-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
من خلال كتاب "السنة النبوية للغزالي"

إشكاليات المنهج والوعي عند شباب الصحوة 2 

التهامي مجوري
  • 707
  • 3
إشكاليات المنهج والوعي عند شباب الصحوة 2 

فأبرز ما عرف به الغزالي في كتاباته ومحاضراته التركيز على كليات الدين كما هو عند المقاصديين ورجال الإصلاح، وليس طريقة الفقيالتي تنظر في الجزئية من خلال لفظة او مفردة في القرآن أو في السنة، مبتوتة من إطارها الكلي المفضي لقصد الشارع، ومن هذه المسائل الكلية مسألة المنهج الذي تخضع له البشرية برمتها، متدينين وملاحدة ولاأدريين.

العودة إلى المنهج

والذي أراه غاية من صدور هذا الكتاب في تلك الأيام أن الشيخ كان يريد دعوة الناس وشباب الصحوة خصوصا العودة إلى المنهج، الذي لا يعتني بالتعلق بأحكام معينة في مسائل خلافية، ولا يهتم باستنساخ تجارب معينة دون النظر في محتوياها، وإنما كان يريد العودة إلى كليات تأسيسية ناظمة لمئات المسائل الجزئية تحتها، فيما يعرف بالتوجه الأصولي المقاصدي…، والمعروف عن الشيخ الغزالي قد درس الموافقات للشاطبي في الأزهر ربما اكثر من مرة.

وعندما طلب منه المعهد العالمي للفكر الإسلامي تأليف كتاب ينصف فيه السنة النبوية، ويذود عنها جراءة القاصدين وذوي العقول الكليلة، -يقول- رحبت بهذا التكليف بل لعله وافق رغبة في نفسي ومن ثم سارعت  إلى التنفيذ[1]، ولماذا وافق الطلب رغبة في نفسه؟ لأنه كان مشغول البال في الموضوع دائما لما يلاحظ من مشكلات وهمية تعيش في ظلالها الأمة، ولذلك قال “فغايتي تنقية السنة مما قد يشوبها وغايتي كذلك حماية الثقافة الإسلامية من ناس قيل إنهم يطلبون العلم يوم السبت، ويدرسونه يوم الأحد، ويعملون أساتذة له يوم الإثنين، اما يوم الثلاثاء فيطاولون الأئمة الكبار ويقولون نحن رجال وهم رجال”[2].

وهذا القصور الذي لاحظه الشيخ على هؤلاء الشباب القصور المنهجي في فهم الإسلام وتبليغه؛ والقصور المنهجي يجر وراءه مئات القضايا الجزئية، ومشكلاتنا الجزئية كلها خاضعة للمراجعة والتقييم، ولذلك عندما أثار تلك المسائل الموجودة في الكتاب، لم يكن يعنيه أن يكون الأصح أن تكون المرأة قاضية أو رئيسة دولة أو لا تكون، بقدر ما كان يثير أهمية المقياس الحقيقي الذي وضعه الله في قرآنه: الإيمان والعمل الصالح، ومستوى التقوى والفاعلية، وليس الأنوثة والذكورة، ولذلك كان يفترض لو أننا وجدنا كفاءة عالية في المرأة، ولم نجدها في الرجل كيف يكون الأمر؟

هل نقول “لن يفلح قوم ولوا أمرهم إمرأة” كما هو ثابت في السنة؟ أم أننا نعيد النظر في فهمنا لهذا الحديث؟ ونعدل من آرائها ومواقفنا؟ ولم يكن يعنيه أن يتعذب الميت ببكاء أهله عليه تحسرا على ما وجد في البرزخ، أو لأنه لم يوصي بعدم البكاء عليه، بقدر ما كان ينفي عذاب الشخص بمعاصي غيره، ومن ثم فظاهر الحديث “يعذب الميت ببكاء أهله عليه”، لا يمكن أن يكون ظاهره مقصودا، وإلا بطل قوله تعالى (لا تزر وازرة وزر أخرى)، وهكذا في الكثير من المسائل التي ناقشها في الكتاب.

إن المنهج الذي سار عليه النبي صلى الله عليه وسلم، لا يناقض القرآن الكريم ومقاصده، ولا يناقض مكارم الأخلاق التي جاء النبي لإتمامها، ولا يناقض مسلمات الفكر الإنساني التي كانت قبل الإسلام أو التي ظهرت بعده، ومن ثم فإن كل فضيلة تظهر في الوجود إلا وللإسلام حظ فيها ولها حظ في الإسلام؛ لأن الإسلام هو نظام الله الخالد المتناغم مع سائر النظم التي وضعها الله ليسير وفقها الكون.

قد تطهر بعض الأمور التي تفرضها الخصوصيات الفردية عند الناس، كليات الدين لا تنفيها بل تقرها على ألا تتحول إلى بديل للمنهج، فالمبالغة في بعض السلوكات والعبادات لدى الأفراد مشروعة لكونها خصوصيات فردية، ولذلك لم ينكرها أحد على أحد في الغالب، في الصدر الأول مثل تشديدات ابن عمر، ورخص ابن عباس، وزهد أبي الدرداء وأبي در الغفاري، ولكن المنكر والمستهجن أن تتحول هذه الخصوصيات إلى منهج مثل الثلاثة الذين تقالوا عبادته صلى الله عليه وسلم، فقال أحدهم أنا أصوم ولا أفطر، وقال الآخر أقوم الليل ولا أنام، وقال الثالث لا أتزوج النساء، فلما سمع النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، جمع الناس وقال ألا وأني أتقاكم إلى الله وانني أصوم وأفطر وأقوم الليل وأنام وأتزوج النساء “ومن رغب عن سنتي فليس مني”، وهذه البراءة ممن فعل ذلك لا تشمل الخصوصيات الفردية، وإنما هي موجهة لمن أراد التدخل في المنهج؛ لأن هؤلاء الثلاثة لو استمروا لأصبحوا جماعة فتكتلا فمذهبا والنبي بين أظهرهم؛ لأن ما عزموا على فعله تغيير لطبيعة التشريع التي يطيقها كل الناس، أما الخصوصيات فهي خاصة بأصحابها، فلا يجوز تعميمها.

خطورة الخروج عن المنهج

وخطورة الخروج عن المنهج إضافة إلى تشويه فهم النصوص بسبب الخلط بين جزئياتها وكلياتها، هي تأسيس لتجزئة الدين وإفساد مقاصده عن قصد أو غير قصد، فيضخم الإهتمام ببعض الجزئيات بحيث تتحول إلى قضايا أهم من الكليات…، فالأخوة في الله مسألة مركزية في القرآن، وهجران المبتدع اجتهاد فقهي، لكن عند من يضخم هذا الهجران، بحيث يصبح الخوف من المبتدع فيتحول إلى عنصر أخطر على الإسلام من الكافر الأصلي!!، فتلك مشكلة، ناهيك عن فساد هذا المنحى عندما يكون هجران المبتدع مقدم على التعبير عن أخوة المؤمن للمؤمن.

ثم إن هذه الفهوم التي يسوقها هؤلاء الخارجون عن المنهج، هي التي تعرض على العالم على أنها هي الإسلام، وهذا خطر أكبر؛ لأن المؤمن الذي كان هذا شأنه هنا يصبح فتنة للذين كفروا كما هو فتنة للذين آمنوا على حد سواء؛ لأن ما يتبناه من فهوم خاطئة يستقبله غيره على أنه هو الإسلام.

وخلال ثمانينيات القرن الماضي حيث كانت الصحوة الإسلامية تملا أسماع العالم وأنظاره كما أسلفنا، كانت مثل هذه المسائل تملأ الدنيا، وكأنها تخرج من مصانع معلبة للإستهلاك، “لقد شاعت الأقوال الضعيفة والمذاهب العسرة ورجحت الآراء التي كانت مرجوحة أيام الازدهار الثقافي الأول”[3]، فكان الواحد منا ينام على مسألة ويستيقظ على أخرى، كلها من المسائل الخلافية التي لا يضر فيها الأخذ بهذا القول أو ذاك المخالف له؛ ولكن ما دامت القضية قضية صراع بين الإسلام العائد لقيادة الأمة وخصومه الطبيعيين، فإن كل ما يعطل عجلة الإسلام فائدة لخصومه؛ لأن المسألة الثقافية في الغالب هي التي تحسم المواضيع، وكل ما يكون الاختلاف والتباين غير الوظيفي تكون هيمنة الخصم أكبر وأكثر فاعلية وأقرب للإحتمال,,.

كل هذه الأمور كان الشيخ الغزالي يدركهما جيدا ويعمل على التنبيه على خطورتها في الواقع… ولكن البعض رأوه خطرا على السنة، وخطرا على الدين باستعمال عقله، كما لاكوا عنه تهما أخرى لا يهم الانشغال ها الآن.

أهمية الوعي في ثقافة الأمة

ومثلما اهتم الشيخ الغزالي في كتابه بالمنهج اهتم أيضا بالوعي، لأننا لا يمكن أن نعمل المنهج من غير وعي، على اعتبار أن الوعي هو عملية إدراك وشعور بالمسؤولية تجاه ما يقع في الواقع ويعيش الناس، يقول الشيخ “أنظر باهتمام شديد إلى الجو الفكري الذي يسود ميدان الصحوة، وأتابع بقلق مده وجزره وخيره وشره وخطئه وصوابه معتقدا أنه يقدر ما يقترب من الحق تساند بركات السماء وخيرات الأرض… لاحظنا أن الحقائق الرئيسية في المنهاج الإسلامي لا تحتل المساحة العقلية المقررة لها، وهذه الحقائق افتقدنا الكثير منها في مسيرتنا التاريخية لا سيما في القرون الأخيرة”[4]، “والخطورة تجئ من أنصاف متعلمين أو أنصاف متدينين يعلو الآن نقيقهم في الليل المخيم على العالم الإسلامي، ويعتمد أعداء الإسلام في أوروبا وأمريكا على ضحالة فكرهم في إخماد صحوة جديدة لديننا المكافح المثخن بالجراح”[5]، وهؤلاء أنصاف المتعلمين، يملكون من الصدق والغيرة على الإسلام الكثير، ولكن عندما يخونهم الوعي لا يمكن أن يقدموا المطلوب ولا أن يحققوا المرغوب.

إن بعض هذا الذي تعاني منها الأمة في ذلك الوقت أي قبل أكثر من ثلاثين سنة، لا تزال الأمة تعاني منه إلى الآن، لا يزال المنهج غائب في حياتنا وبرامجنا الثقافية والدعوية والإعلامية والتربوية، ولا يزال الوعي غائبا أيضا، بسبب ابتعاد نخبنا عن الاهتمام بالشأن العام وغياب الشعور بالمسؤولية تجاه ما يقع في الأمة؛ بل إن الكثير منا لا يزال لا يشعر بأن له دور في الحياة؛ لأن اعتقاده بأنه ابن للسلطة أكثر من شعوره بأنه أبن لهذا المجتمع الذي يعاني معه ما يعاني.

ملاحظة:

أصل هذا الموضوع محاضرة أعدت للإلقاء في ملتقى

الشيخ الغزالي في سطيف، ولكن لم يتيسر ذلك،

فأعدت صياغته وتعديله إلى مقال ليستفيد منه القراء الكرام

[1]– محمد الغزالي، السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث، ص 6

[2]– محمد الغزالي، السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث، ص 7

[3]– محمد الغزالي، السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث، ص 13

[4]– محمد الغزالي، السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث، ص 12

[5]– محمد الغزالي، السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث، ص 8

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
3
  • Quelqu'un

    هذه المقالات للقراءة و التفكير، فاين نحن من هؤلاء العلماء الاجلاء للنقد و طرح التعليقات بعدم نشرها او الابتعاد عنها. حقيفة هذا نقص في النهج و الوعي. رحم الله علماءنا و شيوخنا.

  • محمد

    شباب الإخوان بالأحرى لا شباب الصحوة

  • عبدالقادر

    السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث كتاب الشيخ الغزالي رحمه الله الذي أثار ردود فعل مستنكرة من علماء كبار لايقلون فقها مقاصديا عن الشيخ والذي به سقطات لايمكن الدعوة إليها بتعبير أدبي بلاغي باسم المقاصد، فلا أدري لم يحاول بعث هذا الكتاب بخلاف كتب أخرى لقيت قبولا عن عامة المسلمين غالبا مااستنكره الشيخ في الكتاب من أقوال يقول بها طوائف من أهل الفقه ومن أهل الحديث وأحيانا جمهورهم بل وقد وقع في مخالفة إجماعهم فأين المحتوى وأين العنوان؟ رحمه الله الغزالي وغفر له وهدى القائمين على فكره إلى عدم بعث مايثير في الأمة ااالزوابع العلمية