عليها الحنّان المنّان أحسن الثّواب، وقد جاء في الأثر: “أفضل العبادة انتظار الفرج”.
إنّه لا أفضل للعبد المؤمن في أوقات الشدّة والعسر من حسن الظنّ بمولاه الحنّان سبحانه، وانتظار يسره بعد عسره وفرجه بعد شدّته.. ولو أحسن العبد ظنّه بمولاه، ما جزع لنقص أو ضيق أو بلاء، وهو يقرأ ويسمع قول ربّه الرؤوف الرّحيم سبحانه: ((فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا))، وقوله تقدّست أسماؤه: ((لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آَتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا))، وقوله جلّ شأنه: ((لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا)).
الله -جلّ وعلا- الذي قضى أن تكون الدّنيا دار بلاء، قضى كذلك أن لا يدوم فيها الضرّ والبلاء والهمّ والحزن على أحد من عباده.. فمهما طال اللّيل فلا بدّ من طلوع الفجر.. يقول أحد الأفاضل: “عشت زمنا لا يمر عليّ يوم إلا وفيه ألم أو ابتلاء أو محنة أو ضيق أو عوَز.. كأنها المناديل عندما يأخذها صاحبها من علبتها؛ يتبع بعضها بعضا.. ثم شاء الله أن تزول كلها وتحل مكانها منح وعطايا متتابعة من الله كأنها نفسُ المناديل لكن في النِّعم؛ فبحثت في هذا المعنى فوجدت أثرا جميلا لابن حزم يقول فيه: “”إذا تكاثرت الهموم سقطت كلها”؛ فسبحان من يبتلي بالمحن كثيرا ليُطَهِّر، ومن يبدلها بالمنح ليجزي العبد على صبره ويشكر؛ فدوام الحال من المحال”.
الله الحنّان -سبحانه- لا يبتلي بالمحن والمنغّصات والأكدار إلا ليطهّر عبده المؤمن من ذنوبه ويثقل ميزان حسناته ويرفع درجته، وعند الله درجات لا يبلغها العباد بصلاتهم وصيامهم وصدقاتهم، إنّما يبلغونها بصبرهم على الضرّ والبلاء، يقول النبيّ -صلّى الله عليه وآله وسلّم-: “إن العبد إذا سبقت له من الله منزلة، فلم يبلغها بعمل؛ ابتلاه الله في جسده أو ماله أو في ولده، ثم صبر على ذلك حتى يبلغه المنزلة التي سبقت له من الله عز وجل”.
لهذا لا يليق بالعبد المؤمن أن يصغي لنزغات الشّيطان الذي يسوّل سوء الظنّ بربّه العليم الحكيم الرؤوف الرحيم، فيقول العبد إذا أصابته ضرّاء أو طال به بلاء: “وأنا ماذا فعلت؟ يا ربّ لماذا؟”.. ينبغي للعبد أن يدعو الله ويقدّم الأسباب ليزول ما به من ضرّ وبلاء، لكن لا يليق به أن يتضايق ببلاء الله ويسيء الظنّ بمولاه، بل ينبغي له أن يكون موقنا بحكمة الله وبفرجه القادم.. و‏مهما ظهر للعبد أنّ البلاء كبير وأنّ أمده قد طال، فإنّ وعد الله حقّ ولن يخلف الله وعده: ((فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا)).. الله الكريم وعده حقّ وصدق، ولا يريد من عبده إلا أن يلجأ بقلبه وروحه ولسانه إليه، ويحمده -سبحانه- على الضرّاء كما يحمده على السّراء، ليريه عجائب قدرته في تحويل المستحيل إلى ممكن.
الرؤوف الرّحيم، يريد من عبده أن يتّقيه ويلزم طاعته ويجتنب معصيته، لينجز له ما وعده، قال تعالى: ((وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ)).. يريد لعبده أن يتوب إليه ويستغفره ليبدّل حاله، ويُبْدله بالضيق سعة وبالهمّ أنسا وبالحاجة كفاية وبالمرض شفاءً وعافية.. يقول الحبيب المصطفى -صلّى الله عليه وسلّم-: “من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا ورزقه من حيث لا يحتسب”.. وكثرة الاستغفار من أعظم الأسباب التي تكشف بها الكروب ويحصل بها المطلوب.
الله الكريم يريد لعبده أن يكثر -كذلك- من الصّلاة والسّلام على حبيبه وشفيعه المصطفى -صلّى الله عليه وسلّم- ليفرّج للعبد كربه ويقضي دينه ويرزقه من حيث لا يحتسب.. ووالله إنّ الصّلاة على الحبيب لهي من أعظم أسباب تفريج الهموم والغموم والكروب.. وقد جرّب هذا كثير من عباد الله، وهي لا تحتاج إلى تجربة، إنّما تحتاج إلى قلب موقن بالله محبّ للشّفيع رسول الله؛ عن أبي بن كعب أنه قال للنبي -صلى الله عليه وسلم-: يا رسول الله؛ إني أكثر الصلاة عليك، فكم أجعل لك من صلاتي؟ فقال: ما شئت، قال: قلت: الربع؟ قال: ما شئت، فإن زدت فهو خير لك، قلت: النصف؟ قال: ما شئت، فإن زدت فهو خير لك، قال: قلت: فالثلثان؟ قال: ما شئت، فإن زدت فهو خير لك، قلت: أجعل لك صلاتي كلها؟ قال: إذًا تكفى همك ويغفر لك ذنبك” (رواه الترمذي وقال: حسن صحيح).. بكثرة الصلاة على النبي -عليه الصّلاة والسّلام- ‏تُقضى الحوائج ‏وتزول الهموم ‏وتُغفر الذُّنوب ‏وتنحلُّ العُقد ‏وتُفتح المغاليق ‏وتتيسر المعاسير ‏وتتحقق الأمنيات.. وهناك من عباد الله المؤمنين من ‏تتحقّقُ أمانيهم كأنها فلقُ الصُّبح، بكثرة الصّلاة على الحبيب المصطفى صلّى الله عليه وسلّم.
بعد كلّ عسر يسر، وبعد كلّ ضيق فرج، وبعد كلّ حرمان عطاء.. ما على العبد إلا أن يحسن الظنّ بمولاه الحنّان ويصبر محتسبا وموقنا بفرج من هو أرحم بعبده من والديه، ويكثر من الاستغفار بالليل والنّهار بنية تفريج الكروب وتحصيل المرغوب، ويكثر معه من الصّلاة على الحبيب المصطفى عليه الصّلاة والسّلام، ووالله لن يجد من ربّه الكريم إلا ما فيه خير الدّنيا والآخرة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!