-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الغرب يناور ضد “البريكس”.. ما العمل؟

محمد سليم قلالة
  • 11453
  • 0
الغرب يناور ضد “البريكس”.. ما العمل؟

بدأ الغرب مناوراته المالية هذه المرة ضد البريكس. سَكَنَه رُعبٌ شديد من العملة القادمة التي سَتَضع حدا للدولار واليورو، بعد هيمنة دامت 80 سنة كاملة.. سارع الرئيس الفرنسي “ماكرون” للتبشير بِلَملَمة عددٍ من الدول والمنظمات المالية الغربية حوله، في قمة باريس التي اختتمت أول أمس. كان عنوانها “ميثاق مالي عالمي جديد”، افتتحت بقصر “برونيار” يوم 22 من الشهر الجاري. لم تُخفِ هدفها رغم حضور الصين القمة: بناء اتفاق جديد حول نظام مالي دولي أكثر تضامنا يُخفّف الديون عن الفقراء، ويساعدهم بـ100 مليار دولار لمواجهة الأخطار الناتجة عن الاحتباس الحراري، من دون أيّ إشارة إلى مَن أثقل الشعوب الفقيرة بالديون؟ مَن نهب ثرواتها؟ مَن جعل خدمة الدين لديها تفوق الألف مليار دولار؟ مَن استغلها طيلة قرون؟ مَن هو المُتسبِّب في الكوارث البيئية التي تعرفها؟
وفي القارة الأخرى، بَسَط الرئيس الأمريكي “جو بايدن” السّجاد الأخضر أمام رئيس الوزراء الهندي “ناريندرا مودي”، واستقبله بالأحضان، وصفّق له طويلا أعضاء الكونغرس، في محاولة لاستمالته نحوهم للابتعاد عن “البريكس”، ومَنْع تَحَوُّل هاجس العملة الجديدة (الذي أصبح أكثر من شبح يطاردهم) إلى حقيقة.. وكان رئيس وزراء الهند، في مستوى حكمة الشرق وهو يُستَقبل هذا الاستقبال الكبير. كان مطلبه تكنولوجيًّا بالأساس، علميا بالدرجة الأولى، بحثا عن السلم بدرجة ثالثة في منطقتي المحيط الهادي والهندي. لم يشفِ غليل الأمريكان بأن أنقلب على حلفائه أو خَرَج عن المبادئ الاستراتيجية المعتمَدة من قبلهم.
وقبله بأيام لم يتردد وزير الخارجية الأمريكي في التَّوجُّه إلى الصين ليضع حدا للتصعيد، ولِيَربح مزيدا من الوقت، ولم يتخلف قادة الشركات الأمريكية العملاقة في القيام بذات الفعل تجاه المارد الصيني، “بيل غيتس”، و”تيم كوك” و”إيلون ماسك” وغيرهم من ممثلي كبار الشركات الأمريكية، جميعا توجَّهوا إلى “بيكين” خوفا على مصالحهم من أن تنهار فجأة إذا ما حدث بالفعل صراع، وهم يعرفون أن بلدهم مدانة للصين بأكثر من ألف مليار دولار…
وهكذا بالنسبة لجميع قادة مجموعة السبع، جميعا مُجنَّدون بكافة الوسائل لجمع قواهم من أجل مواجهة هذا الخطر الداهم. اليوم لم يعد حديثهم عن الديمقراطية أو حقوق الانسان تلك الوسيلة التي كان يتم بها ابتزاز مَن لم يرضخ لسياستهم، ولا إشارة من قادة قمة باريس إلى هذا الأمر، مادام الهدف هو مواجهة الخطر المالي القادم من الشرق. ومادامت حقوق الانسان قد تتعارض مع المصالح المالية لذلك لا داعي للخوض فيها.
وفي المحصّلة، تبقى الشعوب والدول التي اضطهدها الغرب لقرون من الزمن، وازداد اضطهاده واستغلاله واحتقاره لها بعد استعادة استقلالها السياسي، أمام تحدّ استراتيجي وتاريخي في آن: إما أن تُصدِّق مناورات هذه الكتلة المستغِلّة والعنصرية والمضطهدة وتكتفي بالفُتات الذي سيُرمى لها، أو تقف صفا واحدا في وجه هذه الأساليب الماكرة والمُستَجَدَّة (تحت عناوين برّاقة كالبيئة والتغير المناخي والتخفيف من عبء الديون…الخ)، وتَبْني تحالفاتها على أُسس مختلفة دون الوقوع في أحضان أي كان.
يبدو أن القرار بين أيدينا، وأفضل ما ينبغي القيام به، ألا ندعم هذه المساعي الغربية الهادفة إلى تعزيز مواقفها ضد البريكس، تحت أي مبرر كان. صحيح لقد علمتنا التجارب أن الانحياز التام لأي طرف فيه مضرة لمصالحنا، ومع ذلك تبقى دول آسيا والشرق بشكل عامّ بريئة من أي استغلال تاريخي لنا، ناهيك عن استعبادنا أو احتلالنا أو قتلنا وتشريدنا كما فعل الفرنسيون والأمريكان والانجليز لقرون خلت، ويبدو أنهم نسوا اليوم ما فعلوا، ومازالوا يفعلون… هل نعرف الطريق الصحيح، ونخرج من هذه المناورة العالمية سالمين؟

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!