-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

قصتي مع… ديوان المطبوعات الجامعية

قصتي مع… ديوان المطبوعات الجامعية

قبل بضعة أسابيع، أرسل أحد المؤلفين الجامعيين برقية إلى 279 شخصا كلّهم أو جلّهم من فئة الكتاب الذين صدرت لهم مؤلفات في ديوان المطبوعات الجامعية. وكان هذا الأستاذ يشكو حاله من تصرفات الديوان، من الناحيتين المعنوية والمادية في باب دفع حقوق المؤلف. ومنذ ذلك اليوم، وهؤلاء المؤلفون يتبادلون البرقيات، وكلهم يشتكون من نفس الظاهرة. وقبل أزيد من شهر كان الديوان قد هاتفني ليطلعني على قراراته الجديدة إزاء الكتّاب فاستهجنتها ووعدته –غاضبًا- بالكتابة لكشف ما آلت إليه وضعية الديوان. وها أنا أكتب!

قبل الاحتكاك بالديوان

كان من حظي أن أرغمني المرحوم والدي على التسجيل خلال العهد الاستعماري في مدرسة بن باديس الحرة والمدرسة الفرنسية في آن واحد. وبُعيْد الاستقلال التحقت بثانوية عمارة رشيد، وكان قبولي فيها مرهونا باختبار واحد، وهو ترجمة نص من الفرنسية إلى العربية! وفي صيف 1969 نظمت الجزائر “أول مهرجان إفريقي” شارك فيه العديد من الكتاب الأفارقة بمحاضرات كان لا بد من تعريبها. وقد وفّقت في اجتياز اختبار الترجمة الذي أجراه لي المرحوم محمد الميلي، مدير أسبوعية المجاهد. وبعد ذلك وضعني تحت تصرف المرحوم الأديب أبو العيد دودو المشرف على مجلة المجاهد الثقافي التي كلّفت بنشر المقالات المترجمة. ثم في فرنسا، وأنا طالب، طلب مني المشرف الفرنسي على أطروحتي تعريب أحد مطبوعاته في الرياضيات. تلك كانت محطات احتكاكي بالترجمة قبل الاحتكاك بديوان المطبوعات.

ديوان المطبوعات وفضيحة 1988

في منتصف السبعينيات تأسس ديوان المطبوعات الجامعية، وكان يبحث عن مؤلفين ومترجمين سيما بعد فتح الأقسام العلمية المعربة في الجامعة. وهكذا دعاني الأستاذ محمد الطيب سعداني، مدير الدراسات بالمدرسة العليا في القبة -حيث كنت أدرّس- إلى الاتصال بالديوان عام 1977 لأنه يطلب مترجمين. وذلك ما فعلت، فتم تكليفي بترجمة كتاب فرنسي ضخم في الرياضيات.
وكانت العلاقات مع طاقم الديوان آنذاك ممتازة في كل النواحي. وكلما انتهي من ترجمة كتاب يكلفني الديوان بترجمة كتاب آخر حتى بلغ عدد الكتب الرياضية الجامعية التي ترجمتها للديوان 14 كتابا، منها واحد يتجاوز عدد صفحاته 550 صفحة، ضاع مخطوط ترجمته ولم يصدر لحد اليوم! وفي عام 1988، حدث أمر غريب بعد أن كلفني الديوان بترجمة كتاب في الرياضيات لأحد الجزائريين كان موظفًا ساميًا في رئاسة الجمهورية. وقد صدرت الترجمة في صيف ذلك العام، ونشرت صحفيّة عرضا مطولا له في بجريدة المساء.
فلفت انتباهي تعمّد صاحبة العرض عدم الإشارة إلى أن الأمر يتعلق بترجمة كتاب لم يؤلفه صاحبه بالعربية… والعرض كله كان إشادة بالكاتب قبل الكتاب. ثم إن غلاف الكتاب الوارد في العرض لا يحمل اسم المترجم، خلافًا لما تنصّ عليه مادة من مواد العقد الذي يوقعّه كل مترجم مع الديوان، والذي يجبر المترجم على ذكر اسمه ومؤسسته على الغلاف تحت عنوان الكتاب. والقصة طويلة لا يسع المكان لسرد تفاصيلها، وهي قصة يندى لها جبين مؤلف الكتاب وجُبُنُ مسؤولي الديوان.
فقد توالت التوضيحات والملاسنات والاتهامات والتهديدات على صفحات الجريدة خلال شهر كامل بين الديوان والمؤلف والصحفيّة. وفي الردّ الكتابي الأخير للديوان، اعترف مديره بأن المؤلف هددهم –مستغلا منصبه في رئاسة الجمهورية- فنفذوا أوامره، واضطروا إلى اختراق العقد المبرم بين الديوان والمترجم، وشكر الديوان المترجم على تفانيه في التعاون مع الديوان، وطلب من المؤلف إيقاف الملاسنات والتهجمات وإلاّ…
وبطبيعة الحال، كانت قضية مخزية لازالت آثارها قائمة لحد الساعة : كيف يقْدم الديوان على اختراق القانون وهضم حقّ المترجم تلبية لنزوات أحد المتسلطين؟ ولذا توقفتُ عن الترجمة مع الديوان، ولم يعد يهمّني سوء سلوكات هذا المؤلف.

وفي عام 1998…

وخلال تلك الفترة كان الديوان قد نشر لي 8 مؤلفات في الرياضيات جلّها أنجزت مع الزملاء، وكان تعامل الديوان لا شيّة فيه، سوى أنه كان لا يرى حاجة إلى إعادة نشر ما نفد من الطبعات! وفي عام 1998، قدّمت للديوان كتيّبا من 70 صفحة حول الإنشاءات الهندسية، ويتضمن أيضا آراء لعلماء الرياضيات في العالم يكشفون فيها عن استغلال السياسيين الرأسماليين والاشتراكيين لهذا العلم، ماضيًا وحاضرًا.
غير أن الديوان تلكأ في إصداره، وكان يماطل دون سبب ظاهري حتى فاجأني مدير النشر آنذاك، بعد مضي فترة طويلة، بالسؤال : “هل يمكنك تغيير العنوان… فنحن لا نرى علاقة بين الرياضيات والسياسة”! عندئذ أدركت أن الديوان متخوّف من المضمون. فغيّرت العنوان دون أي تغيير في المحتوى، وسحب الديوان من الكتيب 800 نسخة لا أكثر، وبيع بثمن باهظ. اقتنعت في ذلك الوقت أن العملية كانوا يقصدون من ورائها غلق باب بيع هذا الكتيب، الذي لم يُعد طبعه. وصار الكثير يتصلون بي لاستنساخ هذا الكتاب عند الناسخين، فكنت ولا زلت أعير للسائل نسخة منه بدون تردد لاستنساخه.
ولذلك فضّلت، خلال القرن الحالي، التعامل مع دور نشر أخرى، لكنها لم تكن أفضل من ديوان المطبوعات. ولم أعرض على الديوان حتى عام 2013 سوى معجم في الرياضيات ثلاثي اللغات، أُخرِج بخطأ إملائي في العنوان لم يُصوّب إلا في الطبعة الثانية!

وفي عام 2018 …

وفي سبتمبر 2018 سلمت مخطوط كتاب في تاريخ الرياضيات مصفّفًا بإتقان وفق الأبعاد والمقاييس التي يخرج بها الديوان كتبه. بمعنى أن الكتاب كان جاهزا للسحب كما هو. وهكذا اتفقنا على أن يصدر الكتاب بعد 3 أشهر. لكن ما حدث هو أن مصالح الديوان راحت تعبث في الكتاب، ثم ترسل لي النسخة الجديدة للتصحيح 4 مرات متوالية خلال السنتين 2019-2020! وفي النهاية أمضيت ما يسمى بـ “الإذن بالسحب”.
غير أن سيدة من الديوان هاتفتني في منصف فيفري الماضي لتقول إن المؤسسة قررت أن يشارك الكاتب ماديًا في طبع مؤلفه، مضيفة أن هذا القرار يسري على كتابي هذا. فأجبت أني أسحب منكم هذا الكتاب رسميا لأنه من غير المعقول أن أنتظر سنتين ونصف، ثم تفاجئوني بهذا القرار الصادر اليوم! وعندما أكدت كتابيا قراري بسحب الكتاب عبر برقية إلكترونية، أجابني الديوان ببرقية كان نصّها “Bien reçu” بدون أي توقيع!
خلاصة القول إن ديوان المطبوعات الجامعية عرف ثلاث مراحل : المرحلة الذهبية التي امتدت حتى نهاية الثمانينيات، ثم جاءت مرحلة تحلّل بطيء دامت نحو ربع قرن. والآن أدرك الديوان مرحلة الاحتضار. فلعل وزارة التعليم العالي تستفيق وتنقذ هذه المؤسسة التي كانت خلال عهدها الذهبي الداعم الرئيسي للجامعة الجزائرية وطلبتها وأساتذتها.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
9
  • هشام صاحب الزعيم...

    أستاذنا أبوبكر هو أفضل من ترجم الرياضيات من الفرنسية إلى العربية ومن أجود ما ترجم كتاب: التحليل الدالي لكلموقوروف Analyse Fonctionnelle .
    آه لو تعود أيام قراءة كتب ديوان المطبوعات الجامعية حين كان الطلاب يقرؤونها بتلهف قبل أن يأتي معول الهاتف النقال الغشاش الذي هدم كل شيء وأطاح بمستوى التعليم إلى الحضيض !

  • samira brahim

    في بلدي المنتج يهمش ويهان

  • وردة

    اكتب واطبع وهل الشعب يقرا؟

  • kabir hacina

    أين المطبوعات الخاصة المستقلة.

  • جزائري عابر سبيل

    تحية عطرة لأستاذنا الفاضل ... و بارك الله فيك على هذا التنبيه و التنويـــه. و أتمنى أن تتفطن و تستجيب الوزارة الوصية، وتنقذ تلك المؤسسة العتيدة التي طالما خدمت العلم في الجزائر.

  • Ahmed

    دليل آخر على انه بجب ان: يتنحاو ڨاع.

  • زرزايحي الطاهر

    السلام عليكم
    اعلم بحكم التخصص انك من الاواءىل الذين اهتموا بترجمة المؤلفات في الرياضيات الى العربية و هذا في وقت كانت فيه الارادة السياسية
    متوفرة من اجل دعم وتنشيط حركية التعريب. لا أدري هل بقي شيء من هذه الارادة في تعميم اللغة العربية حيث ان نظام LMD يكاد يكون مرادفا للفرنسية كلغة تدريس في المواد علمية. تحياتي

  • Samir Bekkara

    لا يسعني إلا أن أقول لا حول و لا قوة إلا بالله.
    هذه جرائم لا ينبغي السكوت عنها مطلقا

  • استاذ

    الجزائر للأسف لا تدعم الكتاب العلمي الجامعي
    والخواص يرفضون طبع الكتاب الجامعي لمحدودية قرائه و الدولة لا تدعمه !!!
    لدينا الاف الاساتذة القدامى يريدون كتابة خبراتهم و تأليفها في شتى التخصصات لكن ديوان المطبوعات الجامعية لا يفي الغرض لمحدودية امكاناته والخواض يرفضون لانعدام الربح
    اذن الحل في دعمه من طرف الدولة