-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

البريكس الموسع ومشروع طريق الحرير الجديد

محمد بوالروايح
  • 1313
  • 0
البريكس الموسع ومشروع طريق الحرير الجديد

شكّلت الحرب في أوكرانيا بداية لتجسيد فكرة النظام العالمي البديل الذي تسعى الصين وشركاؤها لترسيمه في المرحلة القادمة. وقد جاءت تصريحات الرئيس الصيني “شي جين بينغ ” في منتدى دافوس لتضع هذا النظام موضع التنفيذ، فقد آن للعالم –كما قال- أن ينتقل من عالم أحادي القطب إلى عالم متعدد الأقطاب، عالم تؤدي فيه الصين دورا محوريا كقائد للتحالفات الجديدة من أجل مواجهة تيار “الأمركة” الذي فرض منطقه على العالم.
لقد شهدنا في عز الحرب في أوكرانيا تحركا صينيا لافتا للنظر على الصعيد الاقتصادي والدبلوماسي، وأصبحت أخبارها تتصدّر الصحف العالمية ونشرات الأخبار. لقد ضاعفت الصين من سرعة آلتها الدبلوماسية لتحقق في مدة وجيزة إنجازات غير متوقعة، فقد سارعت دولٌ كثيرة إلى طلب الانضمام إلى التحالف الاقتصادي والسياسي الجديد الذي تقوده الصين في تنسيق وتناغم مع روسيا، واستطاع هذا التحالف أن يكسب ود بعض الدول الإفريقية والخليجية التي ضاقت ذرعا بطغيان النفوذ الأمريكي والأوروبي على حساب مصالح شعوب المنطقة.
لقد وجدت الدول الخمس المؤسسة لتكتل البريكس في ظل الانحياز الأنجلو أمريكي إلى أوكرانيا فرصة للتحرر من هيمنة القطبية الأحادية أو الثنائية التي تمارسها أمريكا وأوروبا وذلك من خلال التفكير في توسيع تكتل البريكس ليضم دولا أخرى في آسيا وأمريكا الجنوبية وإفريقيا، وقبلت بعد مفاوضات في هذا الصدد عضوية إثيوبيا والإمارات والسعودية والأرجنتين ومصر وإيران.
وقد حرصت الصين وروسيا قبل التصويت على الطلبات الجديدة على حل معضلتين اثنتين: أولهما حل الخلاف السعودي الإيراني وحل مجمل المشاكل السياسية والأيديولوجية المتصلة به، وثانيهما نزع فتيل الأزمة السياسية بين إثيوبيا ومصر على خلفية النزاع المائي بعد إقدام أديس أبابا على تنفيذ مشروع سد النهضة الذي يخالف –كما تقول القاهرة- المعاهدات والتفاهمات الموقَّعة بين الطرفين بهذا الخصوص.
إن البريكس الموسَّع يخدم بالدرجة الأولى عضوين قياديين هما: روسيا والصين اللذان يحركهما حلم استعادة النفوذ القديم، فروسيا تسعى لاستعادة دور روسيا القيصرية والصين تسعى لاستعادة دور الإمبراطورية الصينية. وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى عزم القيادة الصينية الجديدة على إحياء طريق الحرير برؤية جديدة وموسَّعة، وهذا ما صرَّح به الرئيس الصيني “شي جين بينغ” في قمة “طرق الحرير الجديدة” التي عُقدت في بكين بمشاركة مائة وخمسين دولة. ويُعرف المشروع –كما جاء في تقرير موقع الجزيرة نت- باسم “الحزام والطريق”، وهو مبادرة صينية قامت على أنقاض طريق الحرير القديم، ويهدف إلى ربط الصين بالعالم عبر استثمار مليارات الدولارات في البُنى التحتية على طول طريق الحرير الذي يربطها بالقارة الأوروبية، ليكون أكبر مشروع بنية تحتية في تاريخ البشرية، ويشمل ذلك بناء مرافئ وطرقات وسككا حديدية ومناطق صناعية”.
إن الهدف من البريكس الموسَّع –صينيًّا- هو إحياء طريق الحرير القديم وضمان منافذ بحرية ومائية تمكِّن من تدفق المنتَجات التجارية والاقتصادية الصينية إلى الأسواق الخارجية، ويندرج ضمن هذا المسعى إلى قبول عضوية السعودية وإيران، فانضمام السعودية يضمن للصين تدفُّقا آمنا لمنتجاتها النفطية عبر بحر العرب، وانضمام إيران يضمن لها الغاية ذاتها عبر مضيق هرمز، وتشكِّل قناة السويس والبحر الأحمر أيضا من الناحية التجارية والاقتصادية أمرا بالغ الأهمية بالنسبة للصين.
ويمثل انضمام إثيوبيا مكسبا مهما لمجموعة البريكس التي ستتخذ من القرن الإفريقي نقطة لتوسيع نفوذها إلى المنطقة المحيطة. وتضمن روسيا كذلك من خلال الأعضاء الجدد المصالح ذاتها ضمن خطة تقاسم المنافع بينها وبين الصين.
وتبدي روسيا والصين نيّاتهما الحسنة من تأسيس تكتل البريكس سواء بتشكيلته الأولى أو الجديدة، وهو توسيع التبادلات التجارية والاقتصادية وتنويعها بين الدول الأعضاء، هذا هو الهدف الظاهر، أما الهدف الحقيقي -في اعتقادي- فهو حرص روسيا والصين على مصالحهما الاقتصادية في ظل تزايد النفوذ الأورو أمريكي. إن الشراكة الاقتصادية التي تعبّر عنها روسيا والصين في كل قمة للبريكس ليست في الحقيقة إلا شراكة صورية، لأن روسيا والصين تتحركان بمنطق الزعامة، وهذه حقيقة يجمع عليها كل المحللين السياسيين والاقتصاديين.
من سوء حظ إفريقيا أنه لا يُنظر إليها إلا بمنظار ما تدرُّه من منافع ضمن منطق نفعي لا يضع هموم إفريقيا واهتماماتها في الحسبان، فإفريقيا استُخدمت وما زالت من قبل الدول الكبرى كقاعدة للاستثمار وليس لإشراكها في صنع القرار. وقد يقول قائل إن دولة إفريقية محورية بحجم جنوب إفريقيا لا يمكن أن ينطلي عليها هذا الأمر، ونجيب بأن وجود جنوب إفريقيا في البريكس –وخاصة في ظل غياب الجزائر- إنما هو لاستقطاب دولٍ إفريقية لتكتل البريكس بغرض تحقيق المعادلة التي أشرتُ إليها والتي تتلخّص في وجود مشروعين متناقضين: مشروع تحقيق حلم “طريق الحرير” الجديد الذي تسعى إليه الصين، ومشروع التحرر من العزلة الاقتصادية الذي تسعى إليه الدول الإفريقية.

سببان وراء رفض عضوية الجزائر
وقد خاض المختصون وغير المختصين في أسباب رفض عضوية الجزائر في البريكس الموسع، ومن غريب ما قرأتُ في هذا الصدد تبرير بعضهم لهذا القرار بضعف الناتج الخامّ وغياب الاقتصاد المتنوع في الجزائر. قد يكون هذا سببا من الأسباب مع رفضنا للأحكام المطلقة والتفسيرات المغرضة لهذه العملية، ولكن هناك في الحقيقة سببين جوهريين لرفض عضوية الجزائر: السبب الأول هو خشية روسيا والصين من تصاعد دور الجزائر الإقليمي والدولي مما يجعلها عضوا منافسا لهما، والسبب الثاني هو موقف الجزائر الرافض للتطبيع واستمرار مساندتها للقضية الفلسطينية وقضايا التحرر في العالم.

هناك سببان جوهريان لرفض عضوية الجزائر: السبب الأول هو خشية روسيا والصين من تصاعد دور الجزائر الإقليمي والدولي مما يجعلها عضوا منافسا لهما، والسبب الثاني هو موقف الجزائر الرافض للتطبيع واستمرار مساندتها للقضية الفلسطينية وقضايا التحرر في العالم.

إن قراءة متأنية في نتائج تصويت أعضاء البريكس على طلب عضوية الجزائر يبيّن لنا البون الشاسع بين ما يقوله بعض حلفائنا وبين ما يفعلونه، فروسيا التي أظهرت تأييدها للجزائر في مسعى الانضمام إلى البريكس تُفاجِئنا بتصريح غريب لوزير خارجيتها “سيرجي لافروف” فيما يتعلق بأسباب رفض طلبات بعض الدول والمرتبطة بهيبة الدولة وقوة قرارها السياسي وقوة تأثيرها الإقليمي والدولي… وفي هذا التصريح مبالغاتٌ ومغالطات كثيرة وددت لو أن محللينا السياسيين وقفوا عندها لكي يعرف الجزائريون الفرق بين الصداقة الظاهرية والصداقة الحقيقية.
إن التصويت على طلب الانضمام إلى مجموعة بريكس يُتَّخذ بالإجماع وعدم حصول الإجماع في حالة الجزائر مردّه إلى تصويت الهند بالرفض، ولكن في كل الأحوال ينبغي علينا دراسة كل المعطيات وتهيئة كل الأسباب من أجل ضمان العضوية في الدورة القادمة.

فرضيات نجاح أو فشل البريكس الموسع
هناك فرضيتان: الفرضية الأولى وهي نجاح هذا المسعى لعاملين اثنين؛ العامل الأول هو الصراع الأمريكي الصيني على الهند وباسيفيك، مما يجعل الحرص من جانب الصين على إنجاح المسعى غاية قصوى، والعامل الثاني هو تماسك مجموعة البريكس وتقارب وجهات نظرها بشأن الموقف من التمدد الأمريكي في إفريقيا التي توليها مجموعة البريكس اهتماما خاصا.
والفرضية الثانية وهي فشل هذا المسعى لاحتمالين اثنين: الاحتمال الأول هو ظهور كيانات موازية منافسة للبريكس على المحور الآخر أي تركيا وبقية الوطن العربي والإسلامي، والاحتمال الثاني هو لجوء الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا إلى الاستعانة بحلفائها في القارة الإفريقية من أجل كسر شوكة البريكس، ويبدو أن الولايات المتحدة الأمريكية تمتلك القدرة على تنفيذ ذلك بالكيفية المطلوبة والسرعة اللازمة حفاظا على مصالحها الإستراتيجية.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!