-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

يوم عرفة.. اليوم المشهود الذي تخفق فيه القلوب وتدمع العيون

سلطان بركاني
  • 3365
  • 0
يوم عرفة.. اليوم المشهود الذي تخفق فيه القلوب وتدمع العيون

في ساعات هذا اليوم المبارك، يقف حجاج بيت الله الحرام على صعيد عرفات، وقفةً تشرئبّ لها أعناق المسلمين في كلّ مكان، وتخفق لها قلوبهم، وتدمع عيونهم؛ يحسّ العبد المؤمن وهو ينظر إلى تلك الجموع الهائلة على ذلك الصّعيد الطّاهر، برقة في قلبه ونشوة في روحه، وهو يرى فقر الخلائق إلى الله، وهو يرى تضرّعهم وبكاءهم بين يدي الله، بين يدي أرحم الرّاحمين وأكرم الأكرمين، أكفّ ارتفعت إلى السّماء ودموع سالت على الخدود، فما أعزّ الإنسان يوم يبكي بين يدي مولاه، يوم يتذلّل لخالقه يدعوه ويخشاه، وما أتعسه حين ييأس من رحمة الله ويظنّ أنّ الله لا يغفر الذنوب ويستر العيوب، يقول الإمام ابن المبارك عليه رحمة الله: جئت سفيانَ الثوري عشية عرفة، وهو جاث على ركبتيه وعيناه تهملان، فقلت: من أسوأ هذا الجمع حالا؟ قال: الذي يظنّ أنّ الله لا يغفر، الفضيل بن عياض عليه رحمة الله نظر إلى تسبيح النّاس وبكائهم يوم عرفة فقال: أرأيتم لو أنّ هؤلاء صاروا إلى رجل فسألوه دانقا (سدس درهم) أكان يردّهم؟ قالوا: لا. قال: والله للمغفرة عند الله أهون من إجابة رجل لهم بدانق.

 يومٌ كان الصّالحون من عباد الله يعرفون قدره، ويُظهرون فيه الفقر والتذلّل والمسكنة بين يدي الله، ويرفعون فيه الأكفّ بالدّعوات ويغسلون الخدود بالدّمعات، ويمدّون الأيدي بالصّدقات.

يوم  تعتق فيه الرّقاب، ويتاب على كل من تاب وثاب وأناب، في صحيح مسلم عن أمّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنّ نبيّ الرحمة عليه الصّلاة والسّلام قال: “ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدا من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة فيقول: ما أراد هؤلاء؟؛ يباهي الحنّان المنّان سبحانه الملائكة بعباده المؤمنين ويقول: “هؤلاء عبادي جاؤوني شعثا غبرا يرجون رحمتي ويخافون عذابي ولم يروني، فكيف لو رأوني؟“.. فهنيئا هنيئا لمن أخلص قيامه ودعاءه لله في ذلك المقام، وهنيئا هنيئا لمن صام هذا اليوم يبتغي الأجر والمثوبة من الله، وأسبل دمعاته خوفا ورجاءً لخالقه ومولاه.

إنّ الفلاح كل الفلاح والنّجاح كل النّجاح حين يحسّ العبد المؤمن في آخر ساعة من ساعات هذا اليوم حين تغرب الشّمس أنّ ذنوبه قد غربت معها، يحسّ أنّ حملا ثقيلا من الذّنوب والخطايا والأوزار قد ألقي عن ظهره، وأنّ مولاه جلّ في علاه ربّما يكون قد أذن بعتقه من النّار، وكتبه في سجلّ السّعداء الذين يدخلهم دار الأبرار.

لأجل هذا فإنّ عدوّنا إبليس يعيش في ساعات هذا اليوم أتعس ساعات حياته، وقد امتلأ جوفه حسرة وكمدا، وهو يرى عباد الله يُعتقون الواحد تلو الآخر، يقول المصطفى عليه الصّلاة والسّلام: “ما رُئِيَ الشيطان يوماً هو فيهِ أصغرُ، ولا أَدحر، ولا أَحقر، ولا أَغيظ منه في يوم عرفة، وما ذلك إلاّ لِما رأَى من تنزّل الرَّحمة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!