-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

يا أهل غرداية.. دعوها فإنها منتِنة

حسين لقرع
  • 6525
  • 0
يا أهل غرداية.. دعوها فإنها منتِنة

الآن وقد بدأت النفوس تهدأ والمياهُ تعود إلى مجاريها تدريجياً في غرداية، ينبغي لمحاولات الصلح ورأب الصدع أن تتواصل دون هوادة إلى أن تتمكن من فك كل الألغام والقنابل الموقوتة بالمنطقة وإرساء الأسس للعودة إلى التعايش الدائم بين كل سكانها.

لقد تعايش سكانُ غرداية سلمياً قروناً طويلة، أمازيغ ميزابيون وعرب، إباضيون ومالكيون، وضربوا أمثلة رائعة في التسامح وقبول الآخر، فما الذي تغيّر اليوم حتى يعجز أحفادُهم عن الاستمرار في ذلك، ويستسلموا للفتن العرقية أو المذهبية المنتِنة التي تهدِّد وحدة البلد ونسيجَه الاجتماعي؟ هل أصبحت صدورُ أبناء اليوم ضيِّقة حرجة لا تستوعب الرأي الآخر، ولا تقبل التعدّد المذهبي والعرقي؟

وما دام الطرفان قد تعايشا معاً طيلة 14 قرناً، فليس هناك أي مسوغ أو مبرِّر لينتهي كل ذلك الآن ويسود بدله التناحرُ والبغضاء والمشاحنات وأعمال العنف والتخريب المتبادل للممتلكات وترويع النساء والأطفال.. هذه المواجهات ينبغي أن تنتهي تماماً وتخمد نارُ الفتنة المنتنة، ويعود سكان غرداية إلى ما كانوا عليه من وئام وتعايش وتضامن وأخوّة طيلة قرون.

دور العلماء والدعاة والخيّرين في البلد الآن هو تحقيق هذه الغاية النبيلة؛ وهي كيفية إرساء الأسس للعودة إلى ما كان عليه الأجداد من تعايش وتعاون وألفة، وليس فقط تهدئة الخواطر والنفوس، فالمعالجة الظرفية قد تجعل الأحداث المؤسفة تتجدد في أي لحظة، كما تجددت مراراً في السنوات الأخيرة، بعد أن تراكمت الاحتقانات حتى انفجرت بشكل مهول في الأيام الماضية.

من المهم أن تستمرّ وساطة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين وغيرها من الخيِّرين هذه الأيام، وأن يواصلوا الاستماع إلى كل طرف بتأنّ وصبر شديدين، فذلك يساعدهم، ليس فقط على تهدئة الخواطر ومنع تجدد المواجهات، بل يعينهم أيضاً على إقناع العقلاء من الطرفين بضرورة فتح حوار دائم لإيجاد حلول دائمة للقضايا العالقة التي تساهم في تأجيج الأوضاع في كل مرة.

ينبغي للوسطاء أن يواصلوا جمع شيوخ المالكية والإباضية وأعيانَهم وعقلاءَهم وشباب أحيائهم.. لطرح أي قضية للمناقشة وتبادل وجهات النظر والحلول المقترحة لها، فذلك أدعى لحلِّ الخلافات العالقة وإزالة الاحتقانات المترسِّبة والتأسيس لعودة روح الأخوّة بين الطرفين وقبول كل منهما للآخر، والنظر إليه كأخ في الدين والوطن ينبغي قبولُ التعايش معه وليس كعدوّ يدخل في مواجهات متقطعة معه.

قد يكون دور الدولة في حل الخلافات الآنية بين الطرفين كبيراً، ولكن حل الخلافات العميقة المتراكمة هي مسؤولية العلماء بالدرجة الأولى، يمكن للدولة أن تفض الاشتباك بين الطرفين وتفرض الأمن بإجراءات فاعلة، ولكن ذلك لن يحول دون تجدد المواجهات إذا لم يبادر العلماءُ إلى معالجة الخلافات جذرياً عن طريق فتح حوار عميق ومستمر بينهما، ونحسب أن وساطة جمعية العلماء في هذا الإطار ستأتي بكل خير إذا تميزت بالديمومة والصبر والإصرار على تذليل كل عقبة وتجاوز كل خلاف، ندعو السياسيين والأحزاب إلى أن يتنحوا جانباً وأن تكتفي الدولة بضمان الأمن للجميع والعمل على منع الاحتكاك بين غلاة الجانبين، وكذا تحقيق العدالة الاجتماعية بالمنطقة لمعالجة شعور البعض بالتمييز والإقصاء، أما مهمة إرساء قواعد الصلح والتسامح والتعايش فينبغي أن تُترك للعلماء والدعاة والخيّرين من أبناء الوطن، فذلك أدعى لنجاحها.

لقد علّمنا التاريخ أن الفتن المذهبية أو العرقية لا تأتي بخير أبداً، ولا يجني منها أحدٌ أيّ مكسب سوى أعدائهم، فهي تخرّب الديار وتسمِّم القلوب وتملأها بالضغائن والأحقاد، وتبث العداوة والبغضاء بين المسلمين، وتُغرقهم في النزاعات وتمزق وحدتهم وتشتّت صفوفهم وتذهب ريحهم… فدعوها إذن يا أهلنا في غرداية.. دعوها فإنها منتنة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!