-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

هل الصين قوة عظمى… في المجال العلمي؟!

هل الصين قوة عظمى… في المجال العلمي؟!

عكفت الصين في أوائل الثمانينيات من القرن الماضي على بذل معظم جهودها في تنمية اقتصادها مكتسحةً خلال العقود الموالية، بصفة تدريجية، السوق العالمية. ونتيجة لذلك اندمجت في مطلع هذا القرن اندماجا كليا في الاقتصاد العالمي بشكل لا يخفى على أحد. واليوم نشهد هيبتها الدولية وتوسّعها المتعدد الأشكال في القارات الخمس.

نجاح الخطة الصينية
لقد تطلب نجاح الخطة التنموية الصينية تغييرات في النهج المتبع في التعليم العالي والبحث العلمي حتى يواكب مسيرة البلاد نحو التقدم في جميع الاتجاهات. ولذا وجب وضع آلية لتقييم التطوّر النوعي والكمّي للجامعات الصينية من خلال مقارنتها بأفضل المؤسسات في العالم.
وفي هذا السياق، وضع الرئيس الصيني الأسبق جيانغ زيمين عام 1998 هدفًا يرمي إلى الرقي بعدد من الجامعات القومية لتكون من بين أرقى الجامعات العالمية. ومن هذا المنطلق، ظهر مشروع يقضي بدعم 39 جامعة عبر البلاد دعمًا قويا يجعلها في مقدمة الجامعات العالمية؛ وهذا فضلا عن مرافقة 100 جامعة لتكون في المقدمة خلال القرن الحادي والعشرين.
ولبلوغ هذا الهدف، تمّ تكليف الأستاذ نيان كاي لو Nian Cai Lu المنتسب لجامعة جياو تونغ Jiao Tong الصينية بتصميم تصنيف عالمي للجامعات (يُعرف الآن بـ”التصنيف الأكاديمي للجامعات العالمية” أو “تصنيف شنغهاي”) يتماشى مع الهدف المسطّر من قِبل الرئيس جيانغ زيمين. وبهذا الصدد يقول المكلف بهذه المهمة: “لقد وضعنا التصنيف لأننا أردنا أن نعرف في الصين كيف يمكننا تحديد مستويات الجامعات في العالم، وكيف يمكننا غدًا التنافس معها. وهذا يعني، وضع عدد من المعايير وتكييف واقعنا وثقافتنا معها، ثم وضعها في الواجهة”. وقد نجح واضع هذه الخطة، واستجاب ظهور هذا التصنيف منذ عام 2003 للأهداف السياسية الداخلية. وسرعان ما تجاوز تأثيره حدود الصين حيث صار يمثّل أبرز مؤشر عالمي للواقع الأكاديمي لمعظم المؤسسات الجامعية في العالم!
ولذلك نظر الكثير من الغربيين بقلق لهذا الإنجاز، ورأوا فيه اختراقًا غير مسبوق وغير متوقّع للتعليم العالي في العالم، من خلال فرضه تصنيفا من أصل آسيوي على النماذج الأمريكية والأوروبية لتقييم التعليم العالي. بل يذهب المحللون الغربيون إلى أبعد من ذلك حيث يؤكدون أن النجاح الذي حققه هذا المشروع -والذي يبدو مشروعا بريئا يهدف إلى تصنيف الجامعات في العالم وتحفيز المنافسة بينها- يمثّل في واقع الأمر أداة جهنمية لدبلوماسية التأثير الصينية التي ترغب في الرقيّ بنفسها لتكون رائدة في اقتصاد المعرفة.
فقد تطلب المشروع تصوّر معايير مبتكرة يمكّن الخبراء الصينيين من الهيمنة وتحسين جودة منتوجهم المعرفي تدريجيًا. وعلى ضوء ذلك، طوّر المصنّفون الصينيون مؤشرات يغلب عليها الطابع الكمّي : مراعاة عدد المقالات العلمية المنشورة في تخصص معيّن، عدد الاقتباسات الواردة في بحوث الغير، عدد البحوث في المجلات العلمية ذات عامل تأثير مرتفع، عدد الفرق الدولية المشاركة في البحوث، عدد الجوائز العلمية التي نالها الباحثون في الجامعة، إلخ.
وحرص هؤلاء المصنفون على أن تتوافق تلك المؤشرات مع نقاط القوة في النظام التعليمي الصيني. نحن نلاحظ مثلا أن نتائج هذا التصنيف تعكس حقًا قيمة الموارد المالية المخصصة للبحث في كل دولة. فبدل مراعاة نوعية التعليم في الجامعة ومدى عراقة المؤسسة وسمعتها العالمية في مختلف الأوساط وفي التخصصات مجتمعةً، يركّز التصنيف على الإنتاج العلمي الكمّي في العلوم والتكنولوجيا ونحوها. وبذلك منحت الصين لنفسها الوسائل المواتية للتنافس مع الآخرين.

2049 : موعدنا مع الصين !
وهكذا تمكنت الصين في ظرف قصير من وضع جامعاتها المتميزة في الواجهة ضمن ما يسمى “جامعات عالمية المستوى”، وتبنت نظاما جامعيا ذا مستويين متباينين (مستوى راقٍ ومستوى ضعيف)، لتُنافس جامعاتها الراقية جامعات البلدان الغربية في جلب المواهب العالمية من طلبة وباحثين خدمةً لاقتصادها وصناعتها وترقيةً للعلوم والتكنولوجيا على ترابها.
وما يؤكد تأثير التصنيف الصيني لجامعات العالم على سياسة عديد الدول الغربية والعالم الثالث في قطاع التعليم العالي، أن هذه الدول صارت أكثر فأكثر تكيّف منظوماتها التي تسيّر التعليم العالي والبحث العلمي بما يوفّر لها حظوظا أكثر لتتبوأ مراتب أفضل في هذا التصنيف! والدليل على ذلك أنه أصبح من الطبيعي أن نسمع ونقرأ تصريحات لشخصيات بارزة في مختلف دول العلم، من وزراء ورؤساء جامعات وغيرهم، يتفاخرون فيها بتحسين ترتيب جامعاتهم في التصنيف الصيني… ويعبّرون عن سخطهم عندما يحدث عكس ذلك.
أما في الصين، فيشهد العالم كله تحسن ترتيب هذا البلد وفق معايير التصنيف التي تبناها وفرضها على المعمورة: نحن نلاحظ في بعض التخصصات -البالغ عددها 54 تخصصا المحددة في هذا التصنيف- أن الجامعات الصينية باتت تحتل المراكز الأولى والثانية والثالثة في العالم متقدمةً في ذلك على أرقى المؤسسات الذائعة الصيت التي كانت دائما تحتلّ المراتب الأولى -مثل معهد ماساشوستس للتكنولوجيا (MIT) الأمريكي، وجامعة ستانفورد Stanford الأمريكية- في العلوم الهندسية (علوم الطاقة، الاتصالات، الهندسة الكيميائية، العلوم النانويّة، الهندسة البحرية، الهندسة الطبية الحيوية، الهندسة المدنية، الميكانيكا، المعادن، التعدين).
فكما أسلفنا، أدى ظهور اقتصاد المعرفة خلال التسعينيات من القرن الماضي تدريجياً إلى وضع التعليم العالي في قلب السياسة الاقتصادية للبلدان المتقدمة. ومن ثمّ، صار نموّ تلك البلدان يعتمد على قدرتها على إنتاج المعرفة. وكيف ننتج تلك المعرفة في أقصر مدة ممكنة؟ تمّ ويتمّ ذلك بـ”شنّ حرب” على جلب المواهب من كل بلدان العالم، من طلبة وباحثين ومبدعين، بتوفير منح دراسية مغرية ورواتب تنافسية لخيرة الباحثين وكذا توفير مناخ علمي واجتماعي ممتاز لجميع هؤلاء الوافدين.
كل هذه العوامل تستغلها الصين، وهي ماضية في تنفيذ خطتها طويلة المدى التي قال عنها أحد الكتاب : “على عكس الدول الأخرى، التي تعمل وفق مخططات مدتها 5 سنوات، تعمل الصين وفق مخطط مدته 50 سنة. إنها تمنح لنفسها متسعا من الوقت، ولذا فإن مشروعها سينجز”. وما هو مشروعها؟ إنه يرمي إلى أن تكون الصين الأولى عالميا في المجال العلمي بوجه خاص، وذلك بحلول الذكرى المئوية للثورة الصينية التي تصادف سنة 2049. إنها خطة تزعج منافسيها في الغرب والشرق انزعاجا لم يعد أصحابه يخفونه.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
6
  • kabir hacina

    ننتظر دورنا في الإقلاع عن الإنحطاط.

  • شوية عقل3

    ولا يتضح كلامي إلا بمثال: البلد الذي لا يتعمق في علوم الكمبيوتر هو بلد متخلف بامتياز، فاعلموا يا بشر أن الدروس المقدمة في جامعات الكمبيوتر متخلفة جدا، وبلغات برمجة غير موجودة حول العالم!!! فالطالب يدرس من دون العالم وبالفرنسية غير الموجودة في البرمجة لغة الباسكال، أو بيئة الوينداف والدلفي وهي مرفوضة عالميا، فكيف بهذا الباحث يفهم بيجاسوس أو يصنع حتى بيجيسيس صغير؟

  • شوية عقل2

    علومه محدودة، فهو يعرف فقط ما يترجم في فرنسا متأخرا عن العلوم الحديثة، وموارده نادرة، فعدد المعارف الفرنسية هي ضعيفة جدا لأن الفرنسيون يدرسون بالانجليزية ولا يترجمون لك، فماذا يفعل الباحث الجزائري؟ يستخدم ما يعرف فقط، ولما تطلب منه أن يجابه الكم المعرفي والتحديث العلمي المتواصل يعجز كلية، والعيب ليس فيه، بل في المنظومة التي نصبت له الفخ من جيل قديم عميل يتحكم في التسيير.

  • شوية عقل 1

    مقال مهم للغاية، لكن جيل اليوم لا يهمه ذلك، أما جيل الأمس فهو يتحسر على الفخ العلمي الذي وقع فيه، ما هو هذا الفخ؟ هو جهله للانجليزية الذي كبله وجعل من دكتور الجزائر مجرد أبله لما يقابل جامعي أمريكي أو صيني أو اسكندنافي... الدماغ الجزائري عمره ما كان قاصرا، لكن لما يفرض عليه جيل فرنسا المتحكم في التسيير الدراسة بالفرنسية فإنه لا يتركه يعرف ماذا يحدث في العالم، علومه قديمة، مجالاته محدودة، موارده نادرة...

  • خالد

    اذا أردت التعرف على حال بلد و استشراف مستقبله توجه مباشرة إلى جامعاته و أساتذته و طلبته و اهتماماتهم لتختصر الطريق إلى الجواب...

  • الطاهر زرزايحي

    لقد استيقظ العملاق الناىم. بحكم رصيد الصين التاريخي و عدد سكانها و نجاعة نظامها، فانها ستتوفق على الجميع و في كل الميادين لان سياستها مدروسة بامعان و ليست استعراضية.