-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

عن الجامعة مرة أخرى.. أين الخلل؟

حسن خليفة
  • 1119
  • 1
عن الجامعة مرة أخرى.. أين الخلل؟

هموم الجامعـة الجزائرية وأشجانُها وأحزانُها كثيرة متنوعة، قاسية مؤلمة، والحديث فيها يطول ويتشعب. وقد تجددت تلك الهموم في مناسبة انعقاد اجتماع لأساتذة كليتنا ـ كلية الآداب واللغات، جامعة منتوري، قسنطينة1، قبل مدة غير طويلة.. مع مدير الجامعة الجديد: الأستاذ الدكتور بن شهرة شول. هنا ملاحظات غير عابرة من وحي هذا اللقاء.

1- لنبدأ من الاجتماع ذاته، فهو الاجتماع الأول، منذ وقت طويل، بين مدير الجامعة وأساتذة الكليات.

وذلك أولُ ما ينبغي تسجيله في شأن تسيير المؤسسات الجامعة وتدبير شؤونها (القطيعة التامة تقريبا)، بين الإدارة والأساتذة، وهذا ينسحب على أكثر جامعاتنا، في حدود علمي .وهي معضلة حقيقية؛ إذ إن الانسدادات تتفاقم وتعظم، والمشكلات تكبر، بسبب انعدام فرص اللقاء وفرص الحوار.

2- كان التوقيت سيئا للأسف؛ إذ جاء في نهاية الأمسية وامتد إلى وقت متأخر، مما اضطر الكثيرين والكثيرات للمغادرة.. بشكل مربك، كان الأحرى عقد الاجتماع في صبيحة كاملة (يوم السبت مثلا).

3- قد يكون في القلب غُصص كثيرة فيما يتصل بالجامعة، لكنني أتصوّر أن الأصل في مثل هذه السياقات هو التركيز على المشترك العام الذي يهم جميع العاملين أساتذة وموظفين، وقد كانت أكثر المسائل طرحا:

أولاـ انعدام شروط البيئة العلمية التي تجعل الأستاذ يؤدّي وظائفه على أحسن وجه وأكمله، والحديث هنا يطول عن أســباب ذلك والمتسبّبين فيه، على مدى عقود طويلة ماضية. ومن تلك الشروط: النظافة، الأمن، الراحة، وسائل البحث، الانترنيت، أماكن مناسِبة للقاءات الأساتذة وهيئات التدريس، وتسمح بـالعمل الأكاديمي…).

ثانيا: الافتقار إلى الحد الأوسط من الشروط الاجتماعية/ الإنسانية التي تسمح للأساتذة بالقيام بواجباتهم كقاعات الأساتذة المناسِبة، المطعم، الكافيتريا، فضاءات الـراحة، انعدام صيغ اللقاءات التشاركية، انعدام فرص الحوار والنقاش… ولذلك أسبابه الموضوعية والذاتية أيضا.

ثالثا: انعدام المكاتب الخاصة بالأساتذة بمختلف رتبهم، وهذا عجزٌ معيب تعاني منها جامعتُنا وجامعاتٌ وطنية أخرى منذ وقت طويل ولا ندري له مبرّرا، على خلاف ما هو جار في الجامعات هنا وهناك، ومنها الجامعات العربية.

رابعا: افتقاد الجامعة كلها إلى مصلّى، ولو كمحفص قطاة، وهذا مَعيب جدا. وإن تكن بعض الجامعات فيها مصليات، ولكن معظم الجامعات تفتقد إلى مكان نظيف مرتب يكون مصلّى، ولو كانـت النيّاتُ جيدة لكان في كل جامعة مسجدٌ بكل ما تحمله الكلمة من معنى. فما أحوج الطلاب إلى ذلك النصيب الجميل من الأخلاق والسيرة والقدوات الطيبة وفقه الدين والحياة.

خامسا: نحا النقاش نحوا مغايرا للمطلوب عندما انخرط في الذاتيات وأخذ ذلك الطابع السجــالي بين المتحدث والإدارة. وهذا إشكالٌ في لقاءاتنا نحن الجزائريين عادة، ينحرف النقاش إلى الأمور الشخصية ويصير ثنائيا ومركزا على إشكال بسيط يتعلق بشخص أو مجموعة أشخاص.

إن الأولى بالطرح هو الهموم المشتركة في مثل هذه اللقاءات، والجميل فيها هو الوصول إلى حلول ومقاربات حلول ممكنة.

سادسا: ما يؤلم حقا وفعلا هو اختفاء الطروح الخاصة بالمعضلات الحقيقية الحادة التي تعاني منها الجامعة كمؤسسة لصناعة النخَب وصناعة الوعي؛ إذ طغى خطابُ الحقوق والنقائص -وهي فعلا موجودة- على خطاب الواجب وما يقتضيه ذلك من بلورة مشاريع برامج لتجاوز المشكلات الحادة في: تحصيل الطلاب، وضعف مستوياتهم، وتدنّي اهتمامهم بالعلم، والسرقات العلمية (البلاجيا)، وضمور الطموح المعرفي والعلمي لديهم، إلا قلة قليلة للغاية، وهذا مؤذِنٌ بخراب كبير، وفراغ رهيب، ونقص حادّ في أهل الكفاءة والاقتدار، في مستقبل جامعاتنا ووطننا .

سابعا: ما أحوج الجامعة، على الرغم من كل ظروفها وظروفنا، إلى أن تطمح أن تكون أملا يُشرق منه مستقبلُنا الزاهر، وفضاء معرفة يؤمّن الحدّ المناسب من العلماء وأهل المعرفة، في جميع التخصصات والحقول العلمية الإنسانية والتطبيقية. لم نسمع ـ للأسف ـ في هذا المجال أي صوت يتحدث بوضوح عن أن الأستاذ الجزائري قادرٌ على تأمين مستقبل البلد، بالرغم من ظروفه البائسة، وظروف عمله الأكثر بؤسا، ومرتّبه الأكثر إثارة للشفقة، وهنا نتحدث عن الغالبية، وربما هناك استثناءاتٌ لا نعلمها.

لم نسمع أيضا شيئا عن البحث العلمي والإنجازات العلمية والأبحاث المميزة، وما ينبغي أن تتطلع إليه أعناقُ هؤلاء الأساتذة والأستاذات وهم مفعمون بالأمل في غدٍ أكثر إشراقا وأملا وأمانا وازدهارا.

حقا إن الوضع بئيس والظروف والإكراهات كثيرة، ولكن ماذا عن هذه المجاميع الكبرى من الطلبة والطالبات وهم يتدافعون لأخذ ما يمكن من العلم والمعرفة، والمفترض أن يأخذوه بأفضل شكل وأنسب صيغة؟

قد يتساءل متسائل: كيف؟

والجواب: فلنبتكر.. فلنبدع.. فــلنجد طرقا غير عادية لتكوين هؤلاء الطلبة وتحفيزهم وإعدادهم للحياة.

إن الأكثر تضررا في الجامعات هم الطلبة والطالبات، على الرغم من وجود الكثير من السلبيات في أساليب تعلّمهم وطرائق اكتسابهم للمعرفة: الكسل، ضمور الفضول العلمي، كراهة الدراسة، كراهة الأساتذة أنفسهم، انطفاء الأمل في نفوسهم وقلوبهم بسبب الوضع العام وانسداد أفق العمل، الحيرة، الارتباك، عدم التحكُّم في أدوات المعرفة، الجهل بطرائق البحث، الاهتمامات السطحية التافهة، افتقاد المحفِّز، انطفاء الدافعية الذاتية…

لكن مع كل ذلك وجبَ على الأساتذة إيجاد طرق لإيصال المعرفة إلى عقولهم، وإيقاد جذوة الحياة في قلوبهم ونفوسهم .

إنها واجباتٌ كثيرة متنوعة تنتظر الأساتذة، كان يحسـُن الحديث عنها ولو بشكل عابر لبيان أنهم هنا في الميدان للعمل وإيجاد البدائل، وأداء الواجبات، ثم يأتي الحديث عن الحقوق المهضومة، والحديث عن الكرامة المهدَرة بعد ذلك.

إن المستقبل يكون أفضل دائما عندما نكون نحن في المستوى، وأما دون ذلك، والاتكاء على المطالب وانتظار تحقيق ما نريد فلن يكون.

فقط لا يفوتني أن أنوّه بالوافد الجديد على جامعتنا فقد أدار اللقاء بكفاءة وروح حيوية واقتدار وأبـان عن أنه مستمعٌ جيد، وملتقط ممتاز، فما من فكرة طُرحت إلا دوّنها وأجاب عنها بمهـارات تُحسبُ له. ويكفي أنه وصف الوضع بأنـه “أكثر من كارثي”، وذلك يحيل إلى مسألة تدبير الشأن الجامعي وتسيير المؤسسات الجامعية التي لا بد فيها من إدارة إنسانية نوعية ومميزة.

ولا بد فيها من قيادات مؤهَّلة منسجمة عارفة تحسـنُ “إدارة المعرفة”، وتدبير الشأن الجامعي.

السؤال الكبير الذي ينبغي طرحه بقوة وصراحة، بعد استماعنا لانشغالات الكتلة الجامعية في واحدة من أعرق وأكبر الجامعات في الوطن هو: أين الخلل، وكيف يمكن تجاوزُه؟ وينسحب هذا على مجمل جامعـاتنا.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • يوغرطة

    العبثية والارتجال وسوء التسيير الذي تعاني منه بلادنا وشعبنا منذ الاستقلال بسبب حكومات فاشلة عاجزة متخبطة انعكس علي جميع القطاعات انه مرض عضال اصبنا به ولا زنا نعاني منه . ولا احد من المفكرين او المسؤولين وجد حلا للمعضلة والمشكلة اطلاقا ولا حتي فكر فيها . كان الله معك يا جزائرنا