-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

نحن في زمن الرداءة.. وللرداءة أهلها !

محمد يعقوبي
  • 18052
  • 0
نحن في زمن الرداءة.. وللرداءة أهلها !

إذا كان المجاهدون والسياسيون والمثقفون يرون في رحيل الأستاذ الكبير عبد الحميد مهري فقدانا لأهم معالم النضال والوطنية والرصيد التاريخي المشرق، فإن الأجيال الجديدة من الشباب فقدت برحيله البوصلة التي ترى بها المستقبل والتارمومتر الذي يقيس حرارة البلد ويرصد أمراضه الظاهرة والباطنة. فقد الشباب من يفهمهم من شيوخ هذا البلد، فقد كان رحمه الله من القلائل المرتبطين بالشباب يحسن الاستماع إليهم ويخلص النصيحة لهم ويرسم بين أيديهم معالم الإنسان الجزائري المتوازن الذي لا تحركه العواطف ولا تهزه العواصف. الإنسان الذي يغذي فكره وعقله قبل أن يملأ بطنه. يفكر في وطنه ومن يحيطون به قبل أن يفكر في نفسه، يتحدى الصعاب والعراقيل والإحباط قبل أن يفكر في امتطاء قوارب الموت.. تلك هي الروح التي كان يتحرك بها أستاذ الجيل بل أستاذ الأجيال المتعاقبة، في أوساط الشباب الذين استطاع أن يكسر مع حواجز‭ ‬كثيرة‭ ‬صنعها‭ ‬حماة‭ ‬الشرعية‭ ‬التاريخية‭ ‬الذين‭ ‬كانوا‭ ‬ينظرون‭ ‬إلى‭ ‬الشباب‭ ‬على‭ ‬أنهم‭ ‬قصر‭ ‬و‭”‬ذراري‭” ‬لا‭ ‬يستطيعون‭ ‬تحمل‭ ‬المسؤولية،‭ ‬بينما‭ ‬قالها‭ ‬مهري‭ ‬بداية‭ ‬التسعينات‭ “‬إنها‭ ‬مرحلة‭ ‬الشباب‭” ..‬

لم يكن المرحوم يتأخر عن نداءات الشباب عندما يتعلق الأمر بنضالات كثيرة داخلية أو خارجية، فيلبي عندما يتعلق الأمر بفلسطين أو الربيع العربي أو العراق، ويلبي أيضا عندما يتعلق الأمر بالوضع الداخلي للبلد وبخاصة تشريح الواقع التربوي الذي كان يشغل بال المرحوم إلى آخر‭ ‬أيامه‭.. ‬كان‭ ‬يرفض‭ ‬المواجهات‭ ‬الفارغة‭ ‬ويحبذ‭ ‬النقاش‭ ‬الهادىء،‭ ‬يبتعد‭ ‬عن‭ ‬التشخيص‭ ‬والانتقائية،‭ ‬ويعبد‭ ‬الواقعية‭ ‬والموضوعية‭.. ‬كنا‭ ‬نتعلم‭ ‬منه‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬جلسة‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬نتعلمه‭ ‬في‮ ‬المدارس‭ ‬والجامعات‭ ..  ‬

مهري أعطى المثال للجزائريين وهو مجاهد، وأعطى المثال وهو رجل دولة، وأعطى المثال وهو معارض.. أعطى المثال وهو في هرم السلطة وأعطى المثال وهو مهمش

مهري أعطى المثال للجزائريين وهو مجاهد، وأعطى المثال وهو رجل دولة، وأعطى المثال وهو معارض.. أعطى المثال وهو في هرم السلطة وأعطى المثال وهو مهمش.. كان دائما يتحرك بتوازن يطبعه التحفظ أحيانا والشجاعة أحايين كثيرة، فمن منا ينسى موقفه من توقيف المسار الانتخابي رغم كونه لم يكن ذلك الشخص المرغوب فيه من طرف قيادات ومناضلي الحزب المحظور، إلا أنه استطاع أن يحدث هزة عنيفة في جسد حزب السلطة المريض بالخنوع والخضوع لأجهزة النظام، وقال قولته المشهورة حينها ردا على من تآمروا عليه وعلى الحزب وعلى الوطن “نحن في زمن الرداءة وللرداءة‭ ‬أهلها‭” .. ‬لقد‭ ‬أراد‭ ‬أن‭ ‬يحرر‭ ‬الجبهة‭ ‬من‭ ‬سلطة‭ ‬الأجهزة‭ ‬ويحولها‭ ‬من‭ ‬جهاز‭ ‬خاضع‭ ‬وخانع‭ ‬إلى‭ ‬مشتلة‭ ‬للأفكار‭ ‬والقيم‭ ‬المستنيرة‭ ‬غير‭ ‬القابلة‭ ‬للتطويع‭ ‬والترويض‭ ‬والاستغلال‭ ‬مثلما‭ ‬حدث‭ ‬ويحدث‭ ‬للجبهة‭ ‬حاليا‭.‬
رحم‭ ‬الله‭ ‬الفقيد‭ ‬وأسكنه‭ ‬فسيح‭ ‬جنانه.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!