-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

كورونا ونظرية المؤامرة

كورونا ونظرية المؤامرة
ح.م

يمكن تصنيف وباء كورونا الذي ضرب كل أنحاء المعمورة كأهم وباء وأزمة شهدها العصر الحديث، وذلك للأسباب الظاهرة التالية:

– عالمية هذا الوباء الذي ضرب حتى اللحظة أكثر من 206 دولة موزعة على القارات الخمس.

– الأعداد الهائلة للإصابات المتزايدة أضعافا كثيرة.

– الأعداد الكبيرة المتزايدة للوفيات أيضا.

– تداعيات هذا الوباء الاقتصادية والمالية والسياسية والاقتصادية.

– عجز البشرية وبكل ما تملكه من إمكانات مادية وبشرية من إيجاد المصل المعالِج حتى هذه اللحظة.

– الإغلاق الكامل للعالم في سابقةٍ لم تحدث من قبل.

– دخول ثلثي البشرية في حجر منزلي مشدد، وهذا هو الآخر لم يحدث من قبل وفي أعتى وأشرس وأخطر الأزمات والحروب والأوبئة التي مرت على العالم سابقا.

– إصابته الكبيرة وتأثيراته العميقة على الدول المتطورة بشكل كبير، والتي عجزت بإمكاناتها الكبيرة على احتواء هذا المرض والوباء على خلاف الأوبئة التي شهدتها البشرية سابقا التي مسَّت حصرا وبالدرجة الأولى الدول والمجتمعات والأماكن الفقيرة التي تفتقد للهياكل والبنيات القاعدية المتطورة.

غير أن الملاحظة الجديرة بالاهتمام هي أن هذا الوباء أثار الكثير من الجدل والنقاش والتحاليل والإشاعات التي صاحبت ظهوره ورافقت سرعة تزايده وفتكه بالأرواح والأرزاق على السواء وعلى كل المستويات، سواء بين النخب أو في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي وحتى في تصريحات الساسة والحكام حول طبيعة هذا الوباء وماهيته وخلفياته وأسباب تفشيه ومظاهر قوته وفتكه، بالإضافة إلى الاستشرافات حوله والمدة الزمنية المتوقع أن يستغرقها.

ويمكن تصنيف الآراء والتوجُّهات التي تناولت هذا الوباء وزاوية النظر إليه إلى الأصناف الثلاثة التالية:

– صنف تعامل مع هذا الوباء بطريقة تقنية بحتة خالية من أي خلفية، لكونه مرضا ووباء وفيروسا كباقي الفيروسات والأمراض التي ضربت البشرية سابقا له مسبباته وأسبابه، وبالتالي له نتائجه وآثاره السلبية والوخيمة والمؤلمة أيضا، وقد ذهب إلى هذا الطرح الكثيرُ من أهل التخصص والنخب باختلاف توجهاتها وأن التهويل والتضخيم والمبالغة في كون هذا الوباء له طابع إيديولوجي وسياسي هو أمرٌ مبالغ فيه وعار عن الصحة ويفنِّده نظام السببية، فلا يعقل -حسب دعاة هذه القناعة- أن نشكك في كل ظاهرة بأنها مفتعلة ومصطنعة وتندرج ضمن نظرية المؤامرة، وبدل النقاش حولها تحت هذا المسمى غير الواقعي وجب اغتنام الجهد والوقت والإمكانات في إيجاد السبل للقضاء عليها والحدِّ السريع والعاجل لتفشي تداعياتها وانتشارها.

– صنف ثان تعامل مع الموضوع بحذر شديد معتبرا بأن كل الشكوك واردة الوقوع، وبأن براءة هذا الوباء أو عكس ذلك أمرٌ سابق لأوانه، لأنه لا أدلة واضحة أو علمية دامغة على أن هذا الوباء مفتعل من خلال تسريب متعمَّد لتجارب كيميائية أو فيروسية أو مخبرية يُرجَّح أنها تسربت لتسبب كل هذا الهلع والخراب في الأرواح والخسائر في الأرزاق، لكن يُبقي دعاة هذا الطرح الباب مفتوحا للمستقبل لتتأكد العديد من الفرضيات الغامضة المطروحة حاليا وتتم في الوقت ذاته الإجابة على عديد الأسئلة المشروعة التي طرحت ولا تزال وستبقى حول حقيقة هذا الفيروس الفتاك والوباء القاتل والمدمر، فتصنيف الوباء في هذا الظرف الضاغط قد لا يوصل إلى الحقيقة كما يزعم أصحاب ودعاة هذا الطرح.

– الصنف الثالث والذي كانت توصيفاته للوباء ملفتة ومثيرة للجدل والنقاش على اعتبار أن هذا الفيروس ليس بريئا على الإطلاق، فقد عوَّدتنا القوى الكبرى والمتصارعة على هذا النوع من الألاعيب والممارسات لفرض واقع جديد وفق منطق: “إذا أردت أن تغير أمورا كبيرة وعميقة فافتعل لها أحداثا كبيرة وعميقة أيضا”، ففكرة “المؤامرة” حسب هذا الصنف واضحة وجلية فيما يتعلق بوباء كورونا مثيرين الأسئلة المهمة التالية:

– لماذا ظهر هذا الوباء وفي هذا التوقيت تحديدا؟

– لماذا اختلف عن غيره من الأوبئة السابقة في عالميته وسرعة انتشاره من جهة، وفي الخسائر الفادحة في الأرواح والأرزاق من جهة أخرى؟

– لماذا أصاب بالدرجة الأولى والقصوى الدول المنضوية تحت الرأسمالية الغربية وتحديدا أوروبا وأمريكا التي تصدرت الأرقام الأولى للوباء إصابات ووفيات على حد سواء؟

– لماذا تأخر الوصول إلى علاجٍ كل هذه المدة؟

– لماذا تعجز دولٌ متطورة جدا في الإمكانات الصحية والعلمية والتكنولوجية من مواجهته والحد من انتشاره؟

– لماذا الصين دون غيرها تنجح في الحد منه وإيقافه بل وتعرض مساعداتها للدول المنكوبة ونقل تجربتها للعالم في استعراض للقدرة والقوة والتحكم.

مهما تكن حجج كل صنف من الأصناف الثلاثة التي تناولت موضوع كورونا بالدراسة والتحليل والنقاش العام والخاص، فإنه وجب تقديم الملاحظات التالية في الإجابة على عنوان هذا النقاش المتمثل في وباء كورونا ونظرية المؤامرة:

– لا الصنف الذي وصفها بـ”المؤامرة” قدّم الأدلّة والبراهين التي تؤكد حقيقة على أنها كذلك، ولا الصنف الذي نفى عنها وصف المؤامرة قدّم هو الآخر الأدلة والحجج المقنعة سواء الأمنية أو الاستخباراتية أو العلمية على أنها ليست كذلك.

– تجدر الإشارة إلى أن شواهد العالم السابقة تؤكد في مجملها بألا شيء بريء في عالم اليوم أو الأمس وحتى المستقبل تحت قاعدة: “كل شيء ممكن في عالم السياسة والصراع على النفوذ” فأحداث 11 سبتمبر 2001 وتسريبات ويكيليكس وبنما تبين بأنها لم تكن بريئة على الإطلاق، وعليه فإثارة الأسئلة والشكوك حول وباء كورونا يبقى مشروعا ولا يمكن الطعن فيها على الإطلاق في انتظار التأكد واليقين.

– مهما تكن صوابية ما ذهب إليه كل صنف من الأصناف الثلاثة سالفةِ الطرح، يبقى أن الأمر المتفق عليه والذي أجمع عليه الكثير هو أن عالم ما قبل كورونا لن يكون نفسه هو عالم ما بعده على الإطلاق بدليل التغيرات التي بدأت تظهر على عديد المستويات والمجالات.

– مهما تكن أيضا حجية الأصناف الثلاثة المؤكد أن عالم اليوم وكورونا تحديدا أجَّج حروبا وزاد من اشتعالها لمعرفة حقيقة ما يحدث، هذه الحروب التي يمكن تلخيصها في العناوين التالية:

* الحرب الاستخباراتية والأمنية لمعرفة الحقيقة.

* الحرب العلمية للوصول إلى المصل المعالِج والمتاجرة به.

* الحرب المالية والاقتصادية للحد من الأزمة وتسيير مرحلة ما بعد كورونا.

* الحرب على السيادة العالمية بالمحافظة على توازنات ما قبل كورونا للمسيطرين (قوى الغرب) ومحاولات المنافسين للتموقع (قوى الشرق).

* الحرب الزمنية ومن يسيِّر الحروب الأربعة الأولى أولا.

– شواهد الأحداث العالمية وتاريخها دائما كانت تقوم على قاعدة: “إذا أردت أن تُحدث تغييرات كبيرة وعميقة فاخلق لها أحداثا كبيرة وعميقة أيضا”.

– عنصر الزمن كفيل في النهاية بكشف حيثيات وخلفيات هذا الوباء في مقبل الأسابيع أو الأشهر وحتى السنوات القليلة القادمة مثلما حدث مع أزمات وأحداث سابقة مرت بها البشرية.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
4
  • لزهر

    شكرا استاذ
    بالرجوع الى الوراء و تتبع الأحداث بالتسلسل نستطيع أن نقول بدأنا نسمع بالاسلحة البيولوجية التي تملكها العراق منذ أحداث 11 سبتمبر و قرر جورج بوش ضرب بغداد. من هنا بدأ الإنذار وبدأت التساؤلات عن نوعية هذه الجراثيم التي يمتلكها زدام حسين وبقيت في الاذهان ثم اختفت و هاهي تظهر من جديد لتظرب العالم باكمله.

  • نوار

    علينا ان نسلم إلى نظرية أخذ الطبيعة بالثار تجاه ما أفرطنا في الاستعمال من تلوثها إلى استغلال ثرواتها الطبيعية ، فاجبرتنا إلى المكوث في بيوتنا و ألزمتنا وقتا نفكر في أحوالنا و آخرتنا ، الله سبحانه و تعالى ينذرنا بما نصنعه غلط و اننا علينا ان نتفقد كيفية العيش بعد كرونا بأساليب أخرى و نغير نموذج تفكيرنا إلى الأبد إذا اردنا تفادي مثيلاتها في المستقبل

  • بن مداني عبد الحكيم

    رأي قد يكون خطئا من حقنا أن نبحث عن الأسباب في الأشياء ونفسر وذلك لايجاد العلاقات بين الأسباب ومسبباتها وأن نجد العلاج للسبب وأن نمنع ما يترتب عنه ولكن وقعنا في فخ فقدان الرضا عن الذات والحياة وحلاوة الأيمان في التسليم نحن نؤمن أن الله يعطي الرضا كما يعطي السخط أن الله يمنع الرضا كما يمنع السخط نحقق ذلك في حياتنا رضا وتسليم أصبحنا نستحي مغلوبين على أن نطهر ايماننا " نحقق الأيمان ونبحث عن الأسباب" نخاف من زوال وانمحاء ثقافة المسلم في الأزمات انطلق في الحياة طولا وعرضا ولكن مع ايمان

  • أ.د/ غضبان مبروك

    شكرا أستاذ بن عجمية على مقالتك ولكن اختلف معك في الرأي. فالاتجاهات الثلاثة المذكورة قدمت حججها ولكن هذهالحجج ليست في عمومها كافية وكثيرا منها يتصف بالعموم من جهة والغموضمنجهة ثانية. نعم الدول الكبرى تتسابق من أجل مستقبلها ونظريةمالتوس الغربيةليست برئية ولكنذالك لايكفي ولا يفي الموضوع حقه.
    لذا يستحسن عرض الحججووضعها في ميزان التحليل والمقارنةللوصول الى الاجابة التي يقل فيها الشك ويرجح اليقين.