-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

حل الدولتين.. هل يحقّق السلم أم يطيل عمر الاحتلال؟

حل الدولتين.. هل يحقّق السلم أم يطيل عمر الاحتلال؟

ترى بعض الدوائر السياسية أن الحل الأمثل والأوحد في ظل استمرار الصراع الفلسطيني الإسرائيلي منذ 1948م، وفشل كل مفاوضات التسوية هو إقامة دولتين، دولة فلسطينية على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، ودولة إسرائيلية تستحوذ على السواد من الأراضي المحتلة.
وترى هذه الدوائر السياسية أن حل الدولتين كفيل بإنهاء الصراع وتحقيق السلم وفتح مجال التعاون بين الدولتين بما يخدم أمن منطقة الشرق الأوسط التي ظلت لسنوات منطقة ملتهبة بسبب هذا الصراع.
وترى دوائر سياسية أخرى أن حل الدولتين يشبه إلى حد كبير منح الفلسطينيين حكما ذاتيا موسعا على ما تبقى من أرض فلسطين التاريخية التي انتقصت من أطرافها منذسنة 1948م، التي شهدت تهجيرا للفلسطينيين وتوطينا لليهود في أرض فلسطينية انتُزعت من أهلها بالقوة ومُنحت لليهود بمقتضى وعد بلفور. وترى هذه الدوائر السياسية أن حل الدولتين ليس سبيلا لتحقيق السلم بل سلّما يرتقي منه الاحتلال الصهيوني لاكتساب شرعية دولية، وهو ما يعني شرعنة الاحتلال، وهو حل مرفوض جملة وتفصيلا لأنه سيؤدي إلى إطالة عمر الاحتلال الذي سيتطلع إلى ما تبقى من فلسطين ليحكم قبضته على كل الأرض الفلسطينية بمباركة دولية غربية وربما عربية.
اطلعتُ على الملف الذي نشره المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات حول ما قدم من أوراق في ندوة “مستقبل المشروع الوطني الفلسطيني”، والذي حرره “أسامة أبو أرشيد” تحت عنوان: “معنى حل الدولتين في ظل تقويض إمكان إقامة دولة فلسطينية”، فألفيتُه ملفا شاملا، يحلل مشروع حل الدولتين تحليلا واقعيا بكونه نتاجا للإخفاقات العربية المتكررة في مواجهة الاحتلال الصهيوني، وبكونه تبعا لذلك خيار الضرورة الذي لا محيص عنه، كما يكشف هذا الملف حظ الفلسطينيين والإسرائيليين من خيار حل الدولتين، وبأن هذا الخط يخدم إسرائيل بالدرجة الأولى في ظل الهواجس الديمغرافية التي تسيطر على الحكومة الإسرائيلية من خطر فقدان الهوية اليهودية للدولة الإسرائيلية في ظل تزايد أعداد المواطنين غير اليهود ومن جنسيات مختلفة عربية على وجه الخصوص. وهذا بعض ما جاء في هذا الملف حول صيغة “حل الدولتين”: “تمثل صيغة حل الدولتين للصراع العربي – الإسرائيلي، الأساس الثابت لدى بعض الأطراف الفلسطينية والإسرائيلية، فضلا عن معظم الأطراف الإقليمية والدولية المهتمة بملف هذا الصراع.
وحل الدولتين هو خيار “الضرورة” بالنسبة إلى الطرفين؛ الفلسطيني الرسمي، وبعض المكونات الإسرائيلية. أما الطرف الفلسطيني الرسمي فإن حل الدولتين يحافظ على ما تبقى من فلسطين التاريخية التي احتُلّت على دفعتين، عام 1948، ثم عام 1967، وينقذ ما يمكن إنقاذُه مما تبقى من فلسطين المحتلة عام 1967. أما بعض المكونات الإسرائيلية، فإن قيام “دولة” أو كيان فلسطيني منفصل عنها، يعدُّ الخيار الأفضل للحفاظ على يهودية الدولة العبرية في ظل هواجسها الديمغرافية”.
إن اعتبار حل الدولتين خيار ضرورة -كما جاء في الملف المذكور- تبرره -بالنسبة للأطراف التي تؤمن به وتسعى إلى تجسيده- حالةُ العجز الفلسطيني والعربي في مواجهة الاحتلال الصهيوني، وحالة العجز تستدعي بالضرورة قبول خيار حل الدولتين واقتسام الأرض المحتلة مع المحتل، وهي كما نرى قسمة ضيزى لأن حدود 1967 التي ستشهد قيام الدولة الفلسطينية في إطار حل الدولتين، لا تضمن للفلسطينيين إلا ما يساوي 22 بالمائة من مساحة فلسطين التاريخية الكلّية، في حين سيستحوذ الكيان الصهيوني على مساحة 78 بالمائة.

خيار الضرورة ولكن
حتى لو سلّمنا مبدئيا بنجاعة حل الدولتين، فإن هذا الحل تحكمه جملة شروط ويخضع لجملة من الالتزامات، وأولها ضمان التزام الكيان الصهيوني ببنود الاتفاق الخاص بحل الدولتين بالكف عن العدوان واحترام حقوق الجوار، ولا يبدو أن الكيان الصهيوني بحكم طبيعته الاحتلالية التوسعية سينفذ قليلا أو كثيرا من هذه الشروط، وسيكون سباقا إلى نقضها كما هو ديدنه تكريسا لسلوك يهودي متوارَث،كما يذكر القرآن الكريم: “أو كلما عاهدوا عهدا نبذه فريقٌ منهم بل أكثرهم لا يؤمنون” (البقرة: 100)، وثانيها ضرورة تفكيك المستوطنات الصهيونية من كامل الأراضي الفلسطينية، أي الضفة الغربية والقدس الشرقية، وهذا الشرط بعيد المنال لأن إسرائيل تعتبر المستوطنات “المغتصبات” بالأحرى جزءا من يهودية الدولة الإسرائيلية بل سمة مميزة لها، ولذلك لن تقبل بهذا الشرط وستتعلل كعادتها بعلة الأمن القومي وكونها هدفا في أيِّ لحظة لنيران المقاومة الفلسطينية.
وثالثها أن يسبق حلَّ الدولتين، تصفيةُ الملفات العالقة، وفي مقدمتها عودة المهجَّرين وإطلاق سراح المعتقلين، وهذا شرط بعيد المنال أيضا، لأنه من المستبعد –ولو على المدى الطويل- أن يبدي الكيان الصهيوني رغبة صادقة في تصفية هذه الملفات، ناهيك عن البدء في تنفيذ ما يعقبها من ملفات ومنها حل الدولتين.
ورابعها أن تلتزم الولايات المتحدة الأمريكية وأعضاء مجلس الأمن المالكين لحق الفيتو بأداء دور الضامن أمام المجتمع الدولي من أجل حمل إسرائيل على تنفيذ بنود حل الدولتين، وهذا أمر بعيد المنال أيضا، لأن إسرائيل كيان مدلل لدى حلفائها وبالتالي لن يحرجوها بمطالبتها بتنفيذ كل أو بعض بنود الاتفاق.
وخامسها أن المنطق الدولي يقتضي أن تنفيذ حل الدولتين يجب أن يسبقه انسحاب إسرائيل من الأراضي العربية المحتلة في 5 جوان 1967، لأنه لا يستقيم منطقا وقانونا الاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة مع استمرار احتلال بعض المناطق العربية كالجولان ومزارع شبعا وكفرشوبا، فالاستقلال الحقيقي عن الكيان الصهيوني لا يكون له طعم إلا باستقلال كل الأراضي العربية المحتلة وإلا ما قيمة أن يعترف الاحتلال بدولة فلسطينية مستقلة وهو يحتل جزءا من الأراضي اللبنانية والسورية؟
وهذا الشرط أيضا بعيد المنال لأن إسرائيل تفكر بمنطق أمنها القومي وليس بمنطق الأمن الإقليمي أو الدولي، ومن ثمة، لن تفكر في الانسحاب من هذه الأراضي، بل قد تفكر على العكس من ذلك في ضم أراض أخرى تنفيذا لمشروع “إسرائيل الكبرى” من النيل إلى الفرات.

شرعنةٌ للاحتلال وضرب للمقاومة
يرى الرافضون لخيار حل الدولتين أن هذا الخيار يعني شيئا واحدا وهو شرعنة الاحتلال، والشرعنة هنا تعني الرضى بمبدأ العيش المشترك بين الفلسطينيين والإسرائيليين، والتخلي عن مبدأ مقاومة الاحتلال، وهو خيار مرفوض من نسبة معتبرة من الفلسطينيين ومرفوض من المقاومة الفلسطينية على اختلاف فصائلها، ومعلوم أن المقاومة الفلسطينية هي حجر الزاوية في أي معادلة للتسوية، فما ترفضه المقاومة لن يُكتب له النجاح على الساحة الفلسطينية التي بيّنت بعض استطلاعات الرأي أن المقاومة تحظى بتأييد فلسطيني واسع بحكم أنها -في نظرهم- الجهة الفلسطينية الوحيدة المتشبِّثة بموقفها الرافض للاحتلال والرافض لكل شكل من أشكال التفاوض معه.
إن رفض المقاومة الفلسطينية لفكرة حل الدولتين من شأنه أن يُجهض أي حل آخر عدا حل المقاومة التي تؤمن بأن ما أُخذ بالقوة لا يُستردُّ إلا بالقوة، وترفض مبدأ التنازل للمحتل بأي صيغة كانت لأنه يصب في صالح الكيان الصهيوني، الذي سيكون أول الناقضين لحل الدولتين لأنه كيانٌ استيطاني توسعي قائم على مبدأ الضم غير المشروع والظلم غير المحدود، وبالتالي لن يعمّر حل الدولتين طويلا ليعود الوضع إلى ما كان عليه وربما أشد وأعقد.

حل الدولتين أم حل الدولة الفلسطينية؟
لا نشكك في نيّات المتحمسين والساعين إلى تجسيد “حل الدولتين”، فبينهم دول عربية معروفة بمواقفها الداعمة للقضية الفلسطينية سواء في إفريقيا أو الخليج العربي، ولكننا نشكك بل نتوجس خيفة من اتخاذ الكيان الصهيوني “حل الدولتين” مطية لحل الدولة الفلسطينية، والحل هنا لا يعني عدم الاعتراف بدولة فلسطينية بشكل ما ولكنها تبقى في “الإطار الجغرافي” ولا تتعداها إلى استكمال الأسس الأخرى التي لا يتحقق مفهوم الدولة إلا بتحققها، وهي: الشعب والسلطة والإقليم.
إن إسرائيل ماضية في تفكيك الدولة الفلسطينية وتفريق الصف الفلسطيني، وما فصل قطاع غزة عن الضفة الغربية إلا دليلٌ على ذلك، ولا يمكن في ظل سياسة “فرّق تسد” التي ينتهجها الكيان الصهيوني تحقيق الدولة الفلسطينية أو أن يكون لحل الدولتين رؤيةٌ بريئة لدى هذا الكيان، بل العكس هو المتوقع وهو أن تستغل إسرائيل “حل الدولتين” لحل الدولة الفلسطينية من خلال الإمعان في فصل قطاعها عن ضفتها وتصنيف أهلها على أساس ولائهم أو عدم ولائهم لها.

حل الخلافات الفلسطينية قبل حل الدولتين
لا يخفى -كما ذكرت آنفا- حرص الكيان الصهيوني على تقويض الدولة الفلسطينية بطرق شتى، ولمواجهة هذا التقويض، يجب على الفلسطينيين أن يحرصوا على حل الخلافات البينية قبل التفكير في حل الدولتين، أقول هذا الكلام لأنه لا يُقبل أن يذهب الفلسطينيون إلى خيار حل الدولتين ،و الخلافات الفلسطينية تتعمق يوما بعد يوم، فهناك سلطة فلسطينية في الضفة الغربية وهناك حكومة حمساوية في القطاع. إن “المبادرة الوطنية الفلسطينية” التي يرأسها مصطفى البرغوثي يجب أن تسعى إلى تحقيق الوفاق الوطني الذي أنشِئت من أجله وإلا فلا معنى لوجودها، كما أن المشروع الفلسطيني الذي تشدد عليه السلطة في الضفة وحماس في القطاع يجب ألا يبقى حبرا على ورق وأن يتجسد على أرض الواقع. يجب أن لا تبقى حماس منزوية في القطاع، والسلطة متمسكة بما يمكن تسميته “عقد الامتياز” في إدارة الشأن الفلسطيني، بل يجب أن تكون هناك دولة فلسطينية واحدة، يخضع لها الجميع، هذه هي الوسيلة الوحيدة لإرغام إسرائيل على قبول الشروط الفلسطينية والالتزام بحل الدولتين بما لا يتنافى مع تطلعات الشعب الفلسطيني وآماله.

توقف قطار التطبيع يشجع إسرائيل على “حل الدولتين”
قلتُ في مقالات سابقة إن آلة التطبيع ماضية في استمالة دول عربية أخرى، ولكن الواقع الحالي يؤكد بما لا يدع مجالا للشك بأن قطار التطبيع لن يبرح محطته الأخيرة التي توقف عندها، وبأن ما يلمِّح إليه بعض الساسة الإسرائيليين والأمريكيين من اقتراب انضمام دول عربية إلى معاهدة التطبيع مع إسرائيل ليس إلا شكلا من أشكال الحرب النفسية والإعلامية. إن التطبيع بحسابات جغرافية لن يكسب وافدا جديدا، فالمملكة العربية السعودية عبّرت على لسان وزير خارجيتها بأن مسألة التطبيع مع الاحتلال غير واردة، وبأن العقيدة السياسية للمملكة قائمة على رفض مبدأ الاحتلال والتمسك بحق الفلسطينيين بإقامة دولتهم المستقلة على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وأبدت الكويت منذ البداية معارضتها لفكرة التطبيع تمسكا بمبادئها الدستورية، وعبّر الأردن عن رفضه للتطبيع مع إسرائيل وأكد أن اتفاقية وادي عربة 1994 كانت في خضمّ وإطار مختلفين تماما، وأما سوريا والعراق واليمن فكلُّها دول رافضة للتطبيع جملة وتفصيلا، وأما لبنان، فهو ضحية رأس التطبيع وهو الكيان الصهيوني ولا يمكنها أن تفكّر في التطبيع مع كيان محتل.
هذه حقائق تؤكد أن إسرائيل قد يئست من كسب مطبعين جدد، وهذا سيشجعها وخاصة في ظل اتساع دائرة الغضب الدولي من عدوانها المستمر على غزة على المضي في صيغة حل الدولتين حفاظا على وجودها.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!