هو لا يمشي … وهم لا يُفكرون
قالت تلك التي حارت البرية فيها، حيث تنتمي لأصحاب الشِّمَال، والنزعة التروتسكية تحديدا ـ كما قال بوجدرة (الشروق تي في ـ حصة هنا الجزائر في 08 / 05 / 2014) ـ ولكنها تقول عن مرض من زعمت أن مناضليها صوّتوا له: “هذا أمر الله” (الخبر 04 / 05 / 2014، ص3)، ولم ندر لحد الساعة كيف تجاور الله ـ جل جلاله ـ في عقلها مع تروتسكي الذي لعنه الله؟ ولم ندر أيضا كيف أجلست إلى جانبها في حملتها “متحجبات” وهي تتبنّى ايديولوجية معادية للدين عموما وللإسلام خصوصا الذي يعتبر الحجاب أحد مبادئه، اللهم إلا إذا كان ذلك من التلبيس على الناس.
هذه التي حارت البرية فيها تزعم أنها “معارضة” للحكومة، ولكنها في الوقت نفسه تعارض معارضي الحكومة، وهي تُغمض عينيها عن كبيرهم الذي لم يُخْف يوما انتماءه الليبرالي، وتَسْلِق بلسانها الحديد المرشح الرئيسي المعارض لمن صوّت مناضلوها له، متهمة إياه باليمينية.
وتدعي هذه التي حارت البرية فيها الديمقراطية وهي “تَبْرك” على رأس حزبها منذ لم تكن شعرة بيضاء في رأسي إلى أن صار لا شعرة سوداء فيه.
قالت من اتخذت شعار “الجرأة” في حملتها بعد استقبالها من طرف من زعمت أن مناضليها صوّتوا له ـ بعد قَسَمِهِ ـ لأكثر من نصف ساعة: (صحيح أنه لا يمشي، ولكنه يفكر). وقد ذكرني عدم المشي هذا مقولة للأخ ڤسوم عن شخص خادع الجزائريين برفعه المصحف في حصة تلفزيونية: “إنه يأكل الطعام ولا يمشي في الأسواق” تواريا من الناس من سوء ما عمل، ومن ذلك سوء معاملته للشيخ الفاضل سالم بن ابراهيم.
إن ما لم تقله هذه التي ابتدعت بدعة تصويت مناضليها على غيرها هو أن كثيرا من الجزائريين الذين لا يمارسون السياسة بمفهومها الشريف النظيف؛ وإنما يُمارسون “البوليتيك القذر” الذي رأيناه رأي العين ولمسناه لمس اليد في تلك “الهملة الانتحابية”؛ هؤلاء لا يفكرون بالرغم من أنهم يمشون. ولو كانوا يُفكرون لما حمّلوا شخصا على مشارف الثمانين ـ يعاني أمراضا عويصة ـ مشكلات شعب على مشارف الثلاثين من الملايين.
فوالله الذي خلقهم لو تعلق الأمر بشؤون أسرهم لما سمحوا لشخص يوجد في ظروف مثل ظروف الأخ بوتفليقة بتسيير تلك الشؤون، ولطلبوا منه رأفة ورحمة به أن يُخلد إلى الراحة، ويترك الأمر لمن هو أقدر منه على حلّ مشكلات الشعب؛ ولكن الأمر ليس أمر مصلحة الجزائر “المسكينة”، وليس أمر المصلحة العامة التي كثيرا ما تغنوا بها، ولكنه أمر ملفات وسخة يُخشى استخراجها، ستعكر روائحها الكريهة أجواء الجزائر، وستطيح رؤوسا “كبيرة”، و أمر مغانم استُمْرِئتْ يُخشى زوالها. ومن أمثالنا الشعبية: “على كرشو يخلي عرشو”.
لقد دخلت الجزائر التاريخ المعاصر في رأيي مرتين؛ مرة بتحطيمها بثورتها الإمبراطورية الفرنسية، حتى إن الجنرال صالان ـ الذي كان حاكما للجزائر وقائدا للقوات الفرنسية فيها في فترة من سنوات ثورتها ـ جعل عُنوان مذكراته “نهاية إمبراطورية” (Fin d’un empire)، ومرة بتحميل شخص قيادتها وهو في ظروف صحية عويصة، حتى إنه لم يؤد كلمات القسم إلا بشق الأنفس، وبصوت هو أقرب إلى الهمس.
وليسمح لي أفاضل القراء أن أعيد على مسامعهم مقولة إمام الجزائر محمد البشير الإبراهيمي وهي: “من عاش في الجزائر رجبا رأى عجائب لا عجبا”.