-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

سلطان فاس الذي تسبب في احتلال وهران

بقلم: د / أمين كرطالي
  • 1421
  • 0
سلطان فاس الذي تسبب في احتلال وهران

في ثنايا كتب تاريخنا المجيد، وبين جنبات صفحاته البيضاء، ردودٌ صريحة ناصعة، تفوح بالصّدق والأمانة، كتُبٌ ووثائق تنسفُ أطروحة أولئك الباحثين عن أمجاد زائفة لم ينالوها وبطولات مُنتحلة لم يصنعوها، فالتّاريخ لا يرحم ولا يُحابي، ولن يستجيب لأهواء السَّاسة ولا أبواقهم مهما حاولوه وتعنّتوا في تحريفه.

ومن المؤسف له حقّا أن نقرأ عن خياناتٍ متكرّرة قام بها سلاطين فاس في مناسبات متعدّدة، ثمّ يُكذب على إخواننا المغاربة، ويُكتبَ لهم تاريخٌ بعيدٌ كلّ البعد عمّا نطقت به كتب المصادر ووثّقتهُ الشّهادات والوثائق التي حفظها لنا المولى سبحانه لتبقى شاهدة على خيانة أخرى من خيانات سلاطين فاس لإخوانهم وأبناء ملّتهم، واغتنام هؤلاء السّلاطين فُرصة سقوط الدّولة الجزائرية في يد الفرنسيّين من أجل التوسّع شرقا، ناهيك عن سرقةِ أموال الجزائريين ونهب ثرواتهم بكلّ دناءة.

إنّ قصّتنا اليوم ستكون حول بداية احتلال الفرنسيين لمدينة وهران، التي تسبّب المخزن المغربي بطريقة مقيتة في نكبتها وتسهيل عمليّة احتلالها، سنستقي تفاصيلها الأليمة من رواية صاحب “طلوع سعد السعود” الأغا بن عودة المزاري، الذي هو أحد الشهود الذين دوّنوا بكلّ مرارة تفاصيل ما حدث، كما سرد علينا الجنرال الفرنسي بواي ” Boyer ” فُصول تلك الواقعة، وهو المُعاصر للأحداث الذي أكّد من خلال تقريره أنّ الجزائر ليس لها جارٌ يحميها بل عدوّ طامعٌ فيها.

تُخبرنا الرواية أنّه عند احتلال فرنسا للجزائر كان الباي حسن قد أشرف على مدينة وهران واستعدّ هو وحلفاؤه من عرب الزمالة والدوائر والغرابة وغيرهم للدفاع عن عاصمة الغرب وحماية سواحلها، خصوصا أنّ الأسطول الفرنسي كان يستعدُّ للنّزول بالمرسى الكبير.

وبسذاجةٍ بريئة، وعن نيّة طيّبة، رأى بعضُ ساكنة تلمسان أن يستمدّوا العون من العلويين، حبّا في النسب الشريف والسلالة الطّاهرة- زعموا- لذلك طلبوا المساعدة من سلطان فاس عبد الرحمن بن هشام باعتباره أقرب سلطة شرعية يمكن الانضواء تحتها من أجل الجهاد ضدّ المستعمر الفرنسي.

وحقّا تحمّس سلطان فاس لذلك وأرسل ابن عمه مولاي علي وأحمد الحجوطي وفور وصولهما وجدا في انتظارهما محمّد المزاري أحد أشهر عمّال المخزن في الإيالة الجزائرية، واستقرّ مولاي علي بتلمسان وانتقل أحمد الحجوطي إلى نواحي معسكر، ثمّ بدأ مولاي علي يمارس أساليب المكر والاحتيال، فلبس عمامته الخضراء، وأظهر الزهد والصلاح والرغبة في الجهاد، ولاطف شيخي الزمالة والدواير مصطفى بن إسماعيل ومرسلي اللذين كانا متحالفَيْن مع الباي حسن ويُدافعان عن المدينة بكلّ شجاعة، ثمّ رأى مصطفى بن إسماعيل ومرسلي أن يستجيبا لدعوة مولاي علي، اغترارا بنسبه الشّريف ومواثيقه وعهوده، وما أبداه من نوايا صادقة، وفور وصولهما إليه بادر إلى اعتقالهما، وهاجمت قُواته مدينة وهران ونهبت ما كان في مخازنها من الأغنام والأقوات، وكذلك فعل مولاي علي بتلمسان، وحاول الباي حسن ومن معه أن يُدركوا جيش مولاي علي لكن دون فائدة.

وفي تلك الأثناء رأى الفرنسيون الفرصة سانحة فدخلوا مدينة وهران ووجدوها خالية من الجند، وملكوها دون أن تصدُرَ عنهم أيّ طلقة نارية وذلك في 4 جانفي 1831م. وحين عاد الباي حسن إلى وهران وجدها قد وقعت في أيدي الفرنسيين فاضطرّ إلى الاستسلام ثمّ إن الفرنسيين أرسلوا إلى سلطان المغرب بيانا شديد اللهجة يحذّرونه فيه من معاودة الرجوع إلى الجزائر فما كان منه إلا أن ترك الجزائر تلاقي مصيرها بعد أن تسبّب دخوله إليها في سقوط مدينة وهران ونهب المدينة ومعها تلمسان.

وقد كتب أحد شعراء الجزائر أبياتا تصف المرارة التي تجرّعها ساكنة وهران وتلمسان بسبب صنيع سلطان فاس وابن عمّه، فقال فيها:

آها لمغرب الأوسط ضاعا وبان وهنه ومن بها جاعا

تراكمت أهواله وزادت به الشدائد الفساد ذاعا

جاء به للحكم أهل فاس فجاسوا خلال دياره سراعا

وحلوا وأبرموا الحكم بظلم ودبت فيما أجراه ضباعا

كأنه على التحقيق ليست به رجال قد قهروا سباعا

لا غرو يا علويين يحل بكم ما ببني سعد قد عاعا

فإنه قبلكم قد جاءوا لمغربنا وقد ذهبوا جزاعا

رأوا من بأسنا ما ليس يرى وأسيافنا للحومهم قطاعا

بنادقهم رصاصها مصيب لهم بكل حاله وقاعــــــــــــــــا

وبعد هذه القصّة الحزينة التي هي حلقة أخرى من حلقات مسلسل الخيانة، هل سيستمر عجائز البلاط المغربي في سرد حكايا وقصص تُشبه قصص العجائز، فيها من الخرافات والأكاذيب ما لا يتوافق مع الحقيقة التاريخية، أم سيصارحون أنفسهم ويعترفون بأخطائهم من أجل تصحيحها وتقديم اعتذارٍ عن جرائم اقترفوها في حقّ جيرانهم؟

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!