محرقة!
يريد القائد أن يحوّل الجماهيرية إلى محرقة، تماما مثلما حولها خلال أربعة عقود ونيف، إلى مهزلة، يضحك على شعبها الصغيرُ قبل الكبير، ويتندر من خطابات قائدها، الغريب قبل القريب. يريد الزعيم الثوري، ومن كان يسمّي نفسه، أبا الليبيين جميعا، بناء مجدٍ شخصي وإرساء زعامة لا تمحوها السنون، ولو كان ذلك على حساب قتل آلاف المواطنين، الذين يراهم القائد الفيلسوف، مجرد جرذان، لا تستحق الحياة!
-
الثورة التي يصنعها الليبيون في المرحلة الراهنة، قد تكون الأقسى والأمرّ والأكثر دموية بين كل الثورات التي تهبّ على العالم العربي، كرياح هوجاء في الشهرين الماضيين، لكنها ثورة تطّهر البلاد والعباد من جرم الزعامة الوهمية، وتُنقّيها من عائلة الصعاليك التي تحكمها، وتعيد ليبيا مجددا إلى صفوف الدول العربية السليمة، عقلا وجسما!؟
-
أحد المعلقين الليبيين قال للجمهور ـ متهكما ـ إن الثورة الليبية تختلف عن شقيقتها المصرية، أو عن أمّهما التونسية، ذلك أن العقيد لن يترك سدة الحكم إلا بعدما “ينشف ريق الجميع”، لكن المعلق نسي أن يقول إنه سيتركها بعد أن يُبيد الجميع، ويسفك دماء الكل!
-
تُرى كم زعيما عربيا أو قائدا هنا أو هناك، من المحيط إلى الخليج، يعتقد أنه ليس رئيسا عاديا، يجب أن يترك مكانه للآخرين يوما ما، أو لا يرى نفسه مجرد بشر، تحكمه قوانين الصحة والسقم، الشباب والهرم، بل يعتبر نفسه “إلها” ـ من دون الله ـ لا يموت، وفرعونا لا يرينا إلا ما يرى!!؟
-
كم من مستبد استعمل الثورة ليطغى ويتجبر، ثم يخرج على شعبه واصفا إياهم بالجرذان، وبمتعاطي المخدرات، وبالمتآمرين، وأنهم مجرد كلاب ضالة!!؟
-
العقيد الليبي يمثل نموذجا فريدا من نوعه في سلسلة الحكام الذين تجبروا وقتلوا وسفكوا الدماء، وهو إن كان يرى نفسه مُنظرا وفقيها، فإن جميع نظرياته وكل فقهه لا يخرج عن دائرة الإبادة الجماعية والقتل المنظم، وتحويل البلد برمته إلى مزرعة خاصة، له ولأبنائه.
-
ساعات قليلة، وسيسقط الطاغية، المنظّر والفقيه والزعيم الثوري، ليحتل مكانه هناك، في مزبلة التاريخ، مع الطغاة والمستبدين، والقتلة والمجرمين، وحينها ستأتي ساعة الحساب، وكم سيكون عسيرا وقاسيا، ولا شك أن القائد الثوري العظيم سيقول حينها: “يا ليتني لم أكن رئيسا، يا ليتني كنت ترابا”!؟