-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

كورونا وتراجع أسعار النفط في الجزائر

حاتم غندير
  • 1708
  • 5
كورونا وتراجع أسعار النفط في الجزائر
ح.م

بات واضحا دون لبس أن عاملين خطيرين لم يكونا في الحسبان سيتركان آثارا وخيمة على الاقتصاد الوطني: فيروس كورونا وانهيار أسعار النفط، الأول أي الفيروس سيشل الكثير من القطاعات ويلحق خسائر مباشرة بقطاع الأعمال والشركات، وتراجع أسعار النفط سيجعل الأمور تزداد سوءا على مستوى الاقتصاد الكلي، ناهيك عن عجز الموازنة على تحمل تداعيات الفيروس الاقتصادية على قطاع الأعمال..

اختباران حقيقيان فرضا نفسيهما على الحكومة التي لم يمضي على تشكيلها سوى بضعة أسابيع، الاختبار الأول سيمتحن قدرتها على وقف الانتشار السريع لفيروس كورونا COVID-19حفاظا على أرواح المواطنين وخوفا من تداعيات تفشيه الذي سيلقي بظلال كثيفة على المنظومة الصحية في البلاد، والتي لا يبدو – بإمكاناتها المادية والبشرية – قادرة على القيام بما يلزم لعلاج الحالات الطارئة، وهو الامتحان الذي فشلت فيه دول أوروبية وحتى الولايات المتحدة التي كانت تفتخر إلى وقت قريب بجودة نظام الرعاية الصحية لديها..

وليس المجال هنا لتقييم سرعة التحرك الحكومي وأداء الجهاز ومؤسساته التابعة، إذ ما يزال الوقت مبكرا على ذلك، كما أن الموضوعية تستلزم مقارنة النتائج مع المقدمات ليس من أجل جلد الذات، وإنما لدراسة التجربة بما لها وما عليها، وهذا طبعا بعيدا عن أي استغلال سياسي للظرف الاستثنائي إن على مستوى الفيروس المستجد الذي لا يعرف له علاج أو مصل بعد، أو على الحكومة المستجدة أيضا التي أفرزها خيار الانتقال الذي تعبأ له الشارع الجزائري منذ 22 فيفري الماضي، ثم انقسم الشارع حيال كيفية وأولوية الانتقال بين مؤيد ومعارض للمسار الانتخابي.

الشرعية الوحيدة التي يؤمن بها الناس في كل مكان وزمان، ويبررون بها وجود السلطة – بغض النظر عن طبيعة نظام الحكم – هي شرعية الإنجاز، لأنها الوحيدة القادرة على تشكيل قناعة راسخة حيال قدرة الحاكم في الاستجابة لتحقيق تطلعات الناس. ولطالما كان نظام الحكم في الجزائر منذ الاستقلال منكفئ على شرعية واحدة هي الشرعية التاريخية أي الثورية، وفي أحسن الأحوال الشرعية الكاريزمية في عهد بومدين، ما يعني أنّ التجربة الجزائرية ما زالت أسيرة المرحلة الكاريزمية، المشبعة بالروح التقليدية الثورية، في ظل العجز عن الانتقال إلى شرعية الإنجاز!

ما عبر عنه الحراك الشعبي طيلة أكثر من عام هو رفض الحكم المطلق، وحكم الشرعيات المزيفة تحت غطاء الوطنية والتي لا تستند إلى الشارع اختيارا واهتماما، وعلى اعتبار أن نظام الحكم الذي أفرزته الانتخابات الحالية جاء نتيجة هذا الحراك الشعبي، فإن مسألة شرعية الإنجاز هو التحدي الأكبر الذي سيواجه هذا النظام، وهنا مسألة الإنجاز تصبح واسعة وشاملة لبناء ” الجمهورية الجديدة” كما وعد الرئيس عبد المجيد تبون، أي التخلص من ممارسات النظام السابق وبناء نظام وطني ديمقراطي أولويته القصوى رضا الشارع.

لكن هل هذا ممكن اليوم، مع تزايد التحديات التي يفرضها تفشي انتشار فيروز كورونا، وتراجع مداخيل أهم مورد للاقتصاد الوطني، المتمثل في المحروقات؟؟

ببساطة وعلى مدى ستة عقود اعتمد نظام الحكم في الجزائر قام على ركيزتين أو شرعيتين اثنتين: الشرعية الثورية وشرعية ” حاسي مسعود” أي الثروة النفطية من بترول وغاز، لنصل في النهاية إلى بناء دولة ريعية، يشكل دخل النفط والغاز فيها 60% من ميزانية البلاد، و94% من القيمة الإجمالية للصادرات.

ولعل من أخطر إفرازات الدولة الريعية في الجزائر:

– قتل المبادرة وأضعف روح الإنتاج لدى المجتمع والمؤسسات

– بيئة حاضنة لمختلف أنواع الفساد الاقتصادي والسياسي

– تشجيع الروح الاتكالية على حساب العمل

– إضعاف معايير المحاسبة والشفافية والمساءلة

– هدر حقوق الأجيال المقبلة من حقهم في الثروات الطبيعية

– عدم استقرار النظام الاقتصادي والسياسي المتعلق بأسعار النفط

– استبعاد الكفاءات الوطنية لصالح الولاءات لنظام الحكم

وهو ما تجلى في مرحلة حكم الرئيس المخلوع عبد العزيز بوتفليقة أين اجتمعت كل آفات الدولة الريعية المغلفة بكم الفرد والمجموعة، فتم تبديد مئات مليارات من الدولارات في عز ارتفاع أسعار النفط، وبدل تعزيز القدرات الإنتاجية للبلاد لإنتاج الثروة الحقيقية، انشغل النظام بمسألة توزيع الريع، وعبر وظائف غير قارة للشباب أو توفير مساكن أو إعانات هنا أو هناك.

لكن تراجع أسعار النفط في عام 2014 كشف ضعف الدولة الريعية وعدم قدرتها على الاستمرار بالكيفية نفسها، وأكدت تلك الأزمة فرضية معلومة، وهي وجود علاقة طردية بين الارتفاع النسبي للعائدات الريعية في الجزائر من ناحية وتدني مستوى الأداء الاقتصادي من ناحية أخرى..

الحكومة الحالية وبسب تداعيات فيروس كرونا وتراجع أسعار النفط التي فقدت نحو 60 % من قيمتها منذ بداية العام الحالي، ستكون في وضعية صعبة لم يشهدها أي نظام سياسي في الجزائر باستثناء فترة تسعينات القرن الماضي، أين وجدت الدولة نفسها أمام تحدي أمني كبير استنزف الكثير من الدماء والموارد أيضا، فضلا عن تحدي أسعار النفط التي كانت لفترات عند مستوى عشر دولارات للبرميل، فضلا عن تداعي الكثير من المؤسسات والشركات الوطنية تحت غطاء ” برنامج التصحيح الهيكلي” الذي تبنته الحكومة بطلب من صندوق النقد الدولي، وهو ما أفرز أزمة اجتماعية كبيرة بعد تسريح مئات آلاف العمال على المستوى الوطني.

من البديهي، أنه كلما طالت مدة استمرار انتشار فيروس كرونا سيكون هذا مكلفا على الاقتصاد الوطني الذي سيواجه حجم انفاق ضخم إن على مستوى الوقاية أو العلاج ودعم المستشفيات والمنظومة الصحية، والأخطر أيضا على مستوى قطاع الأعمال العام والخاص، إذا ستضطر أعداد كبيرة من الشركات الصغيرة والمتوسطة، والأعمال الحرة أن تعلن إفلاسها لضعف مناعتها على مقاومة الخسائر الكبيرة بسبب الإغلاق التام أو الجزئي، ومن ثم تزايد معلات البطالة وتراجع الإنفاق، في الوقت الذي ستحتاج فيه السياسة الاقتصادية على المستوى الكلي دعم النمو عبر برامج مالية ضخمة.

وحتى قبل اتضاح الرؤية بشكل كاف، فإن الحكومة مدعوة للتصرف على أساس أسوء السيناريوهات، وهو أن يستمر الوضع هكذا بضعة شهور، هنا سنكون أمام ظاهرة نادرة في الاقتصاد وهي الركود – التضخمي Staginflation أي حالة مركبة من الركود والتضخم معا وهي نادرة الحدوث أن يجتمعا معا .. فعلى النقيض من حالات الركود المدفوعة في الأساس بنقص الطلب، فإن التحدي الذي يفرضه الاتجاه الهبوطي في الاقتصاد سيكون أيضا بنقص العرض الناجم عن هبوط حاد في الإنتاج، ما يعني ارتفاع معدلات التضخم وغلاء الأسعار، وهو ما يستدعي تدخلا حكوميا عبر برامج تحفيز الإنتاج والاستهلاك لإبقاء عجلة الاقتصاد تدور في الحدود التي تمكنها من تقليص فترة الركود إلى أقل مدة ممكنة.

سيكون على الحكومة أن تقوم بدور الأداة الرافعة للاقتصاد، لكن لن يكون هذا ممكن نظريا في ظل فقدان قوة الرافعة ذاتها وهي أسعار النفط المتدنية، ما يعني أنها مجبرة على البحث عن أدوات غير تقليدية لتوفير السيولة والتمويل اللازم لتحفيز الاقتصاد، وسيكون الوضع أسوء لو اتجهت ثانية لصندوق النقد الدولي ونصائحه لفرض وصفته المعروفة والمجربة في الجزائر والتي ستعيد سحق الطبقات الضعيفة في المجتمع دون هوادة!

بقدر ما تشكل الضربة المزدوجة للاقتصاد الجزائري بفعل فيروس كورونا وتهاوي أسعار النفط محنة للحكومة الحالية التي لم يمض على تشكيلها سوى ثلاثة أشهر، بقدر ما يشكل منحة لها وللنظام السياسي في البلاد، للقطيعة مع الماضي فكرا وسلوكا، والتخلص من الدولة الريعية وإلى الأبد من خلال برامج انتقال حقيقي نحو اقتصاد حر وشفاف وحديث يستفيد من كل قدرات البلاد الأخرى غير النفطية المادية والبشرية في الداخل والخارج، برنامج ينطلق الآن وبسرعة، ويضع في الوقت نفسه مخططا تنمويا متدرجا للجزائر لثلاثة عقود مقبلة ويرسم صورتها في آفاق 2050 .. وعدا ذلك وفي غياب رؤية واضحة وإرادة حقيقية للتغيير، سيعيد النظام السياسي الجديد إنتاج أفكار و أدوات النظام السابق وبالتالي نحصل لا قدر الله على النتائج ذاتها!

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
5
  • أم كلثوم باهي

    شكرا جزيلا أستاذ علي هاته المعلومات

  • شكري السياسي

    شكرا جزيلا على هذا الإطراب و إعلامنا بهاته المعلومات و لكن في نفس الوقت فيروس كورونا خطير للغاية البعض يرجح إمكانية أنه إنذار رباني و لكن في زماننا هذا و في هاته الشوارع و الأزقة التي تحتوي على المجرمين و العديد من الناس المنتحلين لشخصيات الحساسة في الدولة منها الشرطة و الأمن و يستعملون كل شيء متاح لتدمير قوانين الدولة يمكن أن أصارحك أيها السياسي أ،ه هذا الأمر يعود على الدولة بالسلبية من خلال سكوت الكل عن طلبهم حقوقهم على سييل المثال تجد شرذمة محتاجة لسيجارة أو كاس قهوة تلعب الرجلة على أناس و هي لا تستطيح حتى الدفاع عن نفسها . إنه يتطلب التهجم و قول الحق هناك حقائق منذ 1990 و هي تكرر دون حل

  • TITANIC

    كورونا وتراجع أسعار النفط في الجزائر ... النفط اذا تراجعت أسعاره اليوم قد تعود الا الارتفاع غدا وهذا هو ما تعود عليه العالم منذ عشرات السنين لكن متى تتراجع وتيرة الجهل في عقولنا . هذه الوتيرة التي تعيش في منحنى تصاعدي للأسف ومنذ الاستقلال

  • جمال الجزائري

    خلاصة الامر ان القضيه ليست قضية اسعار نفط بقدر ماهي قضية تسيير و ادارة الاقتصاد..بعض المسؤولين كان فسادهم و سوء ادارتهم يصلان الى مستوى الخيانه العظمى...اذا لم نراجع آلية تحرير التصدير و الاستيراد و نقضي على احتكار السوق.. و اذا لم نطور شركات الطيران و النقل و لم ندعم الشركات المتوسطه و الصغيره في مجال الزراعه و التصنيع ..و لم نحرر و نطور قطاع السياحه و ندعم و نشجع الافكار و الابتكار و التعليم ..سنواجه مشكلا كبيرا خاصة في ظل البطئ و بيرقراطيه الاداره في اتخاذ القرارات .

  • franchise

    أوجه الشّبه بين الظّروف و الأخطار التي نواجهها اليوم ، مع العشرية السّوداء كثيرة و تكاد أن تكون متطابقة، لاحظوا:
    1- شهدنا خروج الشّعب إلى الشّارع إستياءًا من التّسيير الفاشل و العفن للحكّام (5 أكتوبر = 22فبراير)
    2- خطر جديد يهدّد البلد شعبًا و دولة (كورونا = الإرهاب)
    3-تهاوي أسعار البترول في كلتا الحالتين
    4- عالم يشهد صراع و تحوّل جذري في موازين القوى (نهاية الحرب الباردة و صقوط المعسكر الشرقي = صعود آسيا و تراجع الغرب خاصة أوربا)
    5- الجزائر تجد نفسها وحيدة في رفع هذه التحدّيات في كلتا الحالتين، مع إحتمال إستغلال فرنسا هذا الوضع لزعزعة قيمنا و مبادىءنا التي تبغضها