-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

يجب أن تصنع الموت.. حياة

يجب أن تصنع الموت.. حياة
ح.م

الفاجعة التي ألمّت بمجمّع الشروق، برحيل ربان السفينة الأخ علي فضيل، أعادتنا إلى السنوات الخوالي، التي جعلت المجمّع شاهدا على الأزمة التي عصفت بالجزائر وعلى محاولات إنقاذ البلاد من زمن إلغاء الانتخابات التشريعية واغتيال محمد بوضياف إلى زمن تحكُّم آل بوتفليقة في الحكم ونسمات الحراك الشعبي، وكيف فشلت الجزائر في إيصال السفينة إلى برّ الأمان، وكيف واكبت الشروق الأحداث الجسام تغطيةً ومحاولة لإيجاد الحلول في فترات كان اليأس قد بلغ الحلقوم.

لقد تمكّن الأستاذ علي فضيل بطريقة جزائرية محضة، من إنجاح كل المشاريع التي حاول فيها وضعَ تقاليد إعلامية جزائرية، ورفض كل محاولات تبنّي الشروق من السلطة ومن المتحكمين في زمام الأمور ماديا وسياسيا.

وكل أيادي النظام الحديدية من دون استثناء ضربت الشروق، وحاولت إضعاف شوكة مصداقيته ووطنيتها، فجّرت العدالة المئات من الصحافيين والمراسلين إلى أروقتها، ولم ترحم أقلامهم في بعض الأحيان وصعقتهم بغرامات أثقلت كاهلهم، إلى درجة أن بعض الصحافيين والمراسلين كانوا لا يخرجون من قضية جُنح، حتى يدخلوا قضية أخرى، وطرق رجال الأمن أبواب الشروق وجرّوهم إلى الاستفسارات والتحقيقات، وسقط رجالٌ ونساء من أسرة المجمّع شهداء في زمن المحنة، وشتّت الترهيب والتهديد عائلات شروقية، وسنكون واقعيين ومنطقيين، لو ربطنا مرض السيد علي فضيل بهذه الأوجاع المهنية التي عانى منها رفقة العديد من الصحافيين، فتألّم القلب وأنّ، ثم توقف عن الخفقان.

سيكون من الإجحاف أن لا نربط أي نجاح أو على الأقل اجتهاد في عالم الصحافة في الجزائر بما حققته الشروق، التي كانت أول من يفتح أوراق الذين قدّموا للبلاد في مختلف العلوم، وتبادِر إلى تكريم كبار البلاد من أمثال الشيخ عبد الحميد بن باديس والمفكر مالك بن نبي والعالم نايت بلقاسم والسياسي عبد الحميد مهري… إيمانا منها بأن موت الكبار، لا يمكن سوى أن يكون بداية لحياة، من الوفاء لمبادئهم إلى المواصلة على دربهم، وكذلك يجب أن يتواصل وهج الشروق وضياؤها، كما عهدناها مُدافِعة عن ثوابت البلاد من لغة ودين وتراث وأخلاق وقيم ساهم فيها هؤلاء الرجال ومنهم الراحل عن الدنيا الأستاذ علي فضيل.

الآن وقد اختار الله سبحانه وتعالى موعدا للأخ علي فضيل لأن يترك مواجع الدنيا، ليلحق بالرحمة الخالدة، يجب على من ورثوا الكنز المعنوي الذي تركه، أن يكونوا مثل البنيان المرصوص الذي شيّده أو ساهم في تشييده، يشدّ بعضه بعضا، ومثل الجسد الواحد الذي كان قلبا خفاقا فيه، إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى باقي الجسد بالسهر الحمى، حتى يزداد هذا البنيان صلابة وهذا الجسد عافية.

وكما صنع موت كبار البلاد، حياة جديدة لشعبها، فإن رحيل مشيّد الصرح الإعلامي الكبير، سيعلن عن ميلاد جديد للشروق التي أضاءت ذات سنة 1991 ولن تغرب أبدا.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!