-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

نحن لسنا ضد العالم!!

نحن لسنا ضد العالم!!

تدفع بعض التحاليل الخاطئة في مجال السياسة الخارجية والجيوستراتيجية ببلادنا إلى أن تصبح خلال بضع سنوات بلا صديق خارجي تواجه كل التهديدات المحيطة بها بمفردها حتى تصبح وكأنها دولة ضد كل العالم، تريدنا هذه التحاليل أن نكون ضد فرنسا وأمريكا وروسيا والصين والمغرب وليبيا والعرب… في حين أن الرؤية الصحيحة تقتضي عكس ذلك تماما، أي أن نسعى أن نكون مع كل العالم بحليف استراتيجي أساسي على الأقل وإن خطط ليكون ضدنا… لعلنا نتمكن من مواجهة التهديدات الكبيرة التي تواجهنا الآن وتنتظرنا في المستقبل…

لا أظن أن هناك اليوم من لا يشعر بالخوف مما يحيط بنا من كل جانب، من ليبيا إلى مالي إلى حدودنا الغربية.. ولعل آخر التطورات في ليبيا هي الأكثر خطورة، وقد تمكّنا هذه المرة من القيام بعملية استباقية ناجحة تجاه سفارتنا وجاليتنا وعمالنا هناك على خلاف ما حدث في مالي، إلا أنه ليس من السهولة بمكان أن نتنبأ بكل التطورات ونضع لها السيناريوهات المضادة والملائمة. هناك أطراف عديدة تتحرك في الفضاء الليبي بكل حرية، والتجارة السرية للسلاح في أوج تطورها حتى أن منطقة “أوباري” التي تعرف بعاصمة وادي الحياة أصبحت تكاد تُعرف بعاصمة وادي الموت: أرخص منطقة لبيع السلاح بكل أنواعه في العالم بما في ذلك الصواريخ المتطورة… وهي لا تبعد كثيرا عن حدودنا الشرقية، والآلاف من المتطوعين السابقين من توارق مالي والنيجر في جيش العقيد القذافي قد انتشروا مرة أخرى على حدودنا الشرقية والجنوبية وأعادوا تنظيم أنفسهم، ناهيك عن تجار المخدرات الذين يتقاسمون معهم المصالح، هؤلاء بترويج بضاعتهم وأولئك بقبض مزيد من المال مقابل حمايتهم… كل هؤلاء إنما تزداد قدرتهم على التخريب يوما بعد يوما ويشكلون تهديدا مستمرا على حدودنا من الصعوبة بمكان مواجهته.

وإلى الجنوب من ذلك، ينتظرنا تهديد من نوع آخر، حيث على مساحة تعادل تقريبا مساحة الجزائر (حوالي 2 مليون كلم مربع) التي تشمل شمال كل من مالي والنيجر وموريتانيا، تتواجد أكثر من قوة متصارعة أحيانا ومتحالفة أخرى من حركة تحرير الأزواد إلى المتمردين التوارق ضدها، إلى جماعة أنصار الدين إلى حركة التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا إلى القبائل العربية المسماة بالبرابيش إلى تجار المخدرات والسلاح، حيث يصعب معرفة الصديق من العدو..

وإلى جانب هذه القوى غير الدولة توجد قوى دولية لها مصالح أحيانا متضاربة وأخرى متطابقة.

ففرنسا استغلت الظرف المضطرب بعد سقوط القذافي  وقررت الاستقرار لمدة طويلة هناك حتى لا تفقد آخر المواقع التي مازالت تمكنها من أن تكون قوة كبرى في إفريقيا وتسهر على حماية مصالحها ومصالح حلفائها هناك. وهي الآن تعزز قاعدة عسكرية قوية غير بعيد عن حدودنا..

وقد اتخذ الفرنسيون هذا القرار بعد أن تأكدوا أنهم  سيفقدون المنطقة إلى الأبد لو تم بالفعل تقسيم مالي وتأسيس دولة الأزواد في 06 أفريل 2012، خاصة أنهم يدركون أن هناك بالفعل عوامل عرقية (التوارق الأمازيغ، والعرب في الشمال والسود في الجنوب) وسياسية (تهميش التوارق الأمازيغ والعرب من الحكم المركزي) من شأنها أن تكرس هذا الانقسام. وكان من بين الدوافع الأخرى لمثل هذا لقرارهو الحرص على  تنفيذ المخططات الغربية للاستفادة من خيرات المنطقة بما في ذلك الأمريكية. فالأوربيون يهمهم منذ السبعينيات أن يصلهم الغاز النيجيري عبر النيجر والجزائر فيما يعرف بـ trans sahara gaz  pipeline TSGP  الذي تم الاتفاق بشأنه في 03 جويلية 2009 ويتوقع أن يصبح عمليا قبل سنة 2017، كما يهمهم ربط هذا الخط بخط آخر سينتج عن مشروع Green stream الذي تسعى من خلاله الشركات الغربية إلى ربط أكثر من 250 موقع بترولي وغازي يجري استكشافها منذ سنة 2005 في دول الساحل، ناهيك عن الثروات المعدنية التقليدية التي تزخر بها المنطقة ويحتاجها الاقتصاد الأوروبي.

أما الأمريكيون فإنهم على خلاف ما يبدو هم أسياد المنطقة الفعليون، بدونهم لا يمكن للفرنسيين عمل شيء، لأن مصالحهم بدول الساحل أصبحت إستراتيجية ولا يمكنهم التفريط في خليج غينيا الذي يخططون أن يكون بديلا للخليج العربي ويمدهم بنحو 20 بالمائة من حاجتهم من النفط في حدود سنة 2020، فضلا عن قدرتهم التكنولوجية في التحكم في رصد كل تلك المساحات الشاسعة عبر الأقمار الاصطناعية ومختلف وسائل التجسس، سواء لمعرفة تفاصيل الثروات الباطنية أو ما يجري بالمنطقة من اتصالات وتحركات لدى جميع الأطراف. ولعل هذا ما يجعل الوجود الفرنسي يبقى كقوة على الأرض، إلا أنها قوة تبقى غير قادرة على البقاء لو يرغب الأمريكيون في ذلك.

أما وجود القوى الأخرى مثل الصين وروسيا فيبقى مختلفا من حيث الوسيلة والأهداف، إذ تسعى الصين إلى أن تفوز بنصيبها من استثمارات القارة من خلال التعاون المباشر والمثمر مع دولها ـ شراكة مباشرة ـ بعيدا عن الوجود العسكري أو التأثير في مجريات الأحداث الميدانية، وهي تحقق نجاحات كبيرة في هذا المجال أصبحت تقلق الغربيين، في حين تهتم روسيا بما يخطط في المنطقة من تأثير على تنافسيتها في أوروبا في مجال تصدير الغاز، وعلى علاقتها معه الجزائر في مجال التسليح.

وإذا عدنا إلى حدودنا الغربية مع المملكة المغربية فسنكتشف سباقا نحو التسلح من جهة بتشجيع من الفرنسيين خاصة، وتلاعبا بملف الصحراء الغربية إلى أبعد الحدود حتى لا يجد حلا من جهة أخرى، فضلا على ذلك التأثير الكبير على الأمن الداخلي من خلال التهريب المفرط للمخدرات عبر الحدود الذي أخذ طابعا غير مسبوق في السنوات الأخيرة وأصبحت آثاره بادية للعيان إن على الصعيد الاجتماعي أو على صعيد ظهور أثرياء كبار أصبح لهم دور في التأثير على السياسة والاقتصاد الوطنيين.

كل هذه المعطيات تجعلنا نطرح السؤال من بدايته: هل ينبغي أن نعادي العالم؟ نغلق حدودنا الغربية، ثم الشرقية، ثم الجنوبية، نناصب فرنسا العداء، لأنها نصبت قواعدها عند الجنوب، ولا نوافق على ربط علاقات إستراتيجية مع أمريكا، لأن لها أطماعا في الساحل، ونوافق على التضييق على روسيا في مجال الغاز رغم أنها تمدنا بالسلاح، ولا نفتح الباب على مصراعيه للصين، لأنهم قد يغزوننا، ونقف ضد العرب، لأن منهم من يطبق الأجندة الأمريكية من غير قراءة في سوريا أو ليبيا أو مصر.. أم علينا أن نجد مخرجا آخر؟

يبدو أنه علينا أن نبحث على طريق آخر غير الذي تدفعنا إليه بعض التحاليل، لن يكون سهلا، ولا قليل المخاطر، ولكنه المخرج الأفضل المتبقى.. على الأقل نحدد حليفنا الاستراتيجي بكل وضوح.. ونعلن ذلك.. فأيام الرخاء لن تدوم، وبقاؤنا ضمن هذا الموقف الصعب والمكلف ماليا ليس بالأمر السهل، والوقت الآن ملائم أن نطرح هذا السؤال في مجال صياغة الرؤية المستقبلية لبلدنا وعلى الجميع ليناقشوه ويبدون الرأي فيه… ونحن نعتبر بأنه أولوية أخرى نضيفها إلى أولوياتنا المختلفة قبل تعديل الدستور… لأن الأمر يتعلق بأمننا القومي وببقائنا جميعا.. سلطة ومعارضة على حد سواء…

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
9
  • Ana

    المانيا فعلا بلد مبدع في صنع القانون و لكن قوانينا الداخلية فقط و ربما ايضا في محيطها الاروبي لكن ليس عالميا لان المانيا مع انها دولة عظمى و لكن للاسف سياستها الخارجية تقريبا تساوي صفر سياسة فاشلة و ضعيفة جدا و بليدة و محجمة و لا تتماشى معها كدولة عظمى و في الغالب هي تابعة بقرارتها لامريكا و لهذا هي فاشلة

  • رياض

    تقع جمهورية ألمانيا الاتحادية في وسط أوروبا، وهي دولة ديمقراطية منفتحة على العالم، تجمع بين عراقة التاريخ وحيوية الحاضر. تمتلك ألمانيا واحدا من أكبر وأقوى الاقتصادات في العالم، كما تتمتع بواحد من أكثر القطاعات العلمية حداثة وابتكارا. إضافة إلى ذلك يتميز قطاع اقتصاد الإبداع في البلاد، إلى جانب مشهد ثقافي نشيط متنوع. وتمثل ألمانيا بعدد سكانها البالغ 82 مليون نسمة أكبر دول الاتحاد الأوروبي من حيث عدد السكان. يا سي هشام هتلر هدفه كان تحطيم القوة الالمانية و ليس العكس لما كانت اليوم روسيا و امريكا !!

  • رياض

    واش ما عجبكش الحال !!!!!!

  • بدون اسم

    و لعل أكبر تحصين للوطن من كيد الخارج هو تحصين المجتمع من الداخل فإذا كان لدى الشعب المناعة الضرورية المضادة للفيروسات الخارجية حينها نقول أن لا خوف على الوطن؟

  • هشام

    لم لا تكون أول من يدلي بدلوه يا أستاذ؟ أليست هذه وظيفة الأكاديميين من أمثالكم؟ أم أنكم تشخصون و لا تطبّون؟ تنظرون و لا تعملون؟

  • هشام

    ألمانيا بلد مبدع في صنع القانون العالمي؟؟؟؟

  • رياض

    لو تعاملنا مع الالمان فقط سيكون ذلك تعامل كافي لكل شيئ حتى في التخطيط السياسي و رسم القانون الدستوري .. كما هو معروف عن المانيا هو بلد مبدع في صنع القانون العالمي .. و طبعا اذا نجح تعامل الجزائر مع هكذا بلدان متحظرة سيكون بذلك دون شك تعامل مع كل بلدان العالم دون استثناء .. لهذا الجرئة الديبلوماسية الدولية مطلوبة اكثر من الجزائر في الوقت الحالي .. لان التعامل مع العالم يكون غالبا تعامل بحكمة ( شد مد ) دون مقابل لا مقابل دونه .. لهذا نقول الجرئة الدبلوماسية لانها تتطلب ذكاء و تنازلات و تضحيات ووو

  • هاوي

    هذا هو حال من يمضي و رقيا و عمليا على عدم كسب سلاح الردع و الاكتفاء بالخراتيش انضروا الى كوريا الشمالية

  • عبدالحميد

    شكرا استاذ, فهذه هي أم المواضيع التي من الواجب على الصحافة الوطنية أن تركز عليها لينتشر الوعي الشعبي أكثر مما هو عليه اليوم.