-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

 صرخة الجنوب من ورقلة!

 صرخة الجنوب من ورقلة!
ح.م

مرة أخرى، يخرج المواطنون بالآلاف في عاصمة النفط الجزائري، ورقلة، رافعين في العموم مطالب تنموية مشروعة، بعدما ضاقت عليهم المنطقة، بما حباها الله به من خيرات وثروات، بعد 65 عاما من استرجاع الاستقلال.

المظاهرة الشعبية الحاشدة التي لبّى نداءها السكان بكلّ عفوية، تحت ضغط الواقع المعيش، بعيدا عن كل تأويل أو استغلال سياسوي، حملت الكثير من الرسائل إلى العديد من الجهات والمستويات، مثلما كرّست، للأسف، شعورًا سلبيّا لدى أهل الجنوب بالتمييز حتى في الاهتمام الإعلامي، كاشفةً عن تنامي خطابٍ جهوي خطير!

لا نملك إلا أن نعرب عن تضامننا الكامل مع انشغالات سكان المنطقة في كافة المجالات، وهي بلا شكّ مطالب بسيطة في كلّ مواثيق حقوق الإنسان، ويجب الإقرار أنّ التقصير واقع تاريخي من السلطات العموميّة في الاستجابة لحاجياتهم وتحقيق تطلعات المنطقة في التعليم والصحة والسكن والشغل، وغيرها، خصوصًا أنّها تحوي “الضرع البترولية الكبرى” للبقرة الحلوب، بينما يعاني ساكنتُها الأمرّين!

غير أنّ تلك المؤشرات السيئة ينبغي ألا تعمي أبصارنا عن حقائق النمو الاجتماعي والاقتصادي والعمراني والثقافي المطّردة خلال السنوات الأخيرة في جنوبنا الكبير، برغم الهوّة الشاسعة بين المنجزات والحاجيات أحيانا، لكن التحسّن موجود والتطور قائم في الميدان، لا نؤكد هذا الأمر دفاعًا عن أيّ طرف، بل لنغرس الأمل في القلوب، حتى نشمّر جميعا، كل من موقعه، عن سواعد الجدّ والعمل، لأنّ التنمية والرفاه بكل أبعاده، لم يعد في عصر “الدولة الناظمة” مسؤولية مقتصرة على الجهود العموميّة، وإنْ كان من واجباتها الرئيسة إيجاد مناخ عادل وشفاف للأعمال والاستثمار، من خلال التشريع والتنظيم والتمويل والمرافقة وتوفير شروط الحياة الكريمة.

صحيحٌ أن مطالب الغضب في ورقلة تكبت أنفاس المتظاهرين يوميّا، وهي تلقي بكلكلها على حياتهم المريرة، لكن المقلق أكثر في تقديرنا هو الشعور المتنامي لدى جزء من الجزائريين بـ”الحقرة” الجهوية والمفاضلة المناطقيّة، لما يشكّله ذلك من خطر مستقبلي على وحدة البلاد وتلاحمها الشعبي.

قد يكون ذلك الإحساس المدمّر مجرد انطباع نفسي لا أثر له في الواقع، غير أن السؤال الحتمي في هذه الحالة: ما الذّي يغذي مثل هذا الشعور الخاطئ؟ لا شكّ في أن الأخطاء السياسية والخطايا الإعلامية من أشدّ الأسلحة فتكًا بالاستقرار الاجتماعي، فهل يُعقل مثلاً أن توصف المظاهرات في منطقة ما بأنها “أحداث فوضى وشغب ومؤامرة خارجيّة”، بينما تُنعت في جهةٍ ثانية بأنها “تعبيرٌ حضاري وسلمي وثقافي”؟ وهل يُقبل كذلك أن يتعامل مسؤولون مع الاحتجاجات بمكيالين؛ إذ يظهر الخطاب والسلوك الرسمي ناعمًا وعقلانيّا بل ديمقراطيّا مع جزائريين، بينما يكشّر هؤلاء عن أنيابهم مع جزائريين آخرين؟ فكيف نقنعهم بعدها بأنهم جميعا مواطنون من الدرجة نفسها؟!

حتى الإعلام، وفي عصر الانفتاح السمعي والبصري وتكنولوجيا الاتصال الافتراضي والاجتماعي، لم يبرأ من السقوط في فخّ التمييز، وظهر بعضه غير مكترث بنقل الخبر بتفاصيله، مكتفيًا بإشارات عابرة، فكيف نعتب على مواطنينا في الجنوب وقتها إذا اشتكوا من التهميش؟!

ومع ذلك، وجب الحذر الشعبي من تغذية خطاب الجهوية والكراهية بين الجزائريين باسم الشكوى من التهميش المناطقي، لأنّ الآلام مثل الآمال واحدة ومشتركة بينهم، وعلى الدولة أن تكون مسؤولة عن كافة أبنائها بالحرص والاهتمام ذاته.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
2
  • جزائري

    أجمل وأروع ماجاءفى المقال :
    " لاشك أن الأخطاء السياسية والخطايا الإعلامية من أشد الأسلحةفتكا بالإستقرا لإجتماعي ن فهل يعقل مثلا أن توصف المظاهرات فى منطقة ما بأنها أحداث فوضى وشغب ومؤامرةخارجيةبينماتنعت فى جهة ثانية بأنها تعبير حضاري وسلمي وثقافي ؟ ،وهل يقبل كذلك أن يتعامل مسؤولون مع الأحداث بمكيالين، إذ يظهرالسلوك الرسمي ناعما وعقلانيابل ديمقراطيا مع جزائريين بينما يكشر هؤلاء عن أنيابهم مع جزائريين آخرين ؟ فكيف نقنعهم بعدها بأنهم جميعامواطنون من الدرجة نفسها ؟ "

  • الحبيب رضا

    من قال انها بعيدة و الجراثيم الاسلامية حاضرة فيها

    اي احتجاج ينتهي بالصلاة هو قمامة و جحر للتسلل من اجل اشاعة الفوضى يا ارهابيين يا بتوع عليها نقتل وعليها نفجر