-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الجيل الثالث.. وجيل ما خلف الستار

الجيل الثالث.. وجيل ما خلف الستار

لا اكترث لانتقاد الصغار للكبار، ولا اكترث أحيانا حتى لسخريتهم ممن كانوا في بعض الأحيان رموزا للجيل الأول الذي حرر البلاد، قد يمر ذلك، ونقبل به، ولكنه يحز في نفسي أن يُصبح ذلك هو معركتهم الأولى، حتى قبل أن يُحصِّنوا أنفسهم بالعلم والعمل وأن يُشمروا على سواعدهم ليكونوا جزءا مما كان هؤلاء ذات يوم عليه…

الخلل ليس في انتقاد الأبناء للآباء أو الأجداد، وقد ظنوا بأنهم  التحقوا بالركب، وقد مَنَّ عليهم الغرب بالجيل الثالث من التكنولوجيا، فظنوا أنهم متقدمون، إنما في إدراك طبيعة المعارك القادمة وتحديد الرئيسي منها والثانوي.

هل معركتنا القادمة هي الإطاحة بجيل الثورة بعد أن كبر وشاخ، وبكل ما يرمز إليه؟ هل من الرجولة والفحولة أن تكون معركتنا مع شيوخ قد بلغوا من الكبر عِتّيا، خاصة عندما نعرف أن من بينهم على الأقل من كان ذات يوم صاحب تاريخ وأمجاد وبطولات؟ هل من النظرة الصائبة والإستراتيجية أن نصب جامّ غضبنا على الجيل الذي هو اليوم في طور الأفول ونعتبر ذلك قوةَ موقف، وحلا لكل المشكلات التي نعيش؟

هل فعل ذلك أجدادنا في بداية القرن العشرين عندما كانوا شبابا؟ هل لاموا الذين لم يتمكنوا من صد الاستعمار رغم ما قاموا به من ثورات، وحمّلوهم مسؤولية بقائه لمدة قرن من الزمن؟ أم ثمّنوا ذلك الدور واعتبروا أن ما قام به السابقون هو قمة العطاء والتضحية وإن لم يُطرَد الاحتلال، وإن رسّخ أقدامه وامتلك الأرض وبسط سيطرته عليها عقدا بعد عقد؟ هل لام رواد الحركة الوطنية الأمير عبد القادر وأحمد باي والمقراني ولالا فاطمة نسومر وبوبغلة وبوزيان حتى لا نذكر سوى هؤلاء على أنهم انهزموا ولم يتمكنوا من طرد المستعمر؟ هل حمّلوهم مسؤولية ما يعيشون من أوضاع مزرية في بداية القرن العشرين، وأعلنوا ولاءهم للفرنسي المنتصر الذي كانت بيده في حينها أيضا القوة العسكرية والتكنولوجية وكان أكثر عدة وعددا؟ أم أنهم أدركوا كجيل ثالث آنذاك (1900 – 1954) أن الآباء قاموا بما استطاعوا، نجحوا حيث نجحوا وفشلوا حيث فشلوا وما عليهم إلا الانطلاق من إرثهم التاريخي لبناء المستقبل؟

هل لام مصالي الحاج، الأمير عبد القادر لأنه انهزم؟ وهل لام ابن باديس المقراني لأنه لم يطرد الاستعمار؟

أم أنهم ثمنوا ذلك الجهد بما يناسب تلك المرحلة، وتحملوا مسؤولياتهم في اللحظة التي هم فيها لأجل مواصلة تحقيق ذات الهدف والانتصار في ذات المعركة؟

بلى لقد فعلوا… هذا لتحرير العقول وذاك لتحرير الأرض، ولم نقرأ في أدبيات الحركة الوطنية ما يفيد أن جيل القرن التاسع عشر كان هو سبب مأساة الجزائر، بل على العكس من ذلك تماما كانت قدوتهم هي ثورات ذلك القرن، وكانت خلاصتهم منها أن بلادهم لم تُحتل قط رغم أن كل الثورات التي حدثت تم القضاء عليها من وجهة نظر مادية وتبدو وكأنها كانت عبثا.

فكيف بالجيل الثالث اليوم يبني رؤيته على أساس أن جيل نوفمبر أو ما بقي منه هو سبب  المآسي والمحن التي يعرفها، وأن معركته الأولى هي التنديد به، وتشويهه، بل والعمل على طرده من الحكم بكل الوسائل، بل واعتبار أنه كان أسوأ من الاستعمار؟

يبدو أنه علينا أن نصحح هذه النظرة حول أولية معاركنا المستقبلية. معركتنا الأولى ليس مع الجيل الأول. لقد قدم هذا الجيل ما عليه، أصاب حيث أصاب واخطأ حيث أخطأ، انتصر حيث انتصر وفشل حيث فشل، معركتنا الأولى هي ماذا يمكن أن نقدم نحن لبلادنا والواقع الآن هو كما هو، في أي مستوى نحن فيه؟ هل نقوم بعملنا على أحسن وجه حيث نوجد؟ هل نجتهد قدر الإمكان إذا كنا طلاب علم؟ هل نعمل على فهم حقيقة المشكلات التي تعرفها بلادنا وإيجاد الحلول لها؟ هل ندرك طبيعة التحديات الجديدة التي تحيط بنا؟ هل نحاول أن نفهم السبب الرئيس خلف ما نعيش من مشكلات؟ أليست المشكلة فينا نحن كجيل ثان وثالث قبل الآخرين؟ أليست المشكلة في أننا مازلنا نبرئ الغرب من الكثير من المآسي التي نعرفها بما في ذلك دعمه لعملائه ببلادنا ومنعنا من أن نكون كما نريد. أليست المشكلة في الأبناء الذين لم يصنعوا لأنفسهم طريقا ولا منهجا ولم يحددوا لأنفسهم أهدافا وأدخلوها في معارك وهمية لا يمكن الانتصار فيها؟

يبدو أنها الحقيقة التي لا نريد الاعتراف بها. أننا حينما نعجز عن تحديد معركتنا الرئيسية المقبلة، ونعجز عن توفير الأدوات اللازمة لخوضها، بدءا بتمكين أنفسنا من القدرة والكفاءة، نبحث عن كبش فداء نلقي عليه باللوم، ونوجد لأنفسنا معركة ثانوية نتسلى بها، وأقرب المعارك الثانوية لنا، هي التي بداخل البيت، هي التي مع آبائنا، مع ما نسميه اليوم جيل الثورة.

تسألوني وأنت؟ إلى أي جيل تنتمي، وهل تخوض معنا هذه المعركة الثانوية، أم معركة أخرى، أقول: انسب نفسي إلى الجيل الثاني الذي يعترف بالجميل للجيل الأول، وسيبقى يحميه حتى بعد أن شاخ وهرم، ولن يثور عليه مهما فعل، ولن يذكر سوى حسناته حتى وإن كانت له سيئات، لأنه يعلم أنه ما كان ليكون لولا هذا الجيل.. ولولا هذا الجيل ما كان ليقرأ أو يكتب، أو يحلم بأن يلبس أو يعرف الطبيب.. فما بالك أن يدرك بوعي أن مشكلتنا الرئيسية كانت ومازالت هي في عملاء الأمس واليوم ممن إذا خُيروا بين انتقاد الاستعمار وجيل الثورة، مجدوا الاستعمار واحتقروا جيل الثورة، بل ولاموا الذين قاموا بالثورة على ما فعلوا، وقالوا بالفم المليان لو بقيت فرنسا لكنا أفضل.

 

معركتنا هي مع هؤلاء.. الذين مازال منهم من يرفض الحديث مع الشعب بلغته، ومازال منهم من يعامله باحتقار وازدراء في الإدارة والمعمل والسوق، ينهب ثرواته ويقدمها على طبق من ذهب إلى أسياده مقابل العفو عنه، …وهؤلاء ليسوا هم من يرمز لهم الجيل الأول، ولا الثاني ولا الثالث، إنهم جيل ما خلف الستار، الذي لا غاية له سوى أن ينهزم جيل الثورة الذي انتصر عليه ذات يوم… فهل يقدم له الجيل الثالث الخدمة التي يريد ويُجنّد في معركة ليست معركته؟ ذلك ما نخشاه.  

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!