-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

4 أزمات عالمية تخدم الجنوب 

4 أزمات عالمية تخدم الجنوب 

تخدم الأزمات الكبرى التي عرفها العالم في السنوات الأربع الأخيرة بطريقة أو بأخرى بلدان الجنوب. تتجلى الخدمة الأولى في كون مسرح الصراع في الأزمة العسكرية الحالية الجارية في أوكرانيا انتقل لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية من أقاليم دول الجنوب إلى الشمال. الحرب هذه المرة في أوروبا وبين الرجل الأبيض، ولأسباب جيوإستراتيجية بحتة. انتهت معها نظرية صدام الحضارات، ولم تعد الحَملة الموجَّهة ضد المسلمين والفقراء، باعتبارهم سبب الحروب ومصدر الإرهاب ذات مصداقية. اليوم الصراع في أوكرانيا تجلّى في صفته الجيواستراتيجية أكثر من أي وقت مضى، إنه لا يجري داخل الإطار المسيحي فحسب، بل بين فصائل مسيحية كانت إلى وقتٍ قريب متقاربة فيما بينها، أي بين مُكوَّنَين من ذات الكنيسة الأرثوذوكسية (الروس والأوكران)، لا دخل للديانات الأخرى في ذلك.. إنه صراعٌ يعفي الدين من كونه السبب كما روّجت لذلك ولمدة طويلة وسائلُ الإعلام الغربية.

الخدمة الثانية تتجلى في كون الحاجة إلى الجنوب ازدادت، والضغط على حكوماته قَلّ. الكل اليوم في حاجة إلى المعادن والطاقة واليد العاملة المتوفرة بكثرة في الجنوب. هناك تودد لهذه الدولو حتى تمد الغرب بالغاز، وتقرب من تلك حتى تزودها بالمعادن، ورجاء من الأخرى حتى لا تميل إلى الصف الروسي خاصة. أصبح هناك خوفٌ كبير من أن تتمدد روسيا في إفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية، وتُصبح الجهة الداعمة بكافة الوسائل للراغبين في التحرر من الاستعمار الجديد، بنفس الكيفية التي كان عليها الاتحاد السوفياتي ذات يوم، بل إن هذا التخوف أصبح حقيقة وقد رُفعت الأعلام المسانِدة لروسيا في مظاهرات حاشدة في أكثر من بلد إفريقي، وإلى جانبها رُفعت الأعلام المناهِضة للقوى الغربية التقليدية على شاكلة ما حدث بالأمس في بوركينا فاسو عندما أَيَّدت الحكومة البوركينابية المطالب الشعبية برحيل القوات الفرنسية وأمهلت هذه الأخيرة شهرا لمغادرة البلاد، مؤكدة أن التحوُّل الحاصل في دول الساحل ليس ظاهرة عابرة إنما اتجاهٌ مستقبلي يدل على تحول جوهري قادم داخل القارة الإفريقية وفي أغلب بلدان الجنوب.

أما الخدمة الثالثة فتتجلى من خلال الآثار المحدودة التي تركتها جائحة كورونا على دول الجنوب. لقد بات واضحا لأسباب غير مدروسة إلى حد الآن أن الخسائر البشرية في البلدان الفقيرة أقل بكثير من مثيلاتها في البلاد الغنية، وبخاصة الولايات المتحدة الأمريكية الخاسر الأكبر في هذا المجال، وذلك برغم ضعف الرعاية الصحة وضعف الوسائل المادية المخصصة لمحاربة فيروس كوفيد 19، بعبارة أخرى أن أزمة “كورونا” وما ترتب عنها، لم تزد أوضاع الجنوب تدهورا على ما كانت عليه، بل أعطتها فرصة لمراجعة سياستها مع نفسها ومع الغرب.

أخيرا الخدمة الرابعة، تتمثل في كون بلدان الجنوب تأكدت من أنها مهمة لبعضها البعض قبل أن تكون مهمة للآخرين، وهكذا بدأ الشعور بضرورة التعاون بين الأفارقة والآسيويين وسكان أمريكا الجنوبية “الفقراء” يزداد، وبدأت مسألة التعاون بين دول الجنوب تتحول من حلم إلى واقع. ويُتَوقَّع أن تعرف السنوات القادمة زيادة في التعاون بين بلدان الجنوب بشكل مضطرد.

هذه الحقائق الأربع تؤكد أن العالم، عرف تحوُّلات كبرى في الأربع سنوات الأخيرة، لأول مرة تؤرق الدول الصناعية الكبرى، وتجعلها تخاف من المستقبل، ولأول مرة تجعل الشعوب المضطَهَدة، تشعر بأن يدها طليقة لصناعة مستقبلها كما تريد، وهو وضعٌ متميز ينبغي أن نُحسِن التعامل معه، إذا أردنا التأثير في مجرى التاريخ والمساهمة في صناعته من وجهة نظرنا نحن، لا من وجهة نظر الآخرين فحسب، كما كان لمدة قرون من الزمن.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!