-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

زغاريد الباك وصدمة الجامعة!

محمد حمادي
  • 1569
  • 2
زغاريد الباك وصدمة الجامعة!

العائلات الجزائرية التي قرعت طبول الأفراح وأحيت الليالي الملاح، مُبتهجة بظفر أبنائها بشهادة العمر، على وقع الزغاريد التي صدحت بها حناجر النسوة، بعد مرحلة عصيبة عاشتها في كنف الترقب والتوجّس، عليها أن ترافق هؤلاء الناجحين في بقية المشوار، لأنّ البكالوريا ما هي إلا خطوة على درب العلم والمعرفة، ستصنع منهم فيما بعد إما إطارات في المستوى، حصدت ثمار التكوين العالي لتنفع بلدها أو مجرّد حاملين لشهادات ورقية فقط، توَّجت سنوات من النّوم في المدرجات والتسكع بين أرجاء المعاهد والكليات!
لكن هل حضَّرنا الوافدين الجدد على الجامعة نفسيا؟ هل مددناهم بالنصائح للفلاح في مشوارهم الدراسي؟ هل أفهمناهم بأن الجامعة هي ملتقى علمي وإنساني نكتسب فيه المعلومات والأصدقاء ونتبادل فيه تجاربنا في الحياة؟ هل أخبرناهم أن الجامعة هي مؤسسة علمية، لكن بإمكانها أن تُساهم في إنعاش اقتصاد البلاد عبر اختراعات وأبحاث الطلاب؟
الحقيقة هي أنّنا نجحنا في تصدير الفشل إلى بعضنا البعض، نقلنا عادات وممارسات سيئة داخل قلعة العلم والمعرفة؛ فلم تعُد الدراسة في الجامعة سوى سنوات يقضيها الطلاب في التسكع بين أرجائها، المكتبات خاوية على عروشها، والكتب القيّمة التي صرفت عليها الدولة أموالا طائلة، شيدت عليها العناكب بيوتا وغمرت صفحاتها كتل الغبار، والمدرجات يكاد يهجرها الطلاب ولولا أن الحضور في الأعمال الموجهة إجباري والغياب عنها يترتب عنه إجراءات عقابية على غرار الخصم من النقاط في التقييم وحتى الإقصاء في حالات أخرى، لأصبحت الجامعة خاوية على عروشها، تمتلئ فقط أيام الامتحانات، ليتدارس إطارات المستقبل فنون الغش ويرسمون خططا تكتيكية لتبادل الإجابات، متعاونين بذلك على الإثم.
للأسف، انطبعت صورة ذهنية سلبية لدى الناجحين في البكالوريا عن الجامعة، صدَّرها لهم عرَّابو الفشل ممن قضوا سنوات في التسكُّع بين أرجائها وتفننوا في تضييع الوقت، الذي هو كالسيف إن لم تقطعه قطعك، حتى أصبحت الجامعة عنوانا للحرية الشخصية يفعلون فيها ما يريدون بلا حسيب ولا رقيب، يدخلون متى يشاءون ويخرجون متى أتيح لهم ذلك، والأخطر من ذلك لمّا تتحول الجامعات والإقامات إلى ساحات وغى يتعارك فيها الطلاب لأسباب واهية؛ فتسيل الدماء من أجل طبق حمّص أو حفلة ماجنة في عيد الطالب المصادف للتاسع عشر ماي من كل سنة!
الجحافل البشرية التي ستيمِّم وجهها شطر الجامعة في الدخول الاجتماعي المقبل، لابدّ من عقول حكيمة تُدير بوصلتها نحو التخصصات التي تتواءم مع مؤهلاتها، كي لا تتحوّل الاختيارات إلى صدمات نفسية فيما بعد يدفع ثمنها طلابٌ لم يوجَّهوا بطريقة سليمة، معتقدين أنّ مسيرة العلم توقفت عند الظفر بالبكالوريا.
ينبغي أن نهتم بالنوابغ الذين حصلوا على البكالوريا بتقدير امتياز، ونشدّ على أيديهم كي يواصلوا مسيرة التفوق العلمي، ليحصلوا على شهادات عليا في مختلف التخصصات كي يكونوا ذخرا لبلدهم يستفيد من عبقريتهم.
أكثر من 80 نابغة في بكالوريا 2018، هم نخبة المستقبل ينبغي أن نحميهم من الضياع الأكاديمي بإرشادهم إلى تخصصات علمية تتواءم وطموحاتهم وميولهم، والأكثر من ذلك أن تتوافق مع قدراتهم الفكرية، لأنّ دراسة تخصص غير مرغوب فيه هو انتحارٌ علمي في حدّ ذاته.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
2
  • محمد

    لاحظوا معي كيف أن المؤسسات الأكاديمية الكبرى في العالم تهتم بالناتج الأكاديمي والمستوى وليس "نسبة النجاح" ...هل هناك تصنيف جامعي واحد في العالم يتبنى "نسبة النجاح" كمؤشر ؟ ..بالطبع لا...كلهم يعتمدون على المعطيات والأبحاث والنتائج والمنشورات الأكاديمية وبراءات الإختراع وماإلى ذلك...قيمة المنتج النهائي. وليس نسبة النجاح ...نحن شعب المظاهر بإمتياز .

  • محمد

    كلام صواب، أفضل أن تكون نسبة النجاح ٣٠ أو ٤٠ بالمئة على الأكثر، وترجع لإمتحان الباكالوريا هيبته، وترجع الجامعة فقط لمن هو في المستوى..تنخفض التكلفة في الخدمات الجامعية، ولاتجد الكثير من التسيب والإهمال من الطلبة. فالزبدة فقط هي من تدرس هناك، ولكثرة المتفوقين، فإن المستوى سيرتفع ويخرج من الجامعة مهندسون وأطباء ومعلمون وإداريون في المستوى.
    بينما من يعيد له فرص الإعادة والإلتحاق بالمتفوقين.عام أو عامين لايهم، أو يلتحق بالتكوين، أو يقوم بالعمل الحر، أو يلتحق بمناصب لاتتطلب إلا مستوى الثالثة ثانوي، لماذا تضخم الشركات مطالب المؤهل؟.والله كنت بالجامعة والكثير ينام طوال العام ويتسكع ومع ذلك يمر