-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

هل ستُصبح فرنسا بلدا غير آمن؟

هل ستُصبح فرنسا بلدا غير آمن؟

يبدو أن السياسات الحكومية وأساليب المعارضة اليمينية خاصة في التعامل مع الأوضاع الداخلية الفرنسية وملف الهجرة بالأساس، ستدفع بهذا البلد في السنوات القادمة إلى مزيد من الاضطراب والفوضى إلى درجة أن تُصبح إمكانية تصنيفه بالبلد غير الآمن واردة.

إذا حسبنا تكرار عدد أحداث الشغب التي عرفها هذا البلد في العشرين سنة الماضية نجدها تتصاعد في الحدة سنة بعد سنة وتأخذ أبعادا أخطر فأخطر، مما يدل على السياسات الخاطئة التي تعتمدها الحكومات المتعاقبة في التعامل مع ملف الهجرة وبخاصة في ما يتعلق بإدماج المهاجرين والاعتراف بثقافاتهم وهوياتهم وانتمائهم الديني.

فرنسا هي البلد الوحيد في القارة الأوربية الذي مازال يعتمد مفهوما لِلَّائكية عفا عنه الزمن لا يتلاءم مع التطورات الحاصلة في منظومات القيم العالمية ويتناقض كل التناقض مع قيم التعددية والديمقراطية التي يَصدح بها هذا البلدُ ذاته. وهناك من الفرنسيين أنفسهم من يعدّ التفسير الحالي لِلَّائكية في فرنسا يتناقض مع جوهر لائكية سنة 1905 التي تعترف بِحُرِّية ممارسة الشعائر الدينية ولا تمنع التعبير من خلال الرموز الدينية مهما كان مصدرها مادامت لا تمسّ بحريات الآخرين على غرار ما هو معمول به في بريطانيا مثلا..

لذلك تتصاعد حدة الصراعات في فرنسا القائمة على أساس عرقي أو بسبب التمييز العنصري أو الشعور بالاضطهاد والظلم من قِبَل مَن يعتبرون أنفسهم سكان بلد أصليين وغير مهاجرين…

في 27 أكتوبر 2005، تسبَّب التدخُّلُ العنيف للشرطة في منطقة “كليشي” بالضاحية الشمالية الشرقية بباريس، في مقتل الشابين “زياد بنة” و”بونا طراوري” بصعقة كهربائية بعد احتمائهما بمولّد كهربائي مما تسبب في موجة غضب عارمة في منطقة باريس بالأساس، واستمرت الاحتجاجات على هذه الجريمة لأكثر من ثلاثة أسابيع تم فيها حرق آلاف العربات وعشرات المباني..

ومنذ ذلك التاريخ، وأعمال الشغب تتصاعد: بعضها بسبب القتل (مقتل شابين في أكتوبر 2007 بضواحي باريس في ما وُصِف حينها باصطدام دراجة نارية بسيارة شرطة) وأخرى لأسباب اجتماعية أو اقتصادية، (احتجاجات منطقة نوتردام، احتجاجات طلاب المدارس الثانوية، احتجاجات حركة إكستنشن ريبيليون، احتجاجات السترات الصفراء… إلخ).

وبمقارنة بسيطة بين احتجاجات 2005 و2023 نلاحظ زيادة حدتها بأكثر من 400 بالمائة، إذا ما اعتبرنا حجم عدد قوات الشرطة المخصصة لذلك كمؤشرٍ مقبولٍ للقياس. في 2005 تم تسخير 10 آلاف من الشرطة، وفي الاحتجاجات الجارية اليوم أكثر من 40 ألفا. ولذلك، فإنه إذا ما كان عدد العربات التي تم حرقها سنة 2005 يقدر بنحو 10 آلاف عربة، فإن عددها في الاحتجاجات الحالية قد يزيد عن 40 ألفا، والشيء ذاته بالنسبة إلى عدد الجرحى الذي بلغ سنة 2005 بما في ذلك عناصر الشرطة 3000 جريح، فإنه من المتوقع أن يتضاعف أكثر هذه المرة، وقس على ذلك باقي الخسائر.. بما يعني أن السياسات المُتَّبَعة من قبل الحكومات الفرنسية المتعاقبة قد فشلت في التعامل مع هذا الملف، وأنها لم تُصحِّح أخطاءها في التعامل مع المهاجرين.

ويبقى الأمل اليوم في أن تتوقف الأطراف المعادية للمهاجرين عن الترويج لخطاب الكراهية، وعن التلويح برمي المهاجرين في البحر أوإعادتهم إلى بلدانهم، وأن تستبدل خطاب المَنع عن التعبير عن الهويات الدينية بخطاب التسامح وقبول الآخر، على غرار بعض الدول الأنجلوسكسونية التي رغم وجود بعض التيارات العنصرية بها التي تحارب الأفارقة والعرب بالدرجة الأولى والمسلمين عامة، تبقى هذه الدول على مستوى الخطاب الرسمي وخطاب المعارضة بعيدة كل البعد عن الموقف الفرنسي…

إن هذا التوجه هو وحده الذي يُمكِّن من استعادة جو الأمن والأمان بهذا البلد.. دون ذلك، فأي إجراءات ردعية أخرى أو عنيفة أو صارمة تجاه الهجرة، ستكون بعد فوات الأوان، بل ستضع هذا البلد يسير تدريجيا نحو أن يُصبح بحق غير آمن في قادم السنوات والعقود…

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!