-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

سياسة فرنسا .. تصنع الإرهاب أم تحاربه؟

التهامي مجوري
  • 2320
  • 0
سياسة فرنسا .. تصنع الإرهاب أم تحاربه؟

عندما يسمع المتابع لردود أفعال وتصريحات المسؤولين الفرنسيين إثر أحداث وتفجيرات الأسبوع الماضي [الجمعة 13/11]، يختلط عليه الأمر بين مبدأ صناعة الإرهاب الذي برعت فيه فرنسا منذ قرن ونصف على الأقل، وبين محاربة الإرهاب التي تدعيها؛ بل ويختلط الأمر بتصفية الحسابات مع الخصوم على الأرض..، وإلا ما معنى اعتبار ما وقع حرب ضد فرنسا؟ رغم أن ما وقع، قد وقع في فرنسا في غير هذا التاريخ..، أكثر من مرة، وربما بخسائر أكبر، أيام الحرب الباردة وعمليات إبراهيم عبد الله وكارلوس الذي يقبع في سجونها إلى اليوم، المناضل محمد بوديا رحمه الله، وفي كل ذلك لم يقل أحد أن ما وقع حرب..، وإنما الجميع استساغ ذلك في إطار الصراعات الدولية التي فرضها الغرب بعجرفته، ومنه فرنسا الاستعمارية.

 ما الجديد في الموضوع؟ هل كانت فرنسا تعلم بذلك قبل وقوعه، وانتظرت بداية تنفيذه، لتتخذه ذريعة لما تريد من ارتكاب جرائم على الأرض باسم محاربة الإرهاب مثلما فعل الأمريكان إثر أحداث 11 سبتمبر 2001؟ أم أن ذلك كان مباغتا، وهذا يقتضي ان لا تعلم فرنسا حجم هذه العمليات الحقيقي، ومن ثم يكون الإعلان عن الحرب سابق لأوانه أو تسرع في غير محله؟ أم أن هذه التفجيرات كانت مناسبة لفرنسا سلطة ومعارضة لتصفية الحسابات العالقة داخليا وخارجيا، واستعراض عضلاتهم على بعضهم   البعض، وتبادل التهم بالتقصير هنا وهناك، وإرهاب الجالية العربية والإسلامية والإفريقية، وتنبيه الخصوم من الشركاء الدوليين، استباقا لما سيكون عليه بعد سوريا والعراق واليمن.

ومهما يكن الموقف الفرنسي الرسمي، فإن طبيعة فرنسا الاستعمارية المستعلية قد شقت طريقها في الواقع، وفق ما جبلت عليه من اعتداد بالنفس واستعلاء على القيم البشرية..، فأعلنت الحرب وأرسلت الطائرات لتقصف في سوريا، انتقاما لضحاياها في باريس..، وهي تضغط على مجموعة العشرين والاتحاد الأوروبي بوصفها ضحية، من أجل الحصول على أكبر قدر ممكن من المكتسبات، وعلى المستوى الداخلي، فقد تحرك الرئيس الفرنسي في اتجاه التضييق على الحريات، فطالب بتمديد حالة الطوارئ ثلاثة أشهر، وهذا لم يقع في فرنسا حسب الملاحظين منذ سنة 1955 أيام الثورة الجزائرية، وطالب بإصلاح الدستور للتحلل من أي التزام تجاه حقوق الإنسان ولو داخل فرنسا، وقرر إلغاء الجنسية المزدوجة، كل ذلك للتحرك في إطار محاربة الإرهاب، أما حواشي هولاند فقد ألقوا بدلوهم هم أيضا، فطالب رئيس الوزراء بطرد الأئمة المتطرفين، وأعاد اليمين المتطرف فتح ملف المهاجرين، و و و…إلخ.

الجديد في الموضوع أن الإعلام الفرنسي هذه المرة، ليس شريكا كاملا للسياسة الفرنسية، وإنما حاول التزام الحياد الإيجابي ولم يسارع إلى الأحكام المسبقة، وإنما اكتفى بذكر الحقيقة، فلم يسارع باتهام المسلمين والمغاربيين مثلا كما هي العادة، وإنما كانت أول الأخبار المتوصل إليها، هي أن الفاعلين من أصول فرنسية..، أما فيما عدا ذلك فالإخراج الفرنسي واضح المعالم، على الطريقة الاستعمارية المعهودة من فرنسا.

لا شك أن التفجيرات التي وقعت لا يقرها عاقل، وهي مدانة كوسيلة للتعبير عن الرأي والموقف من أي جهة كانت، ولكن عندما تقع هذه التفجيرات من جهات معينة في مواقع معينة، فإن العاقل لا يسعه إلا أن يتفهمها، ولذلك عندما توضع تفجيرات باريس في سياقها التاريخي، وفي إطار ما يحدث في العالم والدور الفرنسي فيه، فإن ذلك يفتح مجالا كبيرا للتساؤلات، ففرنسا لها أضلاع فيما يقع في كثير من الدول، مالي وتونس وليبيا وسوريا ولبنان، وبطريق غير مباشر في الجزائر وفلسطين وإيران…، ودولة بهذا الشكل الأخطبوطي، وفي عالم تعاد صياغته وتشكيل خريطته من جديد، لا شك أنها متفاعلة معه بأقوى ما تكون الدولة، سواء بضرورة الحرص على المصالح، أو وفق تحمل المسؤوليات كدولية لها ثقل في هذه المناطق، وقد صرح قبل أيام رأس من رؤوس استخباراتها بأن “الشرق الأوسط لن يعود إلى ما كان عليه”، أي أن فرنسا على علم بما سيكون ومن ثم فهي شريك في صناعة الشرق الوسط الجديد الذي سيكون، كما كانت شريكا في الميثاق الاستعماري، في سايكس بيكو القديم، ومثلما كانت بريطانيا حريصة على احتلال اليهود لفلسطين، فإن فرنسا كانت أحرص على إقامة دولة اليهود في فلسطين.

وهذا الواقع يفرض علينا التساؤل من جديد هل تفجيرات باريس مقدمة تم نتيجة؟ أي هل أن هذه التفجيرات جزاء المظالم الفرنسية التي توزعها على رقعة شاسعة من العالم، وفي البلاد المذكورة تحديدا؟ ام هي مظلمة مسلطة على فرنسا من قبل إرهابيين اعتدوا عليها؟

والأقرب إلى الحقيقة في الإجابة عن هذا التساؤل هو أن مظالم فرنسا هي التي جلبت على الشعب الفرنسي هذه المآسي، وليس العكس، رغم ان هذا الفعل كما ذكرت في ذاته مدان، بسبب استهدافه للأماكن العامة التي يكون ضحيتها الأبرياء عادة.

 

إن الحقيقة ستظل غائبة مدة من الزمن؛ لأن ما يذاع إلى اليوم من أخبار وأسماء ووقائع، لا يعبر عن الحقيقة التي تريد التحليلات والتقارير السياسية والأمنية والإعلامية إيصالها للناس؛ فالأسماء المذكورة إلى الآن في مجملها موجودة في الملفات الأمنية، مصنفة مسبقا، سواء كإرهابيين أو مجرمين في إطار الحق العام أو سبق وأن شاركوا في فعل موصوف بمعاداة السامية..، وكل ما نتابعه من أمور لا يزيد عن تحاليل مبنية عن معلومات مشكوك فيها أو في بعضها تفاصيلها؛ لأن بعض المعلومات الحقيقية التي كشف عنها، هي ان بعض الدول حذرت فرنسا من أعمال ستقع…، ولكن فرنسا عجزت عن حماية نفسها، ولكنها بمجرد وقوع الواقعة رأسا اكتشفت المخطط والمدبر والفاعل الحقيقي وشرعت في القصاص.. وأكاد أجزم أن الاستثمار الفرنسي لهذه القضية في التعبئة لتحقيق مصالحها التي سوف تكون حتما على حساب الشعوب المستضعفة، أكثر بكثير من جميع الوقائع التي أضرت بفرنسا منذ ستينيات القرن الماضي.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
  • بدون اسم

    كالعادة فرنسا تبحث عن مصالحها مهما كان الثمن و في كل مرة تختلق الأعذار على شاكلة أمريكا و غيرها من الدول الغربية على حساب المستضعفين هذا واضع لكن هل سيستفيق العرب و المسلمون من سباتهم ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

  • معاذ

    تحليل ممتاز