-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
ما‮ ‬لا‮ ‬يقال

راهنية‮ ‬الثورة‮ ‬العربية

راهنية‮ ‬الثورة‮ ‬العربية

لا تستطيع أن تجد مواطنا عربيا واحدا، من المحيط إلى الخليج، لا يشكو من الوضع القائم في بلده أو أقطار الوطن العربي. فهناك من يشكك في الثورة الراهنة، من منطلق أنها لم تحمل شعارات ضد الكيان الصهيوني، وأن شعارها “الشعب يريد إسقاط النظام” يزيدها غموضا، وهناك من هو‮ ‬متفائل‮ ‬بالثورة‮ ‬ولكنه‮ ‬متخوف‮ ‬من‮ ‬المستقبل‮ ‬واحتمال‮ ‬تفكك‮ ‬الدولة‮.‬

  • والمشكك‮ ‬في‮ ‬الثورة‮ ‬والمتفائل‮ ‬بها،‮ ‬لا‮ ‬يرى‮ ‬في‮ ‬الحاكم‮ ‬العربي‮ ‬سوى‮ ‬إقطاعي‮ ‬يتعاطى‮ ‬مع‮ ‬بلده‮ ‬كمزرعة،‮ ‬ومع‮ ‬مواطنيه‮ ‬كعبيد‮ ‬أو‮ ‬خدم‮. ‬فما‮ ‬راهنية‮ ‬الثورة‮ ‬العربية؟
  • وماذا‮ ‬يعني‮ “‬إسقاط‮ ‬النظام‮”‬؟
  •  
  • ذهنية‮ “‬نظام‮ ‬الحكم‮”‬
  • بالرغم من أن أمريكا حين احتلت العراق عام 2003 أزاحت نظام صدام حسين وجاءت بنظام جديد، حاكم رموز النظام السابق ونفذ فيهم حكم الإعدام، وأجتث حزب البعث، وهدم قبر ميشال عفلق مؤسس الحزب، إلا أن النظام الجديد حافظ على “ذهنية النظام السابق، برفض التداول على السلطة،‮ ‬مستندا‮ ‬إلى‮ ‬المرجعية‮ ‬الدينية‮ ‬وما‮ ‬يسمى‮ ‬بـ‮ (‬الأغلبية‮ ‬الشيعية‮).‬
  • تغير‮ ‬الحكم‮ ‬ولم‮ ‬يتغير‮ ‬نظام‮ ‬الحكم،‮ ‬أسقط‮ ‬النظام‮ ‬العراقي‮ ‬لصدام‮ ‬حسين‮ ‬خلال‮ ‬أسبوع،‮ ‬ولم‮ ‬تسقط‮ ‬ثماني‮ ‬سنوات‮ ‬ذهنية‮ ‬الحكم‮ ‬السابق‮.‬
  • والأمر نفسه بالنسبة للضباط الأحرار في مصر، فعائلة محمد باشا حكمت مصر ما بين 1805 – 1952 بالتبعية للأجنبي، ولكن ثورة جمال عبد الناصر هي التي جاءت بأنور السادات إلى الحكم، وهي التي أعادت ذهنية النظام الملكي إلى حسني مبارك.
  • أما في ليبيا، فقد اقتدى 11 نقيبا بقيادة ملازم أول وهو معمر القذافي، انقلابا على النظام الملكي، وفي أقل من أربع سنوات جاء نظام ملكي جديد بعنوان “المؤتمرات الشعبية” وبدءا من عام 1977، اعتبر القذافي نفسه ليبيا وليبيا هي القذافي وأولاده، ومرجعيتها القانونية والفكر‮ ‬هي‮ ‬الكتاب‮ ‬الأخضر‮.‬
  • ربما يقول البعض إن المبادئ الستة التي قامت عليها ثورة 23 يوليو 1952 التي يتضمن سادسها “حياة ديمقراطية” جعلت مصر تدعم الثورة الجزائرية، وتؤمم قناة السويس، وتغير نظام الحكم في ليبيا، وأن السادات قام بثورة 10 أكتوبر، وأن حسني مبارك أعاد الاعتبار الدولي لمصر، في‮ ‬قيادة‮ ‬الوطن‮ ‬العربي‮ ‬واسترجاع‮ ‬الجامعة‮ ‬العربية‮ ‬من‮ ‬تونس؟
  • لا أعتقد أن ثورة 25 جانفي 2011 امتداد لثورة 1919 أو ثورة 1952 أو ثورة 1973، وإنما هي من أجل القضاء على الاستبداد والفساد، بقيادة جماعية وهدف واحد: محاكمة رموز النظام السابق، وأبطالها هم الشهداء، أما رجال نظامها القادم، فمصيرهم بيد الشعب وليس العكس، فهل ما يجري‮ ‬في‮ ‬الوطن‮ ‬العربي‮ ‬هو‮ ‬بداية‮ ‬تاريخ‮ ‬جديد‮ ‬قد‮ ‬تكتبه‮ ‬الشعوب،‮ ‬أم‮ ‬مجرد‮ ‬انتفاضة‮ ‬شبانية‮ ‬قد‮ ‬تؤدي‮ ‬إلى‮ ‬تحولات‮ ‬نحو‮ ‬إصلاح‮ ‬أو‮ ‬تغيير‮ ‬أو‮ ‬فوضى‮ ‬وحرب‮ ‬أهلية‮ ‬وانقلابات‮ ‬من‮ ‬نوع‮ ‬جديد؟
  • وكم‮ ‬من‮ ‬الوقت‮ ‬المطلوب‮ ‬لاستيعاب‮ ‬تجربتي‮ ‬تونس‮ ‬ومصر؟‮ ‬وهل‮ ‬تستطيع‮ ‬التجربتان‮ ‬تجنب‮ ‬الفراغ‮ ‬الأمني‮ ‬ما‮ ‬بين‮ ‬سقوط‮ ‬النظام‮ ‬وانتخاب‮ ‬الرئيس‮ ‬وبقية‮ ‬المؤسسات‮ ‬الدستورية؟
  • ابتليت الأقطار العربية بأنظمة تكرس فيها النخبة السياسية والثقاية عبادة الشخصية أو الحزب الحاكم، بحيث صار حزب البعث في العراق وسوريا والحزب الاشتراكي في مصر، والحزب الدستوري في تونس أو الاستقلال في المغرب، أو جبهة التحرير في الجزائر هي أسباب بقاء الأنظمة الاستبدادية‮ ‬واستمرارها‮ ‬في‮ ‬الوطن‮ ‬العربي،‮ ‬فقد‮ ‬حصنت‮ ‬هذه‮ ‬الأحزاب‮ ‬نفسها‮ ‬بحمل‮ ‬شعار‮ ‬العربية‮ ‬أو‮ ‬القومية،‮ ‬وحمل‮ ‬عبء‮ ‬بناء‭ ‬البلاد‮ ‬والمؤسسات‮ ‬على‭ ‬حساب‮ ‬الإنسان‮.‬
  • وتعاملت مع الرأي الآخر بمنق التآمر على الدولة والعمالة للأجنبي، وتخوين المعارضة، وحتى حين تبنت بعض الأقار العربية فكرة التعددية الشكلية، تحولت الأحزاب الموروثة إلى آليات جديدة لاستمرارية السلطة، بالرغم من أن بعضها قد غيرت اسمها، ولكنها لم تغير ذهنية الحزب الواحد‮ ‬القائد‮ ‬للمجتمع‮ ‬والدولة‮.‬
  • تتمسك الأنظمة العربية بالعنف لمواجهة من يطالب بالحرية أو الإصلاح السياسي، أما من يطالب بالتغيير أو برحيل النظام، فهذا مصيره مجهول، وحتى الصحافة التي تتبنى ذلك، تحرم من حقها في الإعلانات وتتحرك المطابع للتضيق عليها ماليا.
  • إن التشكيك في نجاح الثورات العربية الراهنة هو منطق المتحمسين لاستمرارية النظام السابق، الذي يستخدم كل عناصر التفرقة بين القيادات السياسية، فعندما نزل علي بن حاج زعيم الانقاذ إلى تجمع لحزب سعيد سعدي، استغربت وسائل إعلام السلطة في الجزائر هذا “التحالف الجديد” للتيار الإسلامي واللائكي، علما بأن المصلحة المشتركة قد تؤدي إلى تحالف حقيقي بين أكثر من تيارين سياسيين متناقضين، لأن هدف كل تيار هو الوصول إلى السلطة، ومادامت أبوابها موصدة في وجه التغيير، فليس هناك مايمنع لقاء سعدي مع جاب الله وعلي بن حاج ومهري وبوشاشي أو‮ ‬لويزة‮ ‬حنون‮ ‬أو‮ ‬غيرها‮.‬
  • وعندما تراوح الثورة مكانها في اليمن وليبيا وسوريا، فهذا يعني أن هناك مشروعا لإجهاضها، يستمد قوته من تحالف النظام الاستبدادي مع الفساد المالي، والاستقواء بالأجنبي، ليكون طرفا في الصراع حتى لا تحقق الثورة أهدافها.
  • إذا كانت الثورة هي هبّة شعبية عامة ضد الاستبداد والفساد، فإنها ستبقى أهم إنجاز شعبي يشهد الوطن العربي، بعد مرحلة حركة التحرير الوطني ضد الاحتلال الأجنبي، وهذه الثورة لا تستهدف رجالات ثورة التحرير، وإنما من دنّسوها وحوّلوها إلى ملكية خاصة، تحت شعار “إنجازات‮ ‬الماضي‮”‬‭.‬
  • أيا كانت نتائج الثورات العربية الراهنة، فهي ستكون أفضل مما هو موجود في الوطن العربي، صحيح أنها تثير الريبة والمخاوف في احتمال نجاحها، بسبب الفراغ الأمني الذي يصاحب المرحلة الانتقالية لبناء النظام الجديد، إلا أن ثمراتها ستجدد الدم في شرايين الجيل الصاعد، وتفتح‮ ‬آفاق‮ ‬المستقبل،‮ ‬عكس‮ ‬الثورات‮ ‬الأوروبية‮ ‬الملونة‮ ‬التي‮ ‬سنتناولها‮ ‬في‮ ‬الحلقة‮ ‬القادمة‮.‬
أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • بدون اسم

    محمد 02
    لا للتحزب فكل حزب بما لديهم فرحون; نحتاج علماء و فقهاء لقيادة الأمة لا أصحاب مصالح شخصية متخفية من وراء ألاعيب سياسية تاريخية; كفاكم استنزافا لثروات البلاد باستعباد و استبعاد الشعب; كلوا و اسمنوا من أكل الحرام فجهنم لن تمتلأ و ستقول هل من مزيد.