-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

درسٌ من رئيس الشيلي!

حسين لقرع
  • 2820
  • 0
درسٌ من رئيس الشيلي!

يُفاجئنا أحيانا قادة دول أمريكا اللاتينية بمواقف بطولية معادية للاحتلال؛ فخلال حرب 2008- 2009 على غزة، اتصل الرئيسُ الفنزويلي آنذاك هوغو تشافيز بوزير خارجية بلاده هاتفيا وسأله بشأن السفير الصهيوني بكاركاس قائلا: “ألا يزال ذلك الخنزيرُ هنا؟ اطرده حالا واغلق سفارة بلاده”.

كان ذلك موقفا بطوليا لم تتخذه حتى مصر والأردن اللتان كانت الأعلامُ الصهيونية ترفرف فوق سفارتي الكيان بهما، لكنّ موريتانيا حفظت ماء وجه العرب آنذاك وسارعت إلى إغلاق السفارة الصهيونية بنواقشط وقطعِ العلاقات الديبلوماسية مع الاحتلال والتراجع عن التطبيع، ولم تكتفِ بذلك بل سيّرت جرّافاتها إلى مقرّ السفارة المغلَقة وسوّتها بالأرض ومحت ذلك العار.

اليوم يقوم الرئيسُ الشيليّ غابرييل بوريتش برفض تسلّم أوراق اعتماد السفير الصهيوني ببلاده، احتجاجا على جريمة جيش الاحتلال بجنين الأسبوع الماضي؛ حيث قتل بدمٍ بارد الفتى الفلسطيني عُدي صلاح الذي لا يتجاوز عمرُه 17 سنة، ما يعني أنّ العالم قد بدأ يضيق ذرعا بجرائم الاحتلال اليومية ضدّ المدنيين الفلسطينيين.

ومع أنّ الرئيس الشيلي قد تراجع لاحقا تحت الضغوط الداخلية والخارجية وحدَّد موعد 30 سبتمبر لتسلّم أوراق اعتماد السفير الصهيوني، إلا أنّ ما قام به يُعدّ عملا رمزيا يستحق التقدير والإشادة؛ إذ ليس من السهل أن يرفض بوريتش تسلّم أوراق السفير الصهيوني وهو يعلم ما سيسبّب له ذلك من متاعب على يد أمريكا والغرب والإعلام العالمي المتصهين، بل حتى من الجالية اليهودية ببلاده، على قلة عددها، وبالفعل فقد سارعت هذه الجالية إلى اتّهامه بـ”معاداة السامية”، وهي التهمة التي أضحت جاهزة للاستخراج عند الحاجة وتوجيهها لكلّ من يرفض السياسات الإجرامية والعنصرية الصهيونية ضدّ المضطهدين الفلسطينيين، للتشهير به وتشويهِه وإسقاطه لاحقا.

لا يضير بوريتش أنه تراجع عن مقابلة السفير الصهيوني، فهو يساريٌّ معاد للكيان ومؤيّدٌ للفلسطينيين، وفي 15 ماي الماضي، رفض أداء الصلاة التقليدية السنوية التي تقام ببلاده احتفالا بذكرى قيام دولة الاحتلال، في حين سارعت الإمارات والبحرين ودولٌ مطبّعة أخرى إلى إرسال برقيات تهنئة للكيان بالمناسبة واحتضنت المغربُ احتفالاتٍ وصلوات يهودية احتفالا بالذكرى، لتُقرّ بذلك هذه الدولُ بـ”حقّ” الاحتلال في اغتصاب فلسطين وتمنحه الضوء الأخضر لمواصلة جرائمه ضدّ الفلسطينيين.

خطوة الرئيس الشيلي الرمزية جاءت في وقتٍ تتنافس فيه دولُ الخيانة والانبطاح على التقرّب من الاحتلال وتوقيع المزيد من اتفاقات التعاون معه ولاسيما في المجالات الاقتصادية والعسكرية والأمنية، وتغرق معه في التطبيع حتى أذنيها إلى درجة أنها أصبحت تتحرّج من إدانة الجرائم الصهيونية في فلسطين، وقد رأينا جميعا كيف أحجمت وزارة الخارجية المغربية عن إدانة الحرب الصهيونية الأخيرة على غزة التي قتلت فيها عشراتِ المدنيين الفلسطينيين ومنهم 19 طفلا، وصاغت وزارة بوريطة بيانا باهتا تلاعبت فيه بالكلمات وساوت بين الجلاد والضحية، وتجنّبت بشكل واضح قول أيّ كلمة قد لا تعجب الاحتلال!

لذلك كله نقول إنّ موقف الرئيس الشيلي -على رمزيته- أشرفُ بكثير من مواقف المنبطحين العرب ودرسٌ بليغ لهم في الشهامة والرجولة والغضب لدماء الأبرياء التي تُسفك يوميا، ولكن لمن تقرأ زبورك يا داوود، فهاهي الشرطة الفلسطينية نفسُها تُعرّض حياة أفرادها للخطر من أجل الاحتلال وتقتحم نابلس نيابة عنه وتدخل في مواجهاتٍ تسبّبت في مقتل مواطنٍ فلسطينيٍّ وجرح آخرين، وتعتقل مقاومين اثنين يطاردهما الاحتلالُ منذ أفريل الماضي وعجز عن اعتقالهما، وربّما سلّمتهما له لاحقا لكسب رضاه. إنّه واقعٌ عربيٌّ مخز وبالغ القتامة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!