-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

شرعية حكومة: حيّرت فيبر والماوردي والحاكم المتغلب…

شرعية حكومة: حيّرت فيبر والماوردي والحاكم المتغلب…

لن تكون لأية حكومة فاعلية إذا لم تكن تحظى بالقدر الكافي من الشرعية، لن يكون الوزير وزيرا إذا لم يكن يستند إلى دعم حقيقي من الشعب، وليس على دعم مزيّف، ولن يستطيع اتخاذ قرارات وتطبيقها بالكيفية اللازمة إذا لم يكن لديه السند الكافي ضمن الوسط الذي يتحرك ضمنه ويريد تغييره أو إصلاحه… هذه الشروط لم نتمكن لحد الآن من توفيرها لأكثر من حكومة تعاقبت على بلادنا، ولذلك فإننا لم نتمكن إلى الآن من تشكيل حكومة هي بالفعل التعبير الحقيقي عن إرادة الشعب تنفذ سياسة نابعة منه وتلقى الاستجابة الكافية لديه، وتستند قبل ذلك إلى تفسير موضوعي على الأقل إذا لم يستقم مع علماء الإسلام، يتطابق مع تحاليل فلاسفة الغرب، ولا يبقينا فقط ضمن مبررات وجوب الخضوع لشرعية الحاكم المتغلب…

بحثت في قواميس العلماء والمفكرين والساسة عن سند للشرعية للحكومات المتعاقبة على بلادنا فلم أجد، فلا تصنيفات ماكس فيبر للشرعيات الثلاث تنفع، ولا تحاليل بورديو للفضاءات الاجتماعية  يمكنها أن تستقيم، ولا العودة للصراع الطبقي عند ماركس إنجلس يمكنه أن يكون نافعا، ولا تقسيمات سبنسر ودوركايم  وبارسونس للمجتمعات يمكنها أن تفسر التعبير السياسي لأية حكومة من حكوماتنا، ولأني عجزت على ذلك قلت لعلنا مجتمعات شرقية لا تنطبق علينا التنظيرات السوسيولوجية لعلماء الغرب، فعدت إلى الآداب السلطانية، إلى شهاب الدين ابن أبي الربيع الذي كتب سلوك المالك في تدبير الممالك، وإلى الماوردي وأحكامه السلطانية، إلى ابن رشد وعقلانيته في اختيار الحاكم، إلى ابن تيمية وسياسته الشرعية بل حتى لما عُرف حديثا بفقهاء”إمامة المتغلب” الذين أفتوا بشرعية حكم من استولى على السلطة بالقوة ووجوب طاعته مادام حكمه أصبح واقعا… فلم أجد السند الذي يمكنني أن أبرر به حكوماتنا اليوم… !!!

وحتى لا أغوص في التنظير، وهذا ليس مقامه، أقول بأن فيبرMax Weber  قال بأن الشرعية تكون على ثلاثة أصناف:

إما تاريخية تقليدية تقوم على الاعتقاد بقدسية التقاليد والأعراف، أو كاريزمية تقوم على مبدأ الزعيم الملهم، أو عقلانية تقوم على احترام القانون والكفاءة وسلطة المؤسسات، ونحن لم نعد نملك أيا من هذه، فالشرعية التاريخية تآكلت إلى أبعد الحدود حتى أننا لم نجد مجاهدا يكون وزيرا للمجاهدين، وتقاليدنا التي تقوم على حكم العروش وزعماء القبائل قمنا بتقويضها ومات من بقي من الزعماء المعروفين، والعبقري الملهم الكاريزمي الذي يقبل به الناس تعرفون جميعا أننا افتقدناه مع آخر شخصيتين لديهما كاريزما حقيقية وليست مزيفة، الرئيسين: بومدين وبوضياف.

فلنضع تنظير ماكس فيبر جانيا: إنه لا يصلح لبلد كالجزائر.

بين ماركس وبورديوBourdieu خلاف، الأول يقول بأن الشرعية هي شرعية الطبقة السائدة، والطبقة السائدة إما أن تكون رأسمالية تمتلك وسائل الإنتاج، أو تكون بروليتارية تستند إلى الملكية العامة لهذه الوسائل، والثاني يقول بأن الأول يفترض وجود ما لا يوجد، إنها ليست سوى فضاءات يوجد بها أفراد متموقعين حسب علاقات الهيمنة التي بينهم، أي أن الطبقات غير موجودة إلا افتراضا، وأن الناس إما أن يكونوا في الأعلى ويسعون إلى الحفاظ على مواقعهم أو يكونوا في الأسفل ويسعون إلى الصعود، وبينهما يجري الصراع… أيضا لا تستقيم النظريتان عندنا، فلا نحن نرى شرعية طبقية بالمعنى الماركسي ولا نحن نجد فقط من تموقعوا في الأعلى، في الحكومة.. أحيانا يتم نقل أفراد مباشرة من اللاشيء إلى كل شيء، من مستوى اجتماعي إلى آخر بدون مقدمات وعلى أسس أخرى تماما … يحتار فيها كل من ماركس وبورديو.. بل وأنصار كل نظريات “التمايز” الاجتماعي من سبنسر إلى تالكوت باريسونس.

أما إذا عدنا لتراثنا الثقافي الإسلامي فإننا نجد الإمام الماوردي يقول بأن من يترشح للإمامة (الحكم) ينبغي أن تتوفر فيه 07 شروط: العلم، العدالة، سلامة الحواس، سلامة الأعضاء، الرأي والحكمة، الشجاعة والنسب… وأن يتم اختياره من قبل أهل الاختيار الذين ينبغي أن تتوفر فيهم ثلاثة شروط: العدالة والعلم والرأي والحكمة. وأن الدين أساس شرعية السلطة، لأن الحاكم ينبغي أن يكون رئيسا دينيا ودنيويا وأن الدولة هي حارس الدين والدين هو منهاج الدولة.

أما ابن رشد فعنده القائد ينبغي أن تتوفر فيه شروط خمسة هي: أن يكون ميالا لدراسة العلوم النظرية، جيد الحفظ، محبا للصدق، كارها للكذب، غير محب للمال، شجاع قادر على الجهاد، يحب الفضائل والعدل، بليغ حسن العبارة، تام الأعضاء الجسدية..وكذلك الشأن لابن الربيع قبله أو ابن تيمية بعدهما، جميعهم يتفقون أن الشرعية عند المسلمين أساسها: الارتكاز على العقيدة، الجمع بين الحق والسلطان القاهر (القوة) وإنجاز الأمانة وعقد المبايعة، أي أن السياسة الشرعية معناها أن شرعية الدولة أو الحكومة مرتبطة بمدى التزامها بقواعد الدين لسياسة أمور الدنيا… ولا نستثني من هؤلاء إلا الذين نظروا لما عُرف حديثا بحكومة المتغلب التي تستمد شرعيتها من القوة وحدها وتفترض وجوب السمع والطاعة من الناس من غير السؤال على توفر أي من الشروط الأخرى التي يكاد يتفق بشأنها علماء الإسلام.

فإلى أي من الحكومات هي الأقرب حكومتنا اليوم، وعلى أي من الشرعيات تستند؟

يبدو أننا لا يمكننا بأي حال من الأحوال تصنيفها، ولا تصنيف نوعية شرعيتها، ولا معرفة الأسس التي تستند إليها، لأن كل تحليل لا يستقيم معها، ومن ثم فهي حكومة فريدة من نوعها لا يستطيع أن يفهمها فيبر ولا الماوردي قريبة من حكومة المتغلب، ولكنها لا تتطابق معها كل التطابق، إذ هناك بعض الشرعية القانونية لها أو ما يسميه البعض (المشروعية) ـ légalité، فقد تم الإعلان عنها إجرائيا وفق أحكام الدستور، وتطبيقا للقانون… ومن قبل رئيس للجمهورية منتخب للتو، مهما قيل عن شرعية انتخابه…

أي أننا أمام حكومة يصعب أن نطابقها مع أية شرعية كانت بمفهوم légitimité، وإن استحضرنا حجج الأولين والأخيرين، من الشرق أو من الغرب، كما لا يمكننا أن نكتفي بمشروعيتها القانونية لنقول بأنها تستطيع أن تفعل، ولا بمشروعية الغلبة لديها باعتبارها واقعا لا مجال للفرار منه، وعليه فإنه ليس أمامنا سوى انتظار اليوم الذي يمكن لبلادنا أن تعرف فيه حكومة تستند على شرعية على الأقل إن لم تكن متطابقة مع هذا التنظير تكون متطابقة مع ذاك.. يمكننا أن نعرف وجهتها ولونها وإلى أين هي تسير… لقد أضعنا الكثير من الوقت ونحن نسير على غير هدي، من غير رؤية، من غير قاعدة فكرية، وأصل يستند إلى العقل أو إلى النقل أو إليهما معا، يوجهنا… حيارى لا ندري طبيعة شرعيتنا، نعزي أنفسنا بأمر واحد، ككل مرة.. بذلك الأمل الذي يقول: إن شرعية حكومة حيّرت كل هؤلاء لن يطول بها الزمن لتدوم.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!