-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

من هو المناضل؟

التهامي مجوري
  • 4800
  • 3
من هو المناضل؟

قبل أن يحدث النضال يوجد المناضل، والمناضل –في تقديري- هو كل من يهتم بالشأن العام، سواء كان هذا النضال في إطار النشاط الحزبي السياسي، أو في غيره من النشاطات الثقافية والخيرية، لأن الشأن العام أصناف ومجالات كثيرة، منها الرسمي ومنها الشعبي، ومنها السياسي ومنها الإجتماعي ومنها الثقافي ومنها الحقوقي ومنها النقابي…إلخ، ولكل مجال من هذه المجالات اختصاص لا يحسنه كل الناس، كما أن لكل مناضل مواصفات لا تتلاءم وجميع المجالات النضالية المذكورة أو غيرها من المجالات التي قد تجود بها الأيام والأزمنة.

والنضال ليس مجرد اهتمام مفصول عن مجالاته الطبيعية المعروفة وهي: الخواطر التي تجول بنفس المرء، والمعرفة التي يحصل عليها خلال سنوات عمره، والحركة التي يقوم بها الجامعة بين مصالحه الخاصة والعامة، والعلاقات التي يقيمها في واقعه، وهي المجالات التي هي من أظهر صفات الإنسان، بحيث يفقد الإنسان من إنسانيته بقدر ما يفقد من هذه المجالات الطبيعية، ويثبّت من إنسانيته بالقدر الذي يحقق من هذه المجالات.

فالنضال إذن هو نشاط دائم وعطاء مستمر وإبداعات متتالية في جميع المجالات، موصولة بهذه المكونات لحركية الإنسان المادية والمعنوية.

ومن ثم فالمناضل ليس مواطنا عاديا يأكل الطعام ويمشي في الأسواق فحسب، وإنما هو مواطن يرتقي بالخواطر والمعرفة والحركة والعلاقات إلى مستوى الانشغال بهموم غيره، حيث لا يكتفي بالإنشغال بهمومه فحسب، وإنما يضيف إليها هموم الناس التي يراها بعينيه بحيث لا يستطيع تجاهلها والقفز عليها بحجة انها لا تهمه، أو ليس له فيها مصلحة، أو ليست من مسؤولياته، وذلك ليس مقصورا على المجال السياسي فحسب، كما يتوهم الكثير من الناس، من أن المناضل هو الذي يهتم بالمجال السياسي فحسب، وإنما النضال شامل لكل ما يفيد معنى الشأن العام، والمناضل كل من يهتم بذلك، متطوعا كان أو أجيرا.

وكون المناضل ليس مواطنا عاديا، لا يعني أنه مميز في خلقته، أو أنه يمتلك خصوصيات غير التي عند جميع البشر، وإنما هو إنسان مثل سائر الناس، ولكنه تميز عنهم بالشعور بالمسؤولية تجاه ما يقع من انحرافات ونقائض في الواقع الاجتماعي والسياسي والثقافي، فيتفاعل مع ذلك الواقع ويجتهد في معالجته وفق ما يمليه عليه ضميره، بإحداث حركات وحملات تحسيسية لإشعار الناس بضرورة الحركة ورفع الغبن والمساهمة في تغيير الواقع مما هو عليه إلى واقع أحسن منه، وبإقناعهم بذلك، وإثارة الجماهير على ذلك الواقع بدعوتهم إلى الإهتمام بضرورة معالجة الانحرافات الحاصلة في واقعهم وتكميل النقائص التي إذا ما تركت سوف تستشري وتعم بحيث لا ينجو من انعكاساتها السلبية أحد، فردا كان أو جماعة، واستغلال جميع الوسائل في سبيل ذلك، من الخطاب الديني، إلى الخطاب السياسي، وإلى النفوذ الإداري والمالي…، فتنشأ لذلك الأحزاب السياسية والجمعيات الثقافية والخيرية، والنقابات المهنية، ويُلْجأ لجماعات الضغط –اللوبيات- ومواقع النفوذ…إلخ، كل ذلك في سبيل تحريك المجتمع للقيام بوظيفته التاريخية، لإصلاح حاله.

وما نذكره هنا في الحقيقة هو ما يطلب من المواطن عامة، بحيث يبرمج على التفكير في المصلحة العامة كما يفكر في مصلحته الخاصة، وذلك يكون في المجتمعات المتحضرة بعملية تثقيف تجعل من الإنسان يربط بين حقوقه وواجباته، اما في المجتمعات المتخلفة فتكون بواسطة الوعظ والتحريض والترهيب والترغيب.

والناس في تحمل هذه المسؤولية مستويات لأنهم ليسوا سواء، فمنهم من يحرص على مصالح الناس عامة ولكن حرصه مشروط بألا يكون على حساب مصالحه الخاصة، ومنهم من يحرص على مصالح الغير خوفا أو طمعا، بمعنى خوفا من القانون الذي يسن لحفظ الصالح العام، او طمعا في جزاء وشكر ولفت انتباه، ومنهم من يضحي بمصالحه من أجل الصالح العام، بمن في ذلك بعض الذين تقلدوا مناصب في السلطة، حكى لي الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي في إحدى زياراتي له سنة 1999 أنه لم يعرف أسرته كما عرفها خلال العشر سنوات التي قضاها بينهم عندما ابتعد أو

أبعد من السلطة 1989/1999، وكان يومها يتهيأ إلى خوض الرئاسيات، فاعترض بعض أفراد الأسرة على ترشحه لهذا السبب.

فمن هو المناضل من بين هؤلاء إذن؟

المناضل في تقديري يوجد من بين 22 بالمائة من المجتمع، أي في الفئة التي تسلل إليها الوعي، بحيث أصبحت مؤهلة للشعور بالمسؤولية على كل ما يحدث في المجتمع.

يقول الدكتور ديفيد هاوكينز صاحب مقياس الوعي الشهير، أن 78 بالمائة من العالم دون مستوى الوعي؛ لأنهم يعيشون تحت ضغط: الخوف، الكبر، اللامبالاة، الشهوة، الشعور بالعار والأسى والذنب…إلخ. أما نسبة الـ22 بالمائة، فهي التي تَمَكَّن منها الوعي ابتداء من القدرة على اتخاذ الموقف المحايد من قضية ما، خاصة كانت او عامة، والحياد هو أول خطوات الوعي، التي ترتقي بالإنسان إلى مستوى التنوير وهي مرتبة الأنبياء والعلماء والمصلحين.

لكن هل نسبة 22 بالمائة هي الفئة المناضلة في المجتمعات؟ أي ما يقارب ربع المجتمع…، لا أظن ذلك، وإنما هذه النسبة هي التي تحقق الإصلاح في المجتمع بمجرد قيامها بالواجب بصدق وإخلاص، كعمال ومكلفين بمهام يشعرون بالتزاماتهم تجاه المجتمع المبني على التعاقد؛ لن هذه النسبة تشمل الخبراء والمسيرين “MAITRISE”.

أما المناضلون من هذه النسبة وهم الذين يحدثون التغيير ويصنعونه بتحركهم “ككتلة حرجة” لا يتجاوزون الـ10 بالمائة من الذين تسلل إليهم الوعي وتمكن منهم، وهم الذي تجاوزا مستوى الحياد إلى الشجاعة والحب والسلام والإيثار…إلخ.

أما باقي فئات الشعوب فتبع لنخبها التي تعمل على إشاعة الفضيلة بين أفرادها، وترسيخ القيم الاجتماعية السياسية والثقافية، فتُحوِّل المعارف التي تتحصل عليها عبر التعلُّم والتكوُّن والتدرُّب إلى ثقافة دارجة، فيصبح المواطن العادي الذي لا وعي له، محققا لما يطلب منه المجتمع من غير شعور منه بأنه يقوم بواجب وإنما يحقق ذلك بالطبيعة والعادة والجبلة.

إن الذين يريدون من عامة الناس أن يكونوا في مستوى من التضحية على حساب مصالهم الخاصة واهمون؛ لأن عامة الناس غير مؤهلين لذلك، ولا يستطيعونه، تماما مثل الذين يريدون لعملية التغيير والإصلاح أن وتتحقق بغياب النخبة التي لا تتجاوز 2 بالمائة من مجموع المجتمع، وهذه النسبة أيضا تحتاج إلى روافد أخرى تقارب 20 بالمائة، وهي فئة الخبراء المسيرين والمتحكمين.

ولذلك لا نرى اهتمام الناس بالجماهير العريضة –عمليا- إلا كأوعية انتخابية يحتاجون إليها في الاستحقاقات الانتخابية المعروفة… وربما خدعوهم بخطابات لا حقيقة لها في الواقع… ومع ذلك وجدت من النخبة من قال في بدايات “الحراك” إن الجماهير تجاوزتنا… وهذه كارثة أخرى تحتاج إلى دراسة لوحدها؛ لأن الكثير من “المناضلين الحزبيين” يعتقدون ذلك، ولا ندري أهي مجاراة للجماهير ومطالبها الراديكالية؟ ام هو العجز عن فهم طبيعة الجماهير وموقعها في معادلة النضال الاجتماعي والسياسي؟

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
3
  • فيصل حمادي

    والمناضل –في تقديري- هو كل من يهتم بالشأن العام، سواء كان هذا النضال في إطار النشاط الحزبي السياسي، أو في غيره من النشاطات الثقافية والخيرية، لأن الشأن العام أصناف ومجالات كثيرة، منها الرسمي ومنها الشعبي، ومنها السياسي ومنها الإجتماعي والدين جاهدو فينا لنهدينهم سبلنا بالصبر ةوالتقوى ينال التضحيات و الجهاد والعزائم ينال النضال ولن تسقل مواهبك الا عندما تكون قريبا من مجتمعك تعرف حلوه ومره قد يكون المناضل دا مستوى علمي وهدا هو احسن مناضل وقد يكون بدون كفاءات وشهادات مثل عبد العزيز بوتفليقة اعتقد ان اكبر عيوب بوتفليقة والحائر الدي هدم دولة هم عدم امتلاكهم شهادات اكاديمية معترف بها خاصة في ميدان الاقتصاد انها اكبر جريمة في حق الشعب الجزائر اما المدرسة العليا للادارة واللصوص فهي تحت اشراف السيبراني اش اداني نقربو هداك الغدار

  • يوغرطة النوميدي

    النضال بالجزائر معناه الوصول للمناصب العليا ونهب وسرقة اموال الشعب وتحويلها لبنوك اوروبا وامريكا هذه هي الحقيقة المرة والموجعة والمكؤلمة في بلاد خربها المسؤولون وابناء الحركي وخدام فرنسا الخونة .

  • جلال

    عندما يتحول النضال إلي فيلات والوفاء إلي سيارات فخمة و مهرجانات وخطاب أجوف يدعو إلي شعارات ويعمل عكسها الآية المعكوسة الأحزاب التي تدفع لأعضائها الاشتراكات شيء عجيب في بلد المعجزات والفيلات والسيارات والماندات, ما يهمنا هو كيف وزعت السكنات وكيف نزعت الأرض من أصحابها وكيف جمعت الثروات التي بنيت بها الشاطوات والقصور والفيلات وكيف انتشر ت الرشوة وعم الفساد ومن أين جاءت المحسوبية والأهم من ذلك من المتسبب في هذه الفوضى التي نعيشها وهذا التدهور الخطير الذي آلت إليه الأوضاع والمثل يقول إذا عرف السبب بطل العجب