-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

دموع التماسيح تُذرف على غرداية

حسين لقرع
  • 6315
  • 0
دموع التماسيح تُذرف على غرداية

بعد أن حصد الريحَ في منطقة القبائل ونبذه أهلُها ورفضوا أطروحاته العرقية الانفصالية، لم يجد فرحات مهني، رئيس ما يسميه “حركة الحكم الذاتي لمنطقة القبائل” سوى الاصطياد في المياه العكرة وركوب موجة الفتنة الخطيرة التي تعصف بغرداية منذ شهر فذرف دموع التماسيح عليها، وزعم أن سكانَها الميزابيين يتعرضون لأعمال “إبادة؟” على يد العرب وقوات الأمن معاً، وبالتالي لا بدّ أن تتدخل الأمم المتحدة وترسل “قبعاتها الزرق” لـ”حمايتهم”.

في  الأيام الأولى للأزمة، تصاعدت الكثيرُ من الأصوات مُطالِبةً السلطة بالتدخل الحاسم والفاعل في الأزمة والقبض على محركي الفتنة، فذلك أدعى لإخماد الفتنة في مهدها، لكن السلطة تجاهلت هذه الأصوات واكتفت بدور رجل المطافئ الذي يتدخل فقط لإخماد النيران كلما اشتعلت ولا يبحث عن سبب عودتها إلى الاشتعال في كل مرة، فكان التدخلُ الأمني قاصراً، أما التدخل السياسي ففضّل الاتجاه إلى محاولة “شراء السلم” كعادة السلطة في السنوات الأخيرة، عن طريق الاعلان عن توزيع 30 ألف قطعة أرض موجَّهة للبناء مناصفة بين الميزابيين والعرب بغرداية. 

 وكان نتيجة هذه السياسات القاصرة أن بدأت الأوضاع تتعفن فسقط أوّلُ قتيل في المواجهات، والثاني بسكتة قلبية حينما هاجم منحرفون بيته ليحرقوه وأطفاله داخله، والثالث منذ 3 أيام، فتصاعدت مشاعرُ الاحتقان والتوتّر والبغضاء والتوجُُّس من الآخر وتراجعت أصوات العقل والحكمة ومحاولاتُ الصلح.. فوجد مهني وغيرُه من رؤوس الفتنة الجوَّ مناسباً لنفث سمومهم والترويج لأطروحاتهم العرقية البغيضة التي طالما حاولوا تسويقها طيلة 10 سنوات وفشلوا، فبدأوا يصوِّرون الفتنة على أنها صراعٌ عرقي تفجّرَ بين الميزابيين والعرب، وأن الأمر يتعلق بمذابح وأعمال “إبادة” ويدعون دون خجل إلى تدويلها.

 المطلوب من السلطة الآن هو أن تفعِّل الحضور الأمني أكثر وأن تضاعف الجهد للقبض على محركي الفتنة ومؤججي الشغب والمواجهات لقطع الطريق على مهنِّي وغيره من الذين ينفخون في نار الفتنة؛ فمن غير المعقول أن يتحدث السكانُ عن أن “الملثمين” والمنحرفين وتجار المخدرات.. لا يزالون أحراراً طلقاء بعد أكثر من شهر من بداية الفتنة، وأنهم لا يزالون ينتقلون من حي إلى آخر ومن بلدية إلى أخرى ليقوموا بافتعال أعمال شغب ومهاجمة المحالّ وبيوت الآمنين، ثم ينسحبوا سريعاً بعد أن يبدأ رد فعل السكان، ترى لماذا تتلكَّأ السلطة في اعتقالهم؟ وكيف يُعجِزها ذلك طيلة شهر كامل، والحالُ أن غرداية مدينة صغيرة وسكانُها كلهم لا يتجاوز عددُهم ربع مليون على الأكثر؟

 يخطئ مهنِّي حينما يعتقد أنه سيستطيع أن يحقق في غرداية ما عجز عنه في منطقة القبائل، ولكن حديثه عن “الاضطهاد” و”الظلم” وغيره، قد يجد هوى في النفوس المتوترة المحتقنة كلما طالت الأزمة وشعر السكانُ بأن السلطة غير جدية في معالجتها بالكيفية الصحيحة ولا تكترث بمطالبهم العادلة، فتساهم أطروحات مهني حينها في تعميق الأزمة وتعفينها، ولذلك لا بدّ للسّلطة أن تفكِّر في مقاربة أخرى لحل الأزمة غير التي تعتمدها الآن، وقوامها الإصغاء بانتباه إلى انشغالات السكان ومطالبهم.

 الفتنة في غرداية أنهت شهرَها الأول ودخلت الثاني، والمطلوب مضاعفة المساعي لإخمادها في أقرب الآجال قبل أن تتوسع نيرانُها أكثر، ونعتقد أن جزءاً كبيراً من مفاتيح الحل موجودٌ بيد السلطة وأن الوضع لم يفلت من يدها، أما سكان المنطقة، فإن الأنموذجَ الرائع لبلدية “العطف”؛ حيث أعلن السكانُ الميزابيون والعربُ هناك وقوفَهم يداً واحدة ضد كل محاولات تأجيج الفتنة وضرب وحدة البلد، مرشّحٌ للإمتداد إلى باقي المناطق متى شعر السكان أن هناك نيّة حقيقية لإحقاق الحق والاستماع إلى انشغالاتهم وتلبية مطالبهم العادلة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!