-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

حمالة الحطب

عمار يزلي
  • 1665
  • 0
حمالة الحطب

بدا واضحا وكالعادة، مكيال فرنسا ذي الكيلين في إفريقيا مؤخرا، كما جرى ذلك سابقا، في “تقييم” الانقلابات وتغيير السلطة في إفريقيا أو في غير إفريقيا.

أزبدت فرنسا وأرعدت وجيّشت جيوش 15 دولة من دول الجوار النيجَري ومجموعة إيكواس، من أجل التدخل نيابة عنها، والتضحية من أجلها في سبيل استعادة “الشرعية” في النيجر، ولو بجر المنطقة كلها إلى حرب مدمرة لا تبقي ولا تذر، فقط لأعينها الزرقاء الدامعة بعيون تماسيح على انتهاك الدستور النيجَري، والشرعية الدستورية والمطالبة باستعادة السلطة للرئيس محمد بازوم، الذي لا أحد ينكر شرعيته الدستورية، ولو على حساب خراب النيجر ودول الجوار والقارة برمتها. غير أنها سرعان ما خفضت نبرة لغة الإدانة والرفض والتهديد والوعيد، تجاه  انقلاب مماثل في الغابون، حيث استولت مجموعة عسكرية على السلطة وألغت الانتخابات وأعلنت سلطة انتقالية وعينت رئيسا لها، برتبة جنرال أيضا في الحرس الجمهوري.

كيل بمكيالين في بلدين خاضعين للنفوذ الفرنسي: فالانقلاب الأول مذموم ومدان، والانقلاب الثاني مسكوت عنه أو مقبول، وهذا ريثما تتضح لأعين فرنسا “العمشاء” أين تكمن مصلحتها مع السلطة الانقلابية؟ هل هي مع الخط الفرنسي القديم منذ استقلال البلد سنة 1960، أم هي ضدها، ومتوافقة مع موجة التحرر الإفريقي الجديد من أعباء ونفوذ الاستعمار القديم؟ فرنسا تقيّم الوضع حتى وإن بدت لغتها الدبلوماسية ترفض الانقلابات بشكل عامّ، لكنها لم تندد ولم تجند جيوش المنطقة وتقيم الدنيا وتقعدها في الحالة الثانية مع الغابون، فقط لأن لون وتوجه السلطة الجديدة الانقلابية لم يكن  واضحا تماما،  لهذا، ستنتظر فرنسا حتى تنظر: هل هم معها أم ضدها؟ عندئد سيكون لها موقفٌ آخر وكلام آخر عن الانقلاب. وعندها إذا اتضح لها، أن السلطة الجديدة لا تطالب بالقطيعة وإخراج فرنسا وتصفير نفوذها في البلد النفطي الملقّب بـ”عملاق النفط” في جنوب القارة، الذي لا يتجاوز عدد سكانه 2.5 مليون نسمة، 30% منهم تحت خط الفقر، بل ستبرر الانقلاب في هذا البلد، بدعوى أن الانتخابات شابتها شوائب وأن الديمقراطية تنجح في تغيير المسار الانتخابي إلى غير ذلك من التبريرات.

المهم في كل هذا، أن النفاق والازدواجية التحكيمية والقيمية للنخب السياسية في الخارجية الفرنسية وفي قيادات المستويات الأمنية والعسكرية، يكشف عن نفسه في أقل من شهر، ويبدو التعارض واضحا وازدواجية المعايير والكيل بمكيالين سياسة مفضوحة تماما.

وإذا كان المثل الانجليزي القديم يقول “المفتاح الذهبي يفتح جميع الأبواب”، فإن المثل الفرنسي كما يبدو من المفروض أن يعكس الأمور ويقول “المفتاح الخشبي يغلق جميع الأبواب”، ذلك أن مفتاح الحل الفرنسي في القارة، كان دائما خشبيا لا ذهبيا: ينكسر في الأقفال ويحترق في الأرتاج، مع ذلك فهو مفتاح الحل، ما دام الغلق والحرق في صالحها ولو كان على حساب إحراق الدول المعنية أو الجيران أو القارة برمتها، ومواجهة كل “مفتاح ذهبي” لحلحلة الأوضاع سلميا، كما هو الحال بالنسبة للمبادرة الجزائرية، أو حتى مشروع المبادرة الأخيرة التي لجأت إليها إكواس بعد عمل ديبلوماسي جزائري مكثف منذ اللحظة الأولى للانقلاب في النيجر.

نذكر هنا فقط، أن الجزائر ومن البداية، ووفاء لمبادئها ومكيالها ذي الكيل الواحد، أن المفتاح الذهبي هو مفتاح الحل السياسي السلمي لا غير. غير أن فرنسا، حمالة الحطب، لا زالت تبحث عن إشعال اللهب في هذا البلد الملتهب بفعلها وأفعالها عن كثب، يبدو فيها الخاسر الأكبر، فرنسا وعرابها في المنطقة، ملك المخزن الصديق الحميم للرئيس بانغو.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!