.. في خدمة “الإضارة”!
تخلف “الإضارة” الجزائرية عن ركب التاريخ، ونكوصها بعد محاولة إصلاحها قبل نحو 20 سنة، جعل المواطن يشعر أنه في قبضة “الإضارة”، متهما دوما بالاحتيال والالتفاف على قوانينها. فالمواطن متهم إلى أن تثبت براءته! هذه هي القاعدة التي تسير عليها بيروقراطية “إضارتنا”، مما يضخم من الملفات ويجعل كل وثيقة من الملف مرتبطة باستخراج ملف كامل لإثبات صدقية الوثيقة! وكل ورقة أصلية، مطالب أنت كمواطن أن تصادق عليها مصالح البلدية لتصدق أنها كذبت وأنك من الصادقين.
ونحن نمر مرور الكرام على ذكرى الفاتح من نوفمبر 54 ويوم عاشوراء، نتساءل: ماذا قدمنا حتى نقدم الزكاة عنده: هل من نصاب مع كل هذا النصب؟ وماذا ضيعنا حتى نقدم تعويض ثمنه؟
وجدت نفسي إزاء هذا التساؤل أنام غير قرير العين على قرار إلغاء شبابيك المصادقة على النسخ طبق الأصل التي كثيرا ما أثقلت كاهل المواطن وملأت جيوب أصحاب الأكشاك المجاورة! لأجد نفسي “ميرا” برتبة “أمير” على إحدى البلديات! أسير بلديتي بما تهوى نفسي! قلت لهم: لا أقبل أن أوقع على ملف أو وثيقة من دون أن أتأكد من صحتها ولو كنت أنا من وقعها! لهذا، ومع منع طلب نسخة طبق الأصل، سأعمل على إدخال “القسم” عند استخراج أي وثيقة: قسم مثلث! بالقرعان، بسيدي بن ضبيعة، وبراس بويا أو راس أما العزيزة أو راس ولدي أو بنتي (فلانة). هكذا، جعلت أمام كل شباك وموظف ثلاث حاجات: مصحف ومجسم صغير لضريح سيدي بن ضبيعة، ووثن لرأس امرأة وآخر لرأس رجل (هذه هي الروح “الوثنية”!). وعلى كل مستخرج لأي وثيقة، أن يقسم ثلاثا: بالقرآن قائلا بهذه الصيغة: حق هذا “القرعان العظيم ما راني نكذب ولا نزور ولا نخدع باش نسرق وإلا باش نطرافيكي”. نفس الشيء في القسم الثاني: “حق سيدي بن ضبيعة ماراني نكذب… إلخ”. ثم يستخرج دفتره العائلي ويقسم “برأس” أحد أفراد عائلته الأحياء، وعليه أن يقدم الدليل والإثبات على أن المقسوم به حي يرزق (حتى ولو كان لا يرزق!). عندها يقول له الموظف: وكلت عليك ربي. الله لا يربحك إذا كنت تكذب! ثم يعطيه الوثيقة المطلوبة.
هكذا، حاولت أن أعمم هذه الطريقة في محاربة الغش والتدليس بعد أن طلبت من الإدارة العليا التخفيف من الإجراءات البيروقراطية والتوقف عن طلب نسخة طبق الأصل لكل وثيقة غير صادرة عن البلدية. قمت بنشر هذا الإجراء، بالتفاهم مع الأميار المجاورين، ثم بعدها بأشهر عمم على مستوى الدائرة، وبعد سنة شمل هذا “الإصلاح” كامل التراب الولائي، والآن نأمل أن يعمم على المستوى الوطني.
وأفيق من نومي وأنا أقول واليوم عاشوراء: عليها بقات بلادنا عشور!