-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

حتى لا يتكرر سيناريو التسعينيات في 2020

حتى لا يتكرر سيناريو التسعينيات في 2020
الأرشيف

لعلّ الهوة القائمة بين الأجيال في الجزائر هي أكبر خطر استراتيجي يهدد كيانها الحديث، أكثر من التهديدات الاقتصادية والأمنية والمتعلقة بالتماسك الثقافي، لقد بات واضحا اليوم أن الجيل الثالث ممن ولدوا بعد الثمانينيات أصبح من حقهم التطلع لتسيير شؤون البلاد في حدود سنة 2020، في الوقت الذي يرون الجيلَ الثاني الذي ولد غداة الاستقلال أو عشيته قد هرم من غير أن يُمكَّن من ذلك، وجيل ثلاثينيات القرن الماضي مازال يُصر على البقاء والتسيير والتحكم ضد كل قوانين الطبيعة، ومنطق التاريخ القائم على التداول والتكامل وإعطاء كل جيل فرصته.

بالفعل هناك ما يمكن أن نُسمّيه بتكريس منطق جناية جيل على جيل في بلادنا، بدل العمل بمنهج تكامل الأجيال المطابق للطبيعة والمتماشي مع منطق التاريخ، الجيل الذي صنع الثورة يُفترض أن تكون مهمته القيادية قد انتهت مع بداية التسعينيات، ليس للعودة إلى البيوت وانتظار الموت، إنما ليفسح المجال للجيل الذي وُلد قبيل أو غداة الاستقلال وتعلم في المدارس الجزائرية ليتبوّأ أماكن القيادة الأولى، ويتفرّغ هو للتوجيه أو الإشراف على مرحلة الانتقال بسلاسة.

هذا الأمر لم يحدث، بل العكس تماما هو الذي حدث، حيث بمجرد أن بدت الإشارات الأولى لرغبة هذا الجيل في تحمل مسؤوليته لتسيير شؤون البلاد حتى تمت مواجهته بعاصفة هوجاء من الرفض تحت غطاء الخوف على مصير الدولة أو عدم الثقة في ما يحمله هذا الجيل من رؤية جديدة للبلاد، وينبغي أن لا يتكرر هذا مع جيل سنة 2020.

لقد تزامنت بداية التسعينيات مع وجود تيار صاعد في المجتمع تمكن من الحصول على القدر الكافي من العلم، أصبح في حاجة إلى أن يوازيه بما يتناسب معه من سلطة، وفق القاعدة الاجتماعية المتعارف عليها، تمثل هذا التيار في ذلك الجيل من الشباب الذي تعلم في مدارس الاستقلال وحصلت أعداد منه على قصد وافر من المعرفة بفضل سياسات التكوين الصارمة في الداخل، وتلك البعثات المتعددة التي أرسلت إلى الخارج، وعادت جميعها لخدمة الوطن، إذا استثنينا بعض الحالات المحدودة.

هذا الجيل الذي حصل على نوعية عالية من التكوين كان يُفترض أن يقود البلاد في الوقت المناسب، وأن يُحمَّل المسؤولية كاملة في حينه، باعتباره جيل المستقبل، وثمرة جهد جيل الثورة، ما الذي منع أن يحدث ذلك؟ وما الذي فَوَّت فرصة التحوّل في تلك الفترة واستبدلها بحالة الاضطراب والدخول في العشرية السوداء؟ من كانت له المصلحة الأولى في ذلك؟

ينبغي الوقوف جيدا عند هذه الأسئلة باعتبارها ستُمكننا من القراءة الصحيحة للتعامل مع الجيل القادم، فضلا عن تمكيننا من تفسير موضوعي لما عُرف بصعود التيار الإسلامي، ولحالة الصراع التي عرفتها بلادنا، بما في ذلك تصاعد الظاهرة الإرهابية واستهدافها نخبة هذا الجيل، إما بالقتل المباشر أو غير المباشر أو بالنفي والتشريد.

في تقديرنا، لم يكن صعود التيار الإسلامي في جوهره سوى تعبير عن تشكّل لمجموعات كبيرة من الشباب كان بينها رابط مشترك تمثل في حصولها إلى جانب المعرفة بمختلف أنواعها في الجامعات الجزائرية والأجنبية، على قسطٍ من العلم الشرعي مكّنها من العودة إلى الذات ومن طرح مسألة الهوية والانتماء، هذه المجموعات بدل أن تجد القناة الاعتيادية لترجمة تطلعاتها في شكل سياسات جديدة في المجتمع وجدت نفسها تُدرَج ضمن تيار ما فتئ يتحوّل من الاعتدال إلى الراديكالية في الطرح، كلما منعه الجيل المتحكم في مقاليد الأمور من التعبير عن ذاته أو حتى من الوجود، إلى أن وصل الأمر إلى حد القطيعة الكبرى برفض مشاركته في الحكم ممثلا في الجبهة الإسلامية للإنقاذ التي استوعبت شريحة كبيرة منه، وما تَبِع ذلك من الدخول في منطق المواجهة والتصفية المتبادلة والعنيفة التي أودت بأعدادٍ كبيرة من الطرفين، كان العامل المشترك بين ضحاياها: الانتماء للجيل الثاني، لقد شكَّلوا بالفعل الأغلبية الساحقة من ضحايا المأساة التي عرفتها بلادنا، إن قتلا أو تشريدا أو إقصاء، وعلى كافة الجبهات.

وهكذا بدا واضحا أن العشرية السوداء لم تكن فقط مرحلة تم فيها بروز الإرهاب والقضاء عليه، بل كانت مرحلة تم فيها منع جيل بكامله بأن يتحمل مسؤوليته كاملة في قيادة البلاد؛ أي تأجيل مهامه إلى حين، وجعله يكتفي بالبقاء في دائرة القرار الثانية، على أقصى تقدير، في كافة المستويات، وقد كرسّت انتخابات 1999 هذا المنهج، وعمَّقه تعدد العهدات الرئاسية ومازال إلى اليوم، وتم اجتياز مرحلة الانتصار على هذا الجيل بامتياز، إن ترويضا أو إبعادًا أو مواجهةَ.. لقد استخدمت جميع الوسائل وتم تحقيق ذلك، هذا الجيل هو اليوم بين مُروَّض أو مُقصَى أو مُقضَى عليه، والنماذج الحية ساطعة في أكثر من مكان، فهل تم التمكين للدولة من الاستمرارية والبقاء من خلال هذا الأسلوب أم أن هناك خطرا داهما ينتظرها؟

المشكلة تُطرح عند هذا المستوى عندما نعرف أن الجيل الثالث قد أصبح قاب قوسين أو أدنى من أن يصل إلى مرحلة المطالبة بالحق الطبيعي في أن يقود ذاته، مَن الذي سيربطه بالجيل الأول وبينهما بون شاسع من الفروق والزمن؟ مَن الذي سيمنع حدوث قفزة في الأجيال في بلادنا؟ ومَن يضمن أن تمر هذه القفزة بسلام؟

يبدو لي أننا يمكن أن نكرر التجربة ذاتها مع الجيل الثالث في حدود سنة 2020 عندما يصل هذا الجيل إلى قمة النشاط الاجتماعي والسياسي.. وإذا لم نستبق هذا بعملية ربط سريعة للأجيال، فإن زلزالا أكبر من الذي حدث في بداية التسعينيات سيضربنا ولن يحمل عناوين أحزاب سياسية معتمَدة ونظامية تعترف بالقانون، بل سيأخذ رموزداعشوما شابهها، وعندها فقط سنكتشف بأننا قد أصبحنا ضحية لعبة دولية أخرى، بخيوط محلية، بعد أن يكون قد فات الأوان.

 

علينا أن لا نترك ذلك يحدث، وأمامنا أقل من خمس سنوات؟ هل نفعل؟ هل نستبق الفعل؟ أم نبقى في الانتظار؟

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
  • حسين

    المشكلة في الجزائر ان القطيعة بين الاجيال مست جميع النخب و المؤسسات السياسية و الاقتصادية و التربوية و العلمية و الثقافية و الاجتماعية و النقابية ..ولم تقتصر على منظومة الحكم و مجموعاته المسيطرة و انما شملت جميع الفئات و الاطر المنظمة للحياة و تقديري ان سبب ذلك ان دولتنا بجميع مؤسسلتها و نخبها فشلت في التأسيس لمشروع وطني حقيقي يكون اساسه احترام الحريات و المواطنة و اهدافه بناء مؤسسات ديمقراطية ممثلة لارادة الشعب و ونعبر عن خياراته و العمل على بعث التنمية الوطنية و التحرر من التبعية و الهيمنة .

  • صالح

    الهوة ستتسع أكثر حينما نتأكد بوجود نقص فادح في الوعي السياسي وفي التمكن من العلم بسبب ضعف أداء الجامعات، ضف إلى ذلك تطور الاتصالات الإلكترونية وما تلعبه من أدوار في توجيه الشباب لممارسة انشطة تكون في خدمة القوي في أغلبها تدميرية للبنى التحتية وللثقافات الأصيلة لبلداننا.

  • بدون اسم

    المشكل فينا جميعا دون استثناء من جيل الاستقلال إلى جيل الاستغلال؟؟؟

  • بدون اسم

    الجيل الصافي النفي الطاهر الذي لم تلطخه شائبة من قول أو فعل هو جيل (من 20 إلى 35 سنة -من 2000 إلى 1980).هذا أنظف جيل على الإطلاق في تاريخ الجزائر بعد المجاهدين و المجاهدات في سبيل الله من 1830 إلى 1962.

  • أوسمعال سي براهيم

    يتبع، الحكم بضبط مساره وغاياته التي على اساسها يفسر العمل ويقيم بانصاف وعدل،وما عدا ذلك لايقدم وانما يؤخر الجهد ويضيع المصلحة التي ننشدها بشتى الطرق،تاكد بان ترقية تعاملنا بالافكار على اساس تاثيرها في حياتنا ايجابا اوسلبا هو الذي يحدد موقفنا اتجاه القائمين على العمل ومنفذيه بغض النظر عن الجيل الذي ينتمي اليه صاحب الفكرة او القائم على تنفيذها،وهذا المسعى ينظم رتب العمال في الجتمع على كفاءة تصميم الافكار وقدرة انجازها حسب الحاجة اليها وهذا سيقضي على الاحتكار في جميع صوره وظواهره الفاسدة.

  • أوسمعال سي براهيم

    سلام الله عليكم ورحمته و بركاتهه،صح رمضانكم،مشكلتنا ليست في الأعمار ولافي الأبدان وانما في الافكار والاعمال،الخروج من الدائرة المفرغة لصراع الاجيال الى الدائرة المتكاملة الاندماج التي تسمح للجميع بالعمل وفق طاقاتهم وقدراتهم دون اقصاء او تهميش،فالجزائر في حاجة الى كل فرد من افرادها للمساهمة في تنميتها وتطورها، اننا في حاجة ماسة لفهم انفسنا حتى نفهم غيرنا ،فعندما ننخرط في نظام تحكمه افكار لاتخدم وجودنا يكون عملنا ضال بدون هدا لا يهم طبيعة افراده ، نقل التنافس الى هذا المستوى هو الذي يعدل منطق الح

  • بدون اسم

    مقال مثير يستحق التفكير فيه من طرف الجميع سلطة ونحبة و معارضة وكل شرائح المجتمع لانه يمس مستقبل ومصير دولة و اجيال الحاضر والمستقبل رضينا او ابينا فانه يجب تدارك الامور قبل فوات الاوان فالنار اذا اشتعلت لقدر الله تاكل الاخضر واليابس اي الحاكم والمحكوم فهذ الذي يظن نفسه متحكم في رقاب العباد وهو فعلا كان في الماضي وفى اليوم وحتى مستقبلا ايضا ليس له مفر اما ان يغير نفسه ان كان يدرك فعلا حقيقة الوضع وهو امر مستبعد نسبيا واما يغير اويزحز عنوة وهو امر مستبعدا ايضا نسبيا لان كلا الحالتين تخريب لبيوتنا

  • mostefa الجيل الثاني

    لقد نفيتم في مقالكم هذا قظاء الله و قدره و ان نظرية الاجيال هذه ليست صالحة عند حكام العرب !!!!

  • مواطن من عين صالح

    لايمكن لهؤلاء الديناصورات ان تحكم جيلا ليس من اجيالها فكيف يتفاهم شاب فى الثلاثين او العشرين مع شيخ لايعرف كيف يشغل كومبيوتر

  • قادة عبدالقادر

    اي دون الخمسين من العمر السن التي فيها يكون العطاء لخبرة و تشبع من العلوم والمعارف والتجارب المعيشيةوالقيادية بدءا من مستويات دنيا واطلع الى ان قطعوعهم حتى يبقون على ظهر الجزائر و الجزائريين يواصلون فسادهم و يصدرون فشلهم ويلقنون الدروس في التفرعين على المساكين.لان بيدهم السلطة وتراهم يسخرون من المتعلمين ويقولون اعطوني فاهم والله لاقرى.هل بهذاالمستوى يبقى للفرد قابليةلكسب العلم والمعارف والاجتهاد والتنافس الشريف من يقدم الاحسن وقتل الطموح وتثبيط المجهودات ونزع الارادةلبلوغ العلى وقبرالامل المنتظر

  • قادة عبدالقادر

    تسليم المشعل والتداول عن القيادةبين الاجيال للبلادوالعبادواعطاء دم جديد للتطوير ونماوالوطن وجيلنا طاب جنانو وعلى الشباب ان يحضر نفسه لاستلام مهامه كله كلام كما تقول الحاجةالزهرةرحمها الله:"حديث الليل زبدةلما تطلع الشمس يذوب".كلام لامعنى له اليوم في جزائرالقرن الواحدوالعشرين الذي دشنته بعهدات متتالية لدينصورات القرن التاسع عشر.هذه:"ليس للعودةإلى البيوت وانتظار الموت".هذاطبقوه على جيلك وجيلي حيث ان اغلب الكفاءات همشت او صرحت عنوة او اجبرت على الموت قاعد وهم في سن العطاء لخبرة حيايتةوعلميةوقيادية

  • بدون اسم

    أعذرني ياأستاذ ان قلت لك(راك أتهرس في الماء)المتواجدون في هرم السلطة او الحكم لايعرف شيئا عن ماتتحدث عنه..هم ليسوا غير(ملاكي)الارض ومن فوق الارض...هم يعتقدون بل مؤمنين انهم ارباب والرب لايحاسب.ولا يتنازل هكذا هم..

  • بدون اسم

    هم السبب في هذه الهوة بين الشباب والعجائز او الاراجوزات الحاكمة والمستولية على المسؤولية والحكم..من في الحكم هم من يخلقون هذه الهوة.