-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

هل جمعية العلماء في أزمة؟

التهامي مجوري
  • 1120
  • 2
هل جمعية العلماء في أزمة؟

سؤال تبادر إلى أذهان البعض، كاستنتاج من مقال كتبته ونشر في جريدة البصائر، لسان حال جمعية العلماء، بعنوان: “المثل الديمقراطي في جمعية العلماء”، ذكرت فيه كيفية انتخاب رؤساؤها في جميع مراحلها، بما يوحى بالفعل غير الديمقراطي: فالشيخان عبد الحميد ابن باديس والإبراهيمي انتخبا غيابيا، والشيخان أحمد حماني وعبد الرحمن شيبان انتخبا، بتزكية ممن أعادوا الجمعية إلى النشاط في عهدها الثاني، بعد إقرار التعددية الجمعوية والحزبية في الجزائر، وكذلك الدكتور عبد الرزاق قسوم الرئيس الحالي للجمعية، فقد انتخب بالأغلبية في العهدة السابقة، حيث كان في السباق مرشحان وهما: الدكتور عمار طالبي، والدكتور عبد الرزاق قسوم، وبتزكية من الجميع في الجمعية العامة الأخيرة، التي كانت قبل أسبوعين، وفي كل هذه المراحل لم يترشح أحد من تلقاء نفسه، وإنما كانت ترشيحات كلها من القاعدة، ومن المؤسسين وغيرهم من المؤهلين قانونا وعلما وأخلاقا.
يبدو أن هذا المسار أوحى للبعض بأن هناك مشكلة في جمعية العلماء، وهي أن القائمين عليها ليسوا في مستواها، بحيث عجزوا عن إيجاد بدائل لقيادة جمعيتهم ورئاستها، إلا بموت الرئيس..,، فابن باديس والإبراهيمي وحماني وشيبان لم يستخلفوا إلا بموتهم… وكذلك الرئيس الحالي، فبناء على التجربة السابقة، قد لا يُستخلف إلا بموته!! أو أن بداخلها مجموعات ضغط وتيارات متباينة في توجهاتها، تعمل على “التخياط” بما يُغلِّب كفة البقاء على غيرها، مثلما تفعل الأحزاب السياسية وغيرها من التنظيمات الحريصة على الوصول إلى مواقع المغانم والنفوذ.
وقد ورد هذا المعنى في سؤال وجه إلى رئيس الجمعية الدكتور عبد الرزاق قسوم، من أحد الصحفيين حيث قال له: “هل يوجد في جمعية العلماء أزمة، بسبب تعدد التيارات فيها؟”.
وهذه القراءة أو القراءات –بلا شك- مشروعة لكل من لا يعرف طبيعة جمعية العلماء، ولا يجد من النماذج التي تفسر له انشغالاته، إلا التجارب الحزبية ونزاعاتها، وصراعات القوى النافذة في السلطة، وكيفية إداراتها لما اختلفوا فيه، فيسدعيها لفهم ما يدور بداخل جمعية العلماء المسلمين الجزائريين. وجمعية العلماء بدورها ليست ملزمة بأوهام الناس وتجاربهم الذاتية بقيمها المحدودة.
يوجد في قواعد الجمعية الكثير من الطاقات الفاعلة، من العلماء والدعاة والطاقات النشطة ذات التجربة الدعوية الكبيرة، ولكنها كلها أو جلها –حتى لا نعمم- تفضل الابتعاد عن الأضواء، ولا تريد الظهور إلا عند الضرورة، تواضعا واحتراما للسلم القيمي، حيث لا يستسيغ شاب أو كهل من أبناء الجمعية المؤهلين أن يتقدم على رجال مثل قسوم وطالبي ومكركب وبن يونس، أي الرئيس ونوابه، كما لم يدر بخلدهم فكرة التداول على المواقع، باعتبارها مغارم وليست مغانم، ثم ما جدوى تغيير شخص بشخص ما دامت الأمور تسير وفق ما تريد الجمعية؟
إن القيم الأساسية التي تستصحبها جمعية العلماء، هي قيم الدعوة إلى الله، ومواصفات من يقوم بهذه الدعوة، ومن يملك الإضافة في نشاط الجمعية، ومن له القدرة على حمايتها من المؤثرات الجانبية، ومن يبدعها على التأثر بالأدنى على حساب الأعلى.
على هذه القيم والمعاني وتلك هي التي اعتمدها أبناء الجمعية في جميع المراحل في عهديها الأول والثاني.
ولعل القارئ يتعجب عندما يعلم أن الشيخ عبد الرحمان سيبان لم يرض بإقحام نفسه في قيادة الجمعية ورئاستها في وجود الشيخ علي مغربي لكفاءته العلمية ولكونه من تلامذة الشيخ عبد الحميد ابن باديس، والشيخ عبد الرحمن رحمه الله كما هو معلوم لم يتتلمذ على الشيخ ابن باديس، وكان يرى مجرد التلمذة على ابن باديس فضيلة لها ثقلها في سلم قيم الجمعية (لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلونَ خَبِيرٌ) [الحديد 10]، ولذلك لم يرأس الجمعية إلا بعد وفاة الشيخ علي مغربي، الذي لم يعمر طويلا في رئاسة الجمعية إلا بضعة أشهر.
والدكتور عبد الرزاق قسوم نفسه لم يرد الترشح؛ بل أعلن أكثر من مرة على أنه لن يترشح، اقتناعا منه بوجود طاقات هائلة في قواعد الجمعية، ممن لهم القدرة على قيادتها، وقد سعيت أنا شخصيا –بعلمه طبعا- قبل الجمعية العامة والمؤتمر الذي أعيد انتخابه فيه، من أجل أن يتقدم بعض أبناء الجمعية للترشح او القبول به لرئاستها، واتصلت بثلاثة منهم على الأقل، ولكنهم رفضوا؛ بل رشحت الجمعية العامة –المؤتمر- أسماء لها ثقلها في العمل الدعوي، ومع ذلك… انسحب الجميع من الترشح، بلا إيعاز ولا ضغط عن أحد، وإنما باقتناع منهم بأن المرحلة تقتضي بقاء الرئيس السابق، رغم إيمانه بضرورة احترام الأعراف الجارية في التنظيمات وهي توزيع المسؤوليات وإشراك الجميع في كل ما يخدم الجمعية، وتغيير الوجوه في المواقع والمهام، بما في ذلك رئاسة الجمعية نفسها.
لقد رُشِّح قسوم لرئاسة الجمعية بمبادرة في الجمعية العامة، وبضغط سابق من أبناء ومحبي الجمعية، الذين صُدموا بإعلانه عن عدم الترشح، فاتصلوا به وحاولوا إثناءه عن موقفه ونجحوا…، حتى أن أحدهم بعث له برسالة يقول له فيها “إن تخليك عن جمعية العلماء في هذا الظرف بمثابة التخلي يوم الزحف في ساحات الوغى”.
وهناك أمر آخر يوحي لبعض الناس بأن هناك أزمة واقعة أو متوقعة في هياكل جمعية العلماء، وهو وجود تيارات وقناعات متباينة ومختلفة داخل الجمعية، مثل التيار السلفي والتيار الإخواني والتيار الجهادي والقطبيون وبقايا الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحظورة، وما يسمى بالجزأرة، غيرهم وغيرهم…إلخ، ووجود ذلك ينبئ بالإختلاف والتصادم والنزاع…، وذلك موجود بالفعل، ولكن بصفة قناعات دعوية، ويس بوصفهم جيوبا داخل الجمعية، ولو كانت لهم قناعات أخرى، لبقوا في مواقعهم مناضلين في المجالات الحزبية وتركوا الجمعية لمن يهمهم العمل الدعوي. وإذا وجد –لا قدر الله- من تسول له نفسه بذلك، فإنه سيقضي على نفسه قبل أن يسعى غيره في القضاء عليه، وكما قال الدكتور الطيب برغوث في رسالة له نشرها موجهة إلى المؤتمر الخامس للجمعية في ديسمبر 2018: “إن هذه الدرة الوطنية النفيسة، ينبغي علينا أن نبعدها عن الصراعات والمناكفات والمناورات الفكرية والاجتماعية والسياسية قدر ما استطعنا، وأن نبقيها ساحة حقيقية للمشتركات الوطنية الاستراتيجية، وأن نعزز ثقة الجميع فيها، واحترام الجميع لها، والحرص على خدمتها، وذلك لا يكون إلا بالقدوة الفكرية والسلوكية والإنجازية العالية، التي ينبغي أن يتحلى بها كل من يتصدرون واجهات القيادة والتوجيه والخدمة فيها على كل المستويات، ومن لم يجد في نفسه القدرة على ذلك، فليحترم نفسه، وليضعها في مكانها المناسب لها، وليرأف بها، ولا يعرضها للمخاطر، فإن الأفكار والمشاريع الأصيلة المخذولة [من قبل أهلها ومحبيها]، تنتقم من خاذليها والمسيئين إليها إن عاجلا أم آجلا”.
وهذه القراءة الخائفة على الجمعية من التنوع الموجود بها، في الواقع هي قراءة أمنية أكثر منها قراءة موضوعية ورسالية، نابعة من أدبيات جمعية العلماء.
ذلك أن التقارير الأمنية تُكْتب انطلاقا من الأسماء، فعندما يجدون رئيس شعبة لولاية ما، أو عضوا يمثل شخصية مهمة عرفت من حزب النهضة مثلا، أو إسما من بقايا الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحظورة، أو من حزب حمس أو من جماعة البناء الحضاري، أو حتى من الزوايا، أو غير ذلك من التيارات، فإنهم يصنفون الشعبة بذلك الماضي الذي عرف به الشخص المنتمي إلى الجمعية، ومن ثم يحكمون على الجمعية ويصنفونها، وفق ذلك الذي صنفوه أو توصلوا إليه من خلال تحليلاتهم، وهذا غير موضوعي وغير عادي؛ لأن جمعية العلماء لها شخصيتها المستقلة عن كل تلك القناعات الفردية و”المجموعاتية”، ولا تسمح بتوظيف تلك الخصوصيات، إلا فيما يخدم الجمعية والمنتسبين لها، إبمانا منها بأن التجارب الصغيرة تذوب في التجارب التي أكبر منها، وكما يقول النسقيون “القضية الكبيرة أكبر من مجموع أجزائها”. فالأسرة مثلا مجموعة من الأفراد، ولكنها أكبر وأهم من عدد أفراد في غيرها من التجمعات؛ لأن الأسرة هي مجموعة أفراد تربط بينهم قيم، بينما الأفراد هم أفراد لا رابط بينهم، وإذا كان لا يكون مثلما للأسرة من معاني.
والجمعية في المجال الدعوي الإصلاحي، أكبر من التجارب الجزئية التي تمارس اليوم هنا وهناك، ثم إن الجمعية كوعاء وطني جامع، لا يمكن أن يكون إلا كذلك؛ بل هي وعاء يمكن لكل جزائري أن يرتقي بخطابه فيها ومن خلال النشاط في محاضنها، فيفيد بما عنده، ويستفيد من تجارب غيره.
ومع ذلك لا نستبعد محاولة التأثير السلبي على الجمعية من قبل فئات فاسدة وضيقة الأفق، أو بواسطة التوجيه غير البريء من صغار النفاس، أو بفعل المنافقين في هذه الأمة الذين لم يخل منهم عصر ولا زمن والأخطر من كل هؤلاء المغرر بهم المستدرجين من قبل قوى الشر المتآمرة على الجزائر والدعوة الإسلامية بها، فيثيرون مشكلة وهمية هنا، ويضخمون قضية هناك، ويصنعون مشكلة هنالك..، فكل ذلك متوقع، إذْ لم يسلم من ذلك النبي صلى الله عليه وسلم نفسه في دعوته، عندما بنى المنافقون له مسجدا وطلبوا منه تدشينه ولكن الله نجاه من كيدهم وانزل عليه قرآنا يتلى إلى يوم القيامة (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفَنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ، لا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ، أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ، لا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) [التوبة 107-110].
وعزاؤنا نحن الجزائريون وأملنا في الله أن هذه الجمعية، جمعية مباركة أسست على تقوى من الله من أول يوم. إنها هذه الجمعية المباركة لن تخيب ولن تتأثر بما تصنع لها المخابر من مؤثرات فاسدة، ولا بما يفعل الجهلة والمغرر بهم من أبنائها ومحبيها، من إساءة وتحريف لها عن مسارها، وإنما ستلملم جهود العاملين المخلصين من أبناء الجزائر وتعيد صياغتها في تجربة وطنية جديدة، كما صاغتها في الماضي، وما ذلك على الله بعزيز

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
2
  • هشيمالهاشمي

    قد يكون مدفوعا للأعادة وفي الأعادة افادة.. والشيخ قسوم الذي نحترمه ؟ لكن لم يتركوه الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون ، الذين يريدونه رغم أنفه أن لا يتحرك الا بما يرونه هم ؟ ولا بما يراه هو ومن معه نحن في زمن "ترامب" وتلك الفلسطينية التي قالت عنه "أنه ابن....؟! لو وبضحكاتها الهسترية" زمن الاعوجاج والتناقضاة والمبيقات التي تعاكس العقل والمنطق حسبنا الله ونعم الوكيل "ولا عدوا الا على الظالمين"

  • صالح بوقدير

    ماتشهده الساحة السياسية من اسداد وتبرير غيرالقابل للتبرير ينطبق تماماعلى مايجري في المجتمع المدني ولكل حوارييه إلا أن مقارنة ماضي الجمعية بحاضرها يفتقدإلى الجدية إلا إذاكان من باالتذكير بحامل المسك ونافخ الكير.