حضارة البلاستيك..!
عاد مؤخرا المجتمعون في كوبنهاغن كما ذهبوا، والتشاؤم يلبسهم حول مصير الأرض والإنسان الذي قرر أن يواصل رحلة الانتحار مع سبق الإصرار والترصد التي يمارسها في حق نفسه من أجل مآرب صناعية لن تمنحه سوى الدمار..
-
ولا أحد عندنا بدا منشغلا بما يحدث حوله رغم أن كل التقارير العلمية من كل الأقطار بما في ذلك الولايات المتحدة تؤكد أن الأمور بلغت اللاعودة واللاأمل في حياة مطمئنة في المستقبل القريب الذي بدأنا نعيش بعض »أنفاسه« بارتفاع درجة الحرارة التي شابهت فصل الاصطياف عندنا في عز ديسمبر.. ولن يتهمنا أحد بممارسة جلد الذات إذا اعترفنا بأننا بلد لا نولي الطبيعة أي اهتمام، ومجتمع يشجّع حضارة البلاستيك، وما يدخلنا من شرق آسيا من النباتات البلاستيكية التي تزيّن حاليا حتى مديريات البيئة عندنا هو أكثر من الغطاء الغابي الذي تطوله النيران وأيدي الحطابين وأعداء الطبيعة الكثيرون جدا في الجزائر.
-
-
الممارسات اللاطبيعية التي تتورط فيها القمة مع القاعدة عندنا جعلت من موضوع الأخضر آخر الاهتمامات، وجعلتنا مطالبين باحتضان ملتقى »كوبنهاغن« على أراضينا رغم أننا غير معنيين بالتصنيع وانبعاث الغازات، أي أننا نرتكب الجرائم في حق الطبيعة دون أي سبب، عكس الدول الغربية والصين التي ترتكب جرائمها بحجة التصنيع والمحافظة على مرتبتها الاقتصادية المتطورة.
-
-
التعامل السلبي مع الطبيعة عندنا جعل من الجزائر واحدة من البلدان القليلة التي ينقرض فيها النبات والغطاء الغابي ويجف الماء بسرعة رهيبة، وتزحف الصحراء شمالا دون التمكن من استغلال ملايير المحروقات في زرع الجنان في الساحل حتى لا نقول في الصحاري، كما تفعل الدول الخليجية التي قضت على الصحراء نهائيا في دبي وأبو ظبي والمنامة والرياض وجدة والكويت والدوحة، بينما تعاني مدن جزائرية كانت تلتهم منذ نصف قرن فقط الثلوج الشتوية التي تحبس الناس في مساكنهم من خطر تحوّلها إلى صحراء.. كل المشاريع الجزائرية الحالية هي أمنيات لزعماء سابقين وأفكار قديمة من الطريق السيار إلى السدود الضخمة وتحلية مياه البحر تم بعثها الآن وقد ترى النور في أقرب الآجال، ولسنا ندري لماذا لا يفكرالمسؤولون الآن في استعادة مشروع السد الأخضر الذي تمنى تحقيقه الراحل هواري بومدين لمنع »الموت« من الزحف على الحياة..!؟ وهذا في ذكرى رحيل صاحب »السد الأخضر« حتى نخرج مشروعا حيا من مذكرات رجل ميت.
-
-
قد نكون البلد الوحيد في العالم الذي ملاعب الكرة عنده من البساط الاصطناعي الأخضر بدل العشب الطبيعي المغروس في ملاعب العالم، بما في ذلك بلدان التصحر والمجاعة مثل إثيوبيا والصومال، رغم أننا على مشارف المشاركة في كأس العالم في كرة القدم التي تمارسها البشرية على النباتات الخضراء وليس الزرابي البلاستيكية المستوردة، وقد نكون البلد الوحيد الذي لا تزدهر فيه السياحة الجبلية والربيعية التي تجني منها سوريا ولبنان واليونان ومالطا الملايير من الدولارات رغم أن ما نملكه من جنان في الونشريش والأوراس وجرجرة يفوق ما تملكه تلك الدول مجتمعة، وقد نكون الشعب الوحيد الذي يخرج فيه الشباب إلى الشارع لأجل سند ظهره على الحائط الإسمنتي بدل التمتع بالطبيعة، وقد نكون البلد الوحيد الذي تبيع فيه أكشاك الورد النباتات البلاستيكية دون أن تجد من يردعها رغم أن السجل التجاري الذي ورثناه عن العهد الاستعماري يركز على بيع النباتات الطبيعية فقط، ومازال سائدا لحد الآن. نحن فعلا في حاجة إلى مصالحة مع الطبيعة، ويكفي أن نتذكر ما حدث منذ بضع سنوات عندما قدّم مدير ثقافة بعاصمة الجزائر وردة بلاستيكية للفنانة ماجدة الرومي في عز الربيع المزهر بعاصمتنا وأزهار بلاستيكية من مسؤولين بجامعة ڤالمة لمحامي الثورة جاك فرجاس في مشاركة سابقة في ذكرى 8 ماي الذي هو شهر انفجار طبيعة ڤالمة بالورد، لنعرف أن المشكلة ليست تصحر الأرض وإنما في تصحر القلوب التي في الصدور.