-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

هكذا توفّق لساعة الإجابة يوم الجمعة

سلطان بركاني
  • 1899
  • 0
هكذا توفّق لساعة الإجابة يوم الجمعة

يومُ الجمعة؛ كنز من أغلى وأثمن الكنوز التي اختصّت بها أمّة الإسلام، وغفل عنها كثير من المسلمين. هو خير يوم طلعت عليه الشّمس. ساعاته أغلى من الذّهب والجوهر، تتنزّل فيها الرّحمات والبركات، وتغفر الخطيئات وتقال العثرات، وتجاب الدّعوات وتحقّق المطالب والأمنيات، بينها ساعة كان حريا بكلّ عبد مؤمن أن يتحرّاها كما يتحرّى ليلة القدر؛ تفتح فيها خزائن الله لكلّ عبد مؤمن عرف للجمعة قدرها.

يقول الشفيع المشفّع -عليه الصّلاة والسّلام-: “إِنّ في الجمعة ساعة لا يواِفقها عبد مسلم يسأل اللَّهَ عزّ وجلّ فيها خيرا إلّا أعطاه إيّاه”.. وقد اختلف العلماء في تعيين هذه السّاعة على قولين؛ فمنهم من قال إنّ ساعة الإجابة هي السّاعة التي يخطب فيها الإمام ويصلّي بالنّاس، ودليلهم ما رواه الإمام مسلم في صحيحه أنّ رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- قال: “هي ما بين أن يجلس الإمام إلى أن تُقضى الصّلاة”.. أي إنّها قد تكون تلك السّاعة التي يستثقلها كثير من المسلمين الذين يحضرون إلى المساجد في آخر لحظات تلك السّاعة، ويجلس بعضهم ينتظر انتهاءها وانقضاءها على أحرّ من الجمر، وينسيه الشّيطان الرّحمات والبركات والخيرات التي تنزل في تلك السّاعة، والخزائن التي تفتح فيها.

ومن العلماء من قال إنّ ساعة الإجابة يوم الجمعة هي آخر ساعة قبل انقضاء هذا اليوم المبارك، أي إنّها السّاعة التي تسبق غروب الشّمس، ودليلهم ما رواه الإمام أحمد في مسنده عن أَبي سعيد الخدريِّ وأَبي هريرة أنّ رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- قال: “إنّ في الجمعة ساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل اللّه عزّ وجلّ فيها خيرا إلّا أعطاه إيّاه وهي بعد العصر”.

وهذه السّاعة أيضا يغفل عنها كثير من المسلمين، فيقضيها من يقضيها منهم في المقاهي، ويقضيها من يقضيها منهم أمام شاشات الهواتف، وينسيهم الشّيطان التعرّض للخيرات التي تنزل في تلك السّاعة الأخيرة من يوم الجمعة.

وأيا تكن ساعة الإجابة يوم الجمعة، ففضلها يستحقّ أن يحمل المسلم على تحرّيها في كلّ ساعات ليلة ويوم الجمعة كما يتحرّى ليلة القدر في كلّ ليالي العشر الأواخر من رمضان، كيف وقد مال أكثر أهل العلم إلى تعيينها في آخر ساعة من الجمعة، ولعلّ الرّحمن الرّحيم -سبحانه- جعل آخر ساعة من هذا اليوم العظيم المبارك ساعة إجابة ليجزي عباده المؤمنين الذين عرفوا لهذا اليوم قدره، فاجتهدوا فيه وتقرّبوا إلى مولاهم بأنواع الطّاعات والقربات.

العبد المؤمن الذي يدرك حقيقة هذه الدّنيا أنّها دار فناء لا بقاء لها ولا شهواتها وملهياتها، يذكّر نفسه دائما بأنّ الرّاحة الحقيقية ليست هي راحة النوم في ليلة الجمعة وفي صبيحتها إلى منتصف النّهار، إنّما الرّاحة الحقيقية هي راحة الجنّة، يوم يجد العبد المؤمن نفسه بين أهل الجمعة. يقول النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: “إن الله يبعث الأيام يوم القيامة على هيئتها، ويبعث الجمعة زهراء منيرة لأهلها، فيحفون بها كالعروس تهدى إلى كريمها، تضيء لهم، يمشون في ضوئها، ألوانهم كالثلج بياضا، رياحهم تسطع كالمسك، يخوضون في جبال الكافور، ينظر إليهم الثقلان ما يطرقون تعجبا، حتى يدخلوا الجنة، لا يخالطهم أحد إلا المؤذنون المحتسبون”.. فكم فرّطنا في حقّ هذا اليوم العظيم، وكم ظلمنا أنفسنا حينما أصبح هذا اليوم أثقل الأيام على قلوبنا!

العبد المؤمن الفطن يعرف لليلة الجمعة قدرها وليومها قدره، ولكلّ ساعاتها قدرها، وتتوق نفسه لأن يكون من أهل الجمعة الذين يحشرون يوم القيامة من أجمل وأبهى خلق الله، تشرئبّ إليهم الأعناق ويغبطهم الثقلان.. العبد المؤمن الذين يرجو أن يكون من أهل الجمعة يجتهد في هذا اليوم بدءًا من ليلته التي يحرص فيها على القيام وكثرة الاستغفار والدّعاء، ويجتنب فيها السّهر على ما لا ينفعه في دينه ودنياه.. هذه الليلة العظيمة المباركة التي يسهر فيها كثير من المسلمين على التوافه إلى ثلث الليل الأخير، ثمّ ينامون إلى منتصف نهار الجمعة، لأنّ الجمعة في حسبانهم ليست سوى يوم راحة وعطالة، تتخلّله بضع دقائق يجرّون فيها أقدامهم إلى المساجد، ويجلسون في ساحات بيوت الله وعند أبوابها ينتظرون السّلام من الصّلاة على أحرّ من الجمر ليعودوا إلى الملهيات التي أخذت بمجامع قلوبهم!

العبد المؤمن الذي يرجو أن يوفّق لساعة الإجابة يوم الجمعة، ويحشر يوم القيامة في زمرة أهل الجمعة؛ يستيقظ في ثلث الليل الأخير من ليلة الجمعة ليصلّي بعض الركعات ويستغفر ربّه ويدعوه ويرجوه ويجأر إليه، ثمّ إذا حان وقت صلاة الفجر قصد بيت الله ليصلّي فجر الجمعة في بيت الله، وفي خاطره حديث النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: “أفضل الصلوات عند الله صلاة الصبح يوم الجمعة في جماعة” (صحيح الجامع).

ثمّ يحرص العبد المؤمن صبيحة الجمعة على الاغتسال والتطيّب ولبس أحسن وأنظف ما يملك من ثياب، وفي نفسه أن يعظّم هذا اليوم الذي عظّمه الله، وجعله عيدا أسبوعيا لعباده المسلمين، يقول النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: “إن هذا يوم عيد، جعله الله للمسلمين، فمن جاء الجمعة فليغتسل” (ابن ماجه).

ثمّ يحرص العبد المؤمن على التبكير لصلاة الجمعة، ليحظى بالأجور العظيمة التي رصدها الله لعباده المبكّرين: يقول الحبيب -عليه الصّلاة والسّلام-: “من راح في السّاعة الأولى فكأنّما قرّب بدنة، ومن راح في السّاعة الثّانية فكأنّما قرّب بقرة، ومن راح في السّاعة الثّالثة فكأنّما قرّب كبشا، ومن راح في السّاعة الرّابعة فكأنّما قرّب دجاجة، ومن راح في السّاعة الخامسة فكأنّما قرّب بيضة، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذّكر”.. فهنيئا ثمّ هنيئا للمبكّرين هذه الأجور العظيمة التي يظفرون بها في هذا اليوم الذي تضاعف فيه الأجور والحسنات.. هنيئا لأولئك العباد الذين قضوا عشرات السّنوات من أعمارهم يبكّرون للجمعة من غير كلل أو ملل.

العبد المؤمن الذي يرجو أن يوفّق لساعة الإجابة يوم الجمعة، ويكون يوم القيامة من أهل الجمعة، ينشغل وهو في بيت الله ينتظر الصّلاة بتلاوة القرآن، خاصّة سورة الكهف التي قال النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- في فضل قراءتها يوم الجمعة: “من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين”.. نور معنويّ من التّوفيق والتيسير والبركة يضيء طريق العبد المؤمن الذي يقرأ سورة الكهف يوم الجمعة مخلصا محتسبا متدبّرا آياتها وكلماتها.. وأعظم به من فضل في الدّنيا، مع فضل عظيم من الحسنات يكتب في ميزان العبد يجده ويفرح به يوم القيامة.

العبد المؤمن الذي يرجو أن يوفّق لساعة الإجابة يوم الجمعة، يجلس ليستمع الذّكر وهو في بيت الله مصغيا بأذنه وقلبه، راجيا أن يكون من عباد الله الذين تحفّهم الملائكة ويذكرهم الله عنده في الملأ الأعلى، يقول الحبيب -عليه الصّلاة والسّلام-: “ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله تعالى، يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده”.. هذا في سائر الأيام، كيف بيوم الجمعة؟!

العبد المؤمن الذي يرجو أن يكون يوم القيامة من أهل الجمعة، يكثر في ليلة ويوم الجمعة من الصلاة والسلام على رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- متمثّلا وصية الشّفيع المشفّع -عليه الصّلاة والسّلام- الذي قال: “إنّ من أفضل أيّامكم يوم الجمعة، فيه خلق آدم عليه السّلام، وفيه قُبض، وفيه النّفخة، وفيه الصّعقة، فأكثروا عليّ من الصّلاة فإنّ صلاتكم معروضة عليّ”.. يكثر العبد المؤمن من الصّلاة على حبيبه -عليه الصّلاة والسّلام- في يوم الجمعة، وهو يستحضر أنّ صلاته تعرض على حبيبه، أي إنّ الملائكة تبلّغ النبيّ -عليه السّلام- صلاة العبد المسلم، وتقول لخليل الرّحمن في قبره: “إنّ فلان بن فلان قد صلّى عليك كذا صلاة”، فيفرح الشّفيع بصنيع العبد المسلم، ويا له من مقام وشرف يبلغه العبد المؤمن أن يذكر اسمه عند حبيبه وشفيعه! وأعظَم منه أن يذكر اسم العبد في الملأ الأعلى عند الله أنّه صلّى على حبيب الرّحمن.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!