-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

منارات على طريق الصّحوة الإسلاميّة (الحلقة الثانية)

سلطان بركاني
  • 2226
  • 0
منارات على طريق الصّحوة الإسلاميّة (الحلقة الثانية)

هذا الموضوع هو إشارات ومنارات على طريق شباب الصّحوة الإسلامية، ليست من بنيّات أفكار كاتبها، وإنّما هي خلاصة استقراءٍ لنصوص الوحيين ولكلام أئمّة وأعلام الدّين، ممّن تعالوا عن التّعصّب للميول والأهواء والمسمّيات والأسماء؛ ليس المقصود منها انتقاص طائفة من الطّوائف، أو الردّ على جماعة من الجماعات، وإنّما هي النّصيحة التي أوصى بها النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم حينما قال: (الدّين النّصيحة).

المنارة الثالثة: العصمة لمجموع الأمّة وليست لطائفة من الطّوائف

الطّوائف والجماعات الموجودة على السّاحة، وإن كانت تتفاوت في قربها وبعدها عن الحقّ والصّواب، فإنّه لا توجد بينها طائفة جمعت الحقّ في كلّ مسائل الدّين، فقد تصيب طائفة من الطّوائف الحقّ في كثير من مسائل الخلاف، وتخطئه في مسائل أخرى؛ قد تصيب الحقّ مثلا في أكثر مسائل الاعتقاد، وتخطئه في كثير من مسائل المنهج والاتباع.

بعض المتحمّسين من إخواننا الشباب يستدلّون بحديث الطّائفة المنصورة لتزكية الجماعة التي ينتسبون إليها، وفاتهم أنّ هذا الحديث يخصّ أصحاب الثّغور الذين يناوئون أعداء الدّين، ويذودون عن حياض الأمّة، ففي رواية الحديث في صحيح مسلم قال عليه الصّلاة والسّلام: (لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحقّ  ظاهرين إلى يوم القيامة، فينزل عيسى ابن مريم، فيقول أميرهم: تعالَ صلّ لنا، فيقول: لا إنّ بعضكم على بعض أمراء، تكرمة الله هذه الأمّة)، وفي رواية أبي داود: (لا تزال طائفة من أمّتي يقاتلون على الحق ظاهرين على من ناوأهم حتى يقاتل آخرهم المسيح الدجّال)، وفي رواية الإمام أحمد أنّه عليه السّلام سئل عن هذه الطّائفة: أين هم؟ فقال: (ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس)، وأكثر أهل الحديث على تصحيح هذه الزيادة.

يستدلّ بعض شبابنا أيضا بحديث الافتراق المشهور، وفيه أنّ النبيّصلى الله عليه وآله وسلّمقال: (افترقت اليهود على إحدى أو ثنتين وسبعين فرقة، وتفرّقت النّصارى على إحدى أو ثنتين وسبعين فرقة، وتفترق أمّتي على ثلاث وسبعين فرقة، كلّها في النّار إلا واحدة)، وقد جاء تفسير هذا الحديث في بعض الرّوايات على أنّ النّاجين هم من كان على مثل ما كان عليه النبيّ عليه الصّلاة والسّلام وأصحابه، وفي روايات أخرى على أنّهم السّواد الأعظم.

وهذا الحديث لم يسمّ الفرقة النّاجية، وإنّما أعطى وصفا يمكن أن يدخل فيه عموم المسلمين من المنتسبين إلى طوائف شتى، ومن غيرهم، ولا يجوز أن ينزّل على طائفة واحدة باسمها، يقول ابن تيمية _رحمه الله-: “كثير من النّاس يخبر عن هذه الفرق بحكم الظن والهوى، فيجعل طائفته والمنتسبة إلى متبوعه الموالية له هم أهل السنة والجماعة، ويجعل من خالفها أهل البدع، وهذا ضلال مبين؛ فإن أهل الحق والسنة لا يكون متبوعهم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى

فلبّ هذا الحديث ومقصده ليس تعيين الفرقة النّاجية، وإنّما جاء للتّحذير من التفرّق والاختلاف، ولبيان سبيل النّجاة، الذي هو التمسّك بما كان عليه النبي عليه السّلام وأصحابه، وهذا يمكن لكلّ مسلم تحقيقه، ولو لم يسمع بهذه الطّوائف المتكاثرة المتناثرة.

لأجل هذا ينبغي التريّث في الحكم على طوائف وجماعات بأسمائها على أنّها من الطّوائف الهالكة، وعلى جماعة معيّنة باسمها على أنّها وحدها دون سواها الناجية، بهذا الإطلاق، بما يحجّر واسعا، ويجعل عموم المسلمين غير المنتسبين إلى هذه الطّوائف خارج حسابات المتعسّفين في فهم هذا الحديث، روى اللالكائي في أصول الاعتقاد أنّ اثنين من الخوارج طافا بالبيت الحرام، فقال أحدهما لصاحبه: “جنة عرضها كعرض السماء والأرض لا يدخلها غيري وغيرك؟! فقال الآخر: نعم. فقال الأول: هي لك! وترك رأيه“.

المنارة الرّابعة: وكلّهم آتيه يوم القيامة فردا

الانتساب والانتماء إلى الطّوائف والجماعات، إن لم يضرّ صاحبه، فإنّه لن ينفعه، لأنّ الله يقول: “وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً” (مريم:95)، ويقول: “كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ” (المدثر: 38)، والحساب بين يدي الله يوم القيامة لا يكون بالجماعات والطّوائف، وإنّما يحاسب كلّ امرئ لوحده، ويسأل عن عمله لا عن انتمائه. بل إنّ الانتماء قد يكون وبالا على صاحبه، يقول الحقّ تبارك وتعالى: “نَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاً لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُون“. (الأنعام:159).

وأتباع الطّوائف جميعا يقرّون ولله الحمدبأنّ جماهير المسلمين تديّنهم فطريّ (على الفطرة)، ولا ينتمون إلى أيّ طائفة من الطّوائف المعروفة في هذا الزّمان؛ منهم السّابق في الخيرات، ومنهم المحسن، ومنهم المقتصد، ومنهم الظّالم لنفسه، ولكلّ حسابه عند ربّه.

يتبع بإذن الله

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!