-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
نسمات رمضان

فأنّى يُستجاب له!

سلطان بركاني
  • 800
  • 1
فأنّى يُستجاب له!
أرشيف

لماذا ندعو فلا يستجاب لنا؟ سؤال ملحّ يطرحه كثير منّا خاصّة في مثل هذه الأيام، أيام العشر الأواخر من رمضان، حيث تلهج الألسن بالدّعاء في بيوت الله، في صلاة التراويح وفي ثلث الليل الأخير في صلاة التهجّد، وتسيل دمعات كثير من المصلّين على الخدود، ونرى في بيت الله الحرام الأئمة يطيلون الدّعاء، ويدعون للأمّة وللمسلمين، منذ سنوات، لكنّ حال الأمّة لا يزداد إلا سوءًا، وغربة الدّين بين أهله تزداد عاما بعد عام.
ربّما لا يكون من الإنصاف أن نقول بأنّ كلّ الأدعية التي نرفعها إلى الله لا تُجاب؛ فهناك عبادٌ لله مسلمون بلغوا ما أرادوا ووجدوا من ربّهم الحنّان ما أمّلوا، ولعلّ الله يحفظ الأمّة من أن تستباح بيضتها بدعوات أمثال هؤلاء، لكنّنا لو قارنا ما ندعو به، مع ما نعيشه في واقعنا، فإنّنا ولا شكّ سنرى أنّ أكثر أدعيتنا وأدعية أكثرنا لا تجاب. فلماذا؟
مولانا وخالقنا سبحانه حنّان منّان، جواد كريم، يستحيي إذا رفع عبده يديه أن يردّهما خائبتين، وقد وعدنا ضمن آيات الصّيام أن يُجيب دعواتنا، فقال: ((وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُون)) (البقرة، 186)، لكنّه –جلّ شأنه- يمنع عنّا سُؤْلَنا، ويؤخّر إجابة دعواتنا التي نمزجها في ليالي العشر بدموعنا، لأنّه يريدنا أن نراجع أحوالنا ونتلمّس الخلل في حياتنا، ونبحث عن موانع إجابة الدّعاء في قلوبنا وأحوالنا وأفعالنا.
لعلّ من أجلى وأبين موانع إجابة الدّعاء التي لا يكاد يسلم منها أحد في زماننا هذا، ضياع الغيرة على حدود الله وترك واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ يقول النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: “والذي نفسي بيده لتأمرنّ بالمعروف، ولتنهونّ عن المنكر، أو ليوشكنّ أن يبعث عليكم عذاباً منه، ثم تدعونه، فلا يستجيب لكم” (رواه الترمذي)؛ فلا نستغرب بعد هذا أن نرى أئمّة المسجد الحرام يطيلون الدّعاء في صلاة القيام، كلّ ليلة من رمضان، في أقدس وأطهر بقعة بجوار الكعبة المشرّفة، ويجأرون بنصرة الإسلام والمسلمين وإهلاك الأعداء المحاربين، لكنّ البلاء على المسلمين يزداد عاما بعد عام، لماذا؟ لأنّ هناك منكرات عظيمة في أمّة الإسلام لا ينكرها أولئك الأئمّة، بل ربّما يدعون لمقترفيها بأفضل الدّعوات ويغدقون عليهم بأفضل الممادح! وما يقال عن المسجد الحرام يقال عن أكثر مساجد المسلمين، ويقال أيضا عن واقع أكثر المسلمين الذين أصبح الواحد منهم لا ينبس ببنت شفة أمام المنكرات التي يراها ليل نهار وفي كلّ مكان، بل ولا ينكر كثير من المسلمين المنكرات التي يرونها في بيوتهم، من متابعة الأغاني والفيديو كليبات والعكوف على المسلسلات وصدود الأبناء وغفلة الزّوجات وتبرّج البنات.
ومِن موانع إجابة الدّعاء التي تلبّست بها الأمّة، كذلك، الإصرار على أكل الحرام وخلط الحلال بالحرام، وهو المانع الذي تهاون فيه كثير من المسلمين، وبينهم من يحرصون غاية الحرص على حضور الصّلوات الخمس في المساجد، وعلى صلاة التّراويح والتهجّد، ويعجبهم أن يسمعوا من الأئمّة أدعية تستدرّ دموعهم، لكنّهم في معاملاتهم لا يتورّعون عن أخذ وإعطاء الحرام. المهمّ بالنّسبة إليهم أن يحقّقوا وافر الأرباح في أقصر الأوقات، ويكدّسوا الملايين وربّما الملايير، وإذا ما سمع الواحد منهم كلمة أو موعظة في الحلال والحرام، أطرق إطراق ساهٍ وظنّ أنّ الكلام لا يعنيه! وكيف يعنيه، وهو الذي لا تفوته تكبيرة الإحرام في المسجد!.. الحرص على الصّلاة واجب على كلّ مسلم، وهو عمل صالح يُشكر ويحمد من يحافظ عليه، لكنّه وحده لا يُنجي العبد المؤمن، ولا يجعل دعاءه مجابا، يقول النبيّ عليه الصّلاة والسّلام: “أيها الناس! إنَّ الله طيّب لا يقبل إلاّ طيبًا، وإنّ الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال: ((يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيم)) (المؤمنون، :51)، وقال: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُم)) (البقرة، 172)، ثمّ ذكر الرّجل يطيل السّفر أشعثَ أغبرَ، يمدُّ يدَيه إلى السماء يا ربِّ يا ربِّ! ومطعمُه حرامٌ، ومشربُه حرامٌ، وملبسُه حرامٌ، وغُذِيَ بالحرامِ، فأنَّى يُستجابُ لذلك” (رواهمسلم).
ومن موانع الإجابة التي تلبّس بها كثير من المسلمين، أيضا، الإصرار على المعاصي وتأخير التّوبة منها، يقول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “بالورع عمَّا حرّم الله يقبل الله الدّعاء والتسبيح”، ويقول أحد السلف: “لا تستبطئ الإجابة، وقد سددت طرقها بالمعاصي”، ويقول ابن القيم رحمه الله: “وكذلك الدعاء، فإنه من أقوى الأسباب في دفع المكروه، وحصول المطلوب، ولكن قد يتخلف أثره عنه، إما لضعفه في نفسه؛ بأن يكون دعاءً لا يحبه الله، لما فيه من العدوان، وإما لضعف القلب وعدم إقباله على الله وجمعيته عليه وقت الدعاء، فيكون بمنزلة القوس الرخو جداً، فإنّ السهم يخرج منه خروجاً ضعيفاً، وإمّا لحصول المانع من الإجابة؛ من أكل الحرام، والظلم، ورَيْن الذنوب على القلوب، واستيلاء الغفلة والشهوة واللهو، وَغَلَبَتِهَا عَلَيْهَا”. ويقول الشّاعر:
نحن ندعو الإله في كل كربٍ * ثمّ ننساه عند كشف الكروب
كيف نرجو إجابةً لدعاءٍ * قد سددنا طريقها بالذنوب.
الذّنوب التي تحول دون إجابة الدّعاء، هي الذّنوب التي يبقى صاحبها مصرّا عليها، يرفض التّوبة منها، أو يؤجّل التّوبة اتّباعا لهواه، أمّا الذّنوب التي يتوب منها العبد، فإنّها لا تمنع إجابة الدّعاء، بل إنّ التّوبة الصّادقة، ولو تكرّرت من الذّنب الواحد، من أسباب إجابة الدّعاء.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • جزائري

    جزاك الله خيرا