-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الراحل علي سلطاني.. أحد أهمّ مكتشفي الآثار بتبسّة

الراحل علي سلطاني.. أحد أهمّ مكتشفي الآثار بتبسّة

كان عمي علي سلطاني أيقونة تبسة والجزائر وبقاع كثيرة من العالم لارتباط اسمه بآثار تبسة، فهو مدير الآثار بولاية تبسة، وكان صديقا لوالدي ولأسرتنا جميعا، كما كان كل أبنائه أصدقاء لي، وقد تعاملنا معه من خلال النشاطات الفكرية والثقافية والأدبية والتاريخية والوطنية. وقد

تُوفي الأستاذ علي سلطاني خلال فترة وباء كورونا غفلة ولم يتسنَّ لي الكتابة عنه، ومن باب حقّه عليّ أقدِّمه للقراء في شهر رمضان كونه توفي رحمه الله في شهر رمضان سنة 2021م.

وُلد الأستاذ المناضل علي سلطاني يوم 16سبتمبر1927م، وهو منحدِر من عرش اللمامشة بدوار حاسي الصبايا بالدرمون دائرة الشريعة ولاية تبسة، من أب يدعى بلقاسم بن البهلي، ومن أم تدعى جمعة بنت الساسي سلطاني، له أخوان هما: أحمد (رحمه الله) توفي سنة 2005م كان مناضلا، وزيتون كان مجاهدا ولا يزال حيا، وأختان هما نوة وخديجة لا تزالان على قيد الحياة.

وقد نشأ في منطقة ريفية من قبيلة سلطاني المجاورة لقبائل أولاد سعيدان، وينتسبون جميعهم إلى عرش اللمامشة، الذين يقطنون في مساحات ذات أراضي شاسعة إذ تشتمل منطقتهم بئر العاتر حتى الصحراء -منطقة محمد بن خليفة اللموشي- ووادي جارش جنوب بئر العاتر، كما تشمل منطقة الشريعة وششار والزوي إلى حدود خنشلة وقد كان الصراع دائما على مناطق النفوذ.

وقد تعلَّم كغيره من تلاميذ المنطقة في المرحلة الابتدائية على يد الشيخ إبراهيم بوقطاية سلطاني، جد الشيخ الوزير الأستاذ أبو جرة سلطاني.أما مساكن قبيلة سلطاني وقبيلة أولاد سعيدان فتقع –إلى حد الآن-على ضفاف وادي الشريعة وفج القعقاع، أما الأراضي الخصبة فكانت مشتركة الاستغلال بين تلك القبائل، وفي غيابه يتعلمون بالنيابة على يد الشيخ (سليمان بن عمار سلطاني) معلم القرآن أو (رمضان بن البهلي)، وعلى الرغم مما يملك جده من أراض إلا أن الاستقرار بالنسبة لهم كان عبارة على خيم والدليل على ذلك أن معلم القرآن كانت له خيمة متنقلة. وفي هذا الصدد يقول: “.. لما بلغت خمس سنوات من عمري سنة 1932م أخذني المرحوم والدي بلقاسم إلى مدرسة القرآن الابتدائية بالريف لقبيلة سلطاني عند الشيخ الجليل (إبراهيم بوقطاية سلطاني) مدير المدرسة آنذاك، وحفظتُ ربع القرآن الكريم ومبادئ الفقه والنحو والتوحيد والتربية الإسلامية وبعض المتون…ثم نقلني والدي إلى قرية الشريعة عند معلم القرآن الممتاز السيد الطاهر وادي (أصله من بسكرة)، كان يعلِّم القرآن في الشريعة (بعدما أعادني عمي رمضان من عند معلم القرآن بالشابية بتوزر..غضب والدي وأخذني مباشرة إلى هذا المعلم بالشريعة سنة 1938م) فحفظت على يده واحدا وثلاثين حزبا من القرآن والأحكام والقراءة الصحيحة..”.

وقد بدأ هذه المرحلة الثانية عندما طلب الشيخ بوقطاية من والده إرسال ابنه ضمن مجموع الأطفال إلى تونس حتى يتلقّوا التعليم هناك، وعندما بلغ من العمر نحو ثلاث عشرة سنة سنة 1939م انتقل إلى قرية الشابية بتوزر (تونس)عند شيخ يدعى بلقاسم الشابي وسافر مع مجموعة طلاب من الشريعة (من قبيلة سلطاني) إلى الفرع الزيتوني بتوزر وشارك في اختبار الدخول إلى معهد (الفركوس) فرع من فروع الزيتونة ونجح في امتحان الدخول إليه، وبدأ التعليم بنشاط كبير على يد مشايخ وعلماء كبار ويهتمّون بالطلبة الجزائريين بصفة خاصة.. يذكر منهم الشيخ (بن أحمد دراجي العربي) و(بن جدو الشابي) والشاعر الأديب (بشير صفية) والشيخ (لعروسي عبادة) والشيخ (لعروسي المطوي) والشيخ (العمودي) وغيرهم. وكان من بين زملائه في الدراسة بمعهد توزر (محمود مسعود، يونس هارون، صالح حميدة، عمار سليمي، على براكني، حمّه براكني..) وآخرين..

حصل أخيرا على شهادة الأهلية سنة 1953م، من الفرع الزيتوني بتوزر وصادف اندلاع الثورة في الجنوب التونسي بين سني 1952-1954م”. بعد أن امتدت فترة تعليمه سنوات 1939-1953م مع الانقطاعات بسبب الحرب العالمية الثانية والظروف الاجتماعية والاقتصادية. وفي سنة 1953م انتقل من فرع توزر نحو جامع الزيتونة بتونس العاصمة لنيل شهادة التحصيل في العلوم على يد مشايخ وأساتذة نذكر منهم: الطاهر بن عاشور وابنه الشيخ الفاضل بن عاشور المفتي والأديب الطاهر بن خوجة.. وغيرهم من مشايخ الزيتونة، وتابع دراسته سنوات 1953- 1958م.

وتابع دراسته خلال وعند اندلاع ثورة التحرير في الأول من نوفمبر 1954م إلى غاية تحصله على شهادة التحصيل في العلوم الزيتونية، في العام الدراسي 1957-1958م، وتأهل للدخول في السنة الأولى من شهادة العالمية الزيتونية كما تشهد بذلك شهاداته المسلّمة له من قبل الجامعة الزيتونية.

وصار عضوا في الاتحاد العام للطلبة الزيتونيين، وفي جمعية صوت الطالب الزيتوني. ثم ارتحل لمواصلة تعليمه في العراق بتوصية من جبهة التحرير الوطني، وقضى في الجامعة العراقية فترة دراسته وتخرج يحمل شهادة الليسانس في التاريخ سنة 1962م.

وزاول بعد الاستقلال مهنة أستاذ ثانوي في اللغة العربية والتاريخ والجغرافيا، وكانت البداية في ولاية وهران في  10 أكتوبر1962م، إضافة إلى نشاطه في حزب جبهة التحرير الوطني على مستوى الخلية والقسمة مع زميله علي الرياحي والشيخ الجليل عبد القادر الياجوري (ممثل الشؤون الدينية) وفي هذا الصدد يقول: “..هنا تصدى لي أعداء اللغة العربية وما أكثرهم في وهران، وعملوا على إيقافي من التعليم في ثانوية ستيفن قزال للبنات فاضطررتُ للانتقال للمدرسة إلى ثانوية قديل (نسكلوا) ثم إلى ثانوية معسكر. وفي سنة 1964م أستاذ ثانوي لثانوية البنات، وكذلك في ولاية المدية أستاذ ثانوي بثانوية البنات من سنة 1968م إلى سنة 1971م.

وفي الفترة نفسها شغل العديد من المناصب الأخرى داخل جبهة التحرير، وبعدها رُشّح لانتخابات البرلمان (المجلس الوطني الشعبي) 1982م، وشغل منصب محافظ لتراث الأثري والتاريخي للشرق الجزائري (أم البواقي، سوق أهراس، تبسة)، ثم مديرا للآثار ومكلف بالأبحاث الأثرية لهذه الولايات الثلاث، فكان من أهم هذه التنقيبات الاثرية المميزة بين ما كان داخل الجزائر وخارجها. علما أن الأستاذ علي سلطاني مكلفٌ بالأبحاث الاثرية ورئيسا لدائرة الاثرية لشرق الجزائري التي مقرها ولاية تبسة منذ 1989-1998م.

في ولاية تبسة كان المجاهد علي سلطاني ضمن الوفد الجزائري فشارك في اكتشاف القصر القديم سنة 1972م والذي يضم نحو 12بيتا مبلّطا بالفسيفساء المختلفة، وكل بيت مختلفٌ كل الاختلاف عن الثاني، بالإضافة لاكتشاف مقبرة تسمى مقبرة دكتور سعد، اكتشف فيها أكثر من 60 تابوتا، وتعتبر هذه المقبرة إلى حد الآن من أكبر وأعتق المعالم الأثرية بكل القطر الجزائري فهي غنية بالكتابات القديمة، كذلك شارك في اكتشافات أخرى تمثلت في حمامات مختلفة بالشرق والغرب ومنها السور البيزنطي لولاية تبسة.

أما بين سنتي 1972-1998م فيمكن حصر هذه التنقيبات فيما قام به الاستاذ المجاهد علي سلطاني مسؤول الدائرة الأثرية مع بعثة التنقيب التابعة للوكالة الوطنية للآثار لاكتشاف -كما تمت الإشارة من قبل- القصر القديم والمقبرة التي كانت من أصل وندالي 1976م، وهذا بعد الدراسات التي جرت على الكتابات اللاتينية القديمة في لوحات فسيفساء وُضعت على التوابيت، ومن خلالها تبيّن بأنها تعود للأصل الوندالي يعني من: اسم الميت، والأعمال التي قام بها، والفرقة العسكرية المنتمي اليها في الجيش.

في ولاية تبسة كان المجاهد علي سلطاني ضمن الوفد الجزائري فشارك في اكتشاف القصر القديم سنة 1972م والذي يضم نحو 12بيتا مبلّطا بالفسيفساء المختلفة، وكل بيت مختلفٌ كل الاختلاف عن الثاني، بالإضافة لاكتشاف مقبرة تسمى مقبرة دكتور سعد، اكتشف فيها أكثر من 60 تابوتا، وتعتبر هذه المقبرة إلى حد الآن من أكبر وأعتق المعالم الأثرية بكل القطر الجزائري فهي غنية بالكتابات القديمة، كذلك شارك في اكتشافات أخرى تمثلت في حمامات مختلفة بالشرق والغرب ومنها السور البيزنطي لولاية تبسة.

إذن كانت تبسة الأثرية (تبسة الخالية) أو المدينة العتيقة تقع على مساحة كيلو مترين من السور البيزنطي أي في الجزء الغربي من السور أسِّست في السفح الشمالي الغربي لجبل الدُّكان تضمُّ عدة مباني قديمة منها قصور واسطبلات ومعاصر الزيتون ومعابد ومساكن الكهنة ومسابح واعمدة وتماثيل… ينظر علي سلطاني، تبسة مرشد عام للمتحف والمعالم الأثرية، تبسة، 1999م، ص.95. مهددة من خلال الزحف العمراني عنها خاصة ما بين سنوات 1972-1998م في حين غياب سياسة ثقافية لحماية تراثنا العظيم، هنا يكمن دور الأستاذ علي سلطاني، فبناءً على الخبرة الميدانية والاختصاص قام بإيقاف ذلك لأجل انقاذ ما يمكن من هذه الاكتشافات الأثرية والتي كانت عفوية لقلة الإمكانات إذ يقول في هذا الصدد”… في يوم كانت هناك محاولة لإعادة شبكات نقل الماء وقنوات الري والهاتف والغاز، هذا تطلب الحفر في شوارع مدينة تبسة، وهناك اصطدم هؤلاء بصخور ضخمة يصل وزن الواحدة فيها إلى نحو طن… هذه الصخور أمرتُ بنقلها إلى تبسة الخالية وبنيت بها سورا لحمايتها من الزحف العمراني ووضعت حراسا لذلك..”.

وقد تُوفي رحمه الله يوم 12/ رمضان/1442هـ الموافق 24/04/2021م، ودُفن بمقبرة الدكان الجديدة الواقعة بحي جبل الجرف في جو جنائزي مهيب تناول فيه المشيعون خصال الفقيد، فليرحمه الله في الخالدين.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!